ماذا يريد جو بايدن من الشرق الأوسط؟ وكيف تدير إدارته مجموعة العلاقات الشائكة بين دول المنطقة المتناحرة؟
ببساطة إدارة بايدن هي استمرار لإدارة باراك أوباما، أو كما يسميها خصومه الجمهوريون بالولاية الثالثة لأوباما.
وعلى عكس ما هو سائد لا ترى هذه الإدارة أي جدوى من الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط، على حساب اهتمامها بالملف الصيني وشرق آسيا عموماً، إضافة إلى تفاقم الأزمة الروسية عبر اجتياح الرئيس الروسي لأوكرانيا، ولكن مشكلات الشرق المتراكمة التي لم تستقر على حل منذ أكثر من مئة عام، فرضت نفسها بقوة على مسار السياسة العالمية والأميركية، ولعلّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد التقط هذه الرغبة الأميركية في الانسحاب من المستنقع الشرق أوسطي، بدءاً من التردد الأوبامي وانبطاحه أمام حكام إيران وقبوله عدم التدخل في سياسات إيران الإقليمية، مروراً باللامبالاة الترامبية التي رأت أن الشرق الأوسط هو نفط لا غير، وبالتالي لا ضرورة للوجود العسكري الأميركي في المنطقة حيث لا جدوى من أي معركة أو حرب هناك، وصولاً إلى الغرق البايدني في أزمات المنطقة التي تفجّرت دفعة واحدة، تغوّل النفوذ الإيراني، وحرب السابع من أكتوبر، تسلط الميليشيات وتجاوزها الخطوط الحمر في قطعها طرق الإمداد والتجارة البحرية في البحر الأحمر ومنابع النفط في الخليج.
كل ذلك جعل بايدن يعيد التفكير في الاستراتيجيات التي خطّها مديرو الأمن القومي الأميركي عبر عقود، حيث تعاقبت الآراء على ضرورة عدم نزول العسكر الأميركي في المستنقع الأوسطي.
نتنياهو يلعب على وتر الوجود الإسرائيلي، وهو يعلم علم اليقين بأن لا بايدن ولا أي حكومة أميركية تقدر على تجاهل أي خطر وجودي على إسرائيل، وفي المقابل يعلم بأنهم لن يدخلوا أي حرب من أجل إسرائيل إلا إذا كانت حرب وجود، وبالتالي تلك الحرب، إن قامت، ستغيّر وجه الشرق الأوسط للأبد، وربما وجه العالم كذلك.
حرب مثل هذه قد تسبب كدمات على الاقتصاد العالمي حيث يمكن أن تمتد لعقود، فمن إيقاف خطوط التجارة والإمداد، إلى ضرب منابع النفط وبالتالي ارتفاع أسعاره عالمياً، إلى موجات نزوح غير مسبوقة نحو أوروبا، وتشكُّل أزمة لاجئين تفوق أزمة 2014، إلى تهديد وجودي لدولة إسرائيل قد يكون من غير الممكن تحديد نهايته، وبالتأكيد وجود تهديد نووي قد يلقي بظلاله على التاريخ البشري المعاصر، فالخبراء يعتقدون أن إيران قد تسعى لاستخدام قنبلة نووية مصغّرة تنتجها على عجل من أجل حماية كيانها الفقهي والجمهوري، ويمكن كذلك الأمر أن تقصف المفاعلات الإسرائيلية، وبالمثل قد تفعل إسرائيل هذا الأمر.
ما يريده نتنياهو هو ابتزاز الغرب، لأقصى درجاته، وتوريطه في حرب وجودية دفاعاً عن إسرائيل، يريد أن يرمي نفسه ودولته في أتون معركة قد تحرق نيرانها جميع شعوب المنطقة ومنهم الشعب المهاجر في إسرائيل، ولسان حاله يقول أنتم من جلبنا إلى هنا، ويجب عليكم، بالتالي، حمايتنا.
إيران بدورها تعلم علم اليقين أن حرباً إسرائيلية عليها ستكون قاتلة لها، ليس لعظمة الجيش الإسرائيلي، بل لأن الغرب برمته سيضطر للوقوف خلف الجيش الإسرائيلي لحمايته كما حصل في الضربات المسرحية التي قامت بها قوات الحرس الثوري ضد إسرائيل، وأوقفتها قوات التحالف الدولي عبر طيرانها الأميركي والفرنسي والبريطاني.
وهذا يعني مواجهة بين إيران والغرب، وهو ما لا يريده خامنئي أبداً.
لذلك يحاول بايدن إمساك العصا من منتصفها، ومداراة اليمين الإسرائيلي بذات الدرجة التي يقنع فيها اليمين الإيراني بضرورة عدم التصعيد وعدم المواجهة المباشرة مع تل أبيب، تتحدث التقارير عن مباحثات سرية بين واشنطن وطهران حول إعادة الاتفاقية النووية من جديد، في مقابل ضمان لجم إيران لأذرعها في المنطقة وعلى رأسهم حزب الله، الذي يلتزم سياسة الرد ضمن قواعد الاشتباك القائمة منذ حرب 2006، وتسعى حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب إلى تنفيذ أقصى درجات الاستفزاز ضد أذرع النظام الإيراني وضد الحرس الثوري ذاته، عبر ضربات شبه يومية لاغتيال القادة الإيرانيين في كل مكان من ما يسمى بحلف المقاومة.
كل ذلك يجري في أجواء متسارعة من الحرب في غزة، مترافقة مع حراك وضغط شعبي في دول المنطقة وأزمات اقتصادية موازية، والأهم بالنسبة لبايدن هو عدّاد الوقت الانتخابي الذي يقترب من نفاده، حيث تتبدّى الانتخابات الأميركية كانتخابات فاصلة في مواجهة جديدة بين بايدن وترامب بعد أشهر تنذر بتغييرات كبرى في المنطقة، حيث يعتمد ترامب على كل أخطاء بايدن لتضخيمها وتفعيلها لإضعافه وتبيان هشاشة رئاسته، بينما يسعى بايدن لتحقيق إنجازات ميدانية، أولها وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الميليشيات في المنطقة إلى فترة ما قبل السابع من أكتوبر وحتى إلى ما قبل 2011.
يرغب بايدن في تحييد الشرق الأوسط بعيداً عن المعركة الأهم التي ستجري بعد عشرين أو خمس وعشرين عاماً منذ الآن مع الصين، التي تتصاعد طبولها بين الحين والآخر، تلك المعركة التي تبدو حتمية بسبب المواجهة الاقتصادية بين الطرفين والصراع على اقتصاد العالم، لكن من غير الممكن التجهيز لتلك المعركة في ظل عدم ضمان اصطفاف الشرق الأوسط مع الغرب، أو في ظل اضطرابات تهدّد الممرات ومنابع النفط.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
ليس بالضرورة ان يعبر المقال عن رأي الموةقع
هل إدارة بايدن هي الولاية الثالثة لإدارة أوباما؟ فلا ترى أي جدوى من الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط، وتركيز اهتمامها بالملف الصيني وشرق آسيا عموماً وعدم نزول العسكر الأميركي في المستنقع الأوسطي. إضافة إلى تفاقم الأزمة الروسية عبر اجتياح بوتين لأوكرانيا، لذلك يحاول كمح جموح نتنياهو وإنهاء حرب غزة، فهل ستنجح العودة لعقيدة أوباما الأوسطية ؟