لماذا يكرهوننا: معاداة الصهيونية في المجتمع اليهودي‏

ألان واغمان*     ترجمة: علاء الدين أبو زينة‏

المعتقدات التأسيسية حول إسرائيل لا تتعرض للتهديد منا نحن -إنها تتعرض للتهديد من إسرائيل نفسها بعد أن جردت نفسها من القشرة الليبرالية التي كانت تغطي بها طبيعتها الحقيقية، بطريقة أجبرت أولئك الذين يعتزون بهذه المعتقدات على مواجهة الواقع الحقيقي لأول مرة.‏

*   *   *

بصفتي مناهضًا للصهيونية منذ فترة طويلة وعضوًا في منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”، كانت إحدى الحقائق في حياتي أن المجتمع اليهودي المنظم اعتبرني مارقًا منبوذًا. وعندما كنت رئيسًا لطائفتي اليهودية، رفض المدير التنفيذي للاتحاد اليهودي المحلي التحدث معي؛ وعندما كان الاتصال مطلوبًا، كان يجد دائمًا حلاً بديلاً. ومع ذلك، لم يكن يهينني أبدًا، ولم يعبر مطلقًا عن غضبه بشكل مباشر، ولم يستخدم الألفاظ النابية في الحديث عني في أي وقت. وقبل بضع سنوات، أخبرني أعضاء مجلس الاتحاد المحلي بأدب بأنني معاد للسامية. لكنني أؤكد أنهم كانوا مهذبين.‏

لكنّ الأمور تغيرت الآن. لقد سلّح المجتمع اليهودي المنظم الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. والآن، ‏‏تحظر الكليات‏‏ والجامعات فصول “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” في الجامعات. ويقوم الديماغوجيون في الكونغرس ‏‏بإجبار‏‏ رؤساء الجامعات على الاستقالة. وتتبنى ‏‏حكومات‏‏ الولايات، والحكومات ‏‏المحلية وغير المحلية،‏‏ ‏‏وإدارات مجلس الوزراء الأميركي‏‏ -وحتى ‏‏الكونغرس نفسه-‏‏ ‏‏تعريفًا لمعاداة السامية‏‏ يشمل معاداة الصهيونية. وأصبحنا نحن نواجه حاخامات يهاجموننا ويتهموننا بخلق الانقسام بين رعاياهم. وثمة حاخامات آخرون يجنبوننا الكلمات ويستعيضون عنها بإشارات بذيئة بالأصابع، حرفيا. (نعم. حدث هذا حقًا).‏

وقد ‏واجه يهودي تقدمي ناشط منذ فترة طويلة، كان قد عمل حتى وقت قريب بشكل أساسي على قضايا أخرى غير إسرائيل/ فلسطين، هذا العداء المكثف من شرائح من الجالية اليهودية. وتساءل الناشط عما إذا كان هذا يحدث لأننا نهدد المعتقدات التأسيسية التي يعتنقها بعض اليهود حول إسرائيل.‏

لكنّ هذه المعتقدات التأسيسية لا تتعرض للتهديد منا نحن -إنها تتعرض للتهديد في الحقيقة من إسرائيل نفسها بعد أن جردت نفسها من القشرة الليبرالية التي كانت تغطي بها طبيعتها الحقيقية، مما أجبر أولئك الذين يعتزون بهذه المعتقدات على مواجهة الواقع لأول مرة.‏

‏ثمة اسم للموقف الذي يجد فيه المرء معتقداته الداخلية وهي تتعارض مع الواقع الذي يراه -‏التنافر المعرفي‏‏. كلما تمسك المرء بشدة بمعتقداته في مواجهة واقع معاكس، أصبح أكثر خوفًا وغضبًا.‏

وتصبح هذه المشاعر أكثر حدة بحقيقة أن صورة إسرائيل الليبرالية والأخلاقية لم تكن إدراكا فرديا بقدر ما كانت إدراكا جماعيا. ولعل الأمر الأكثر قوة هو أن ذلك كان إدراكا جماعيا لعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على تماسك المجتمع. وبذلك، لا يقوض هذا الإدراك كيفية إدراك الأفراد لأنفسهم فحسب، بل يهدد أيضًا تماسك المجتمع والهوية المجتمعية للأفراد.‏

‏عندما يبدأ أحد أعضاء مجموعة مجتمعية يهودية في الشك في الإيمان الأساسي بصلاح إسرائيل، فإنه يثير سؤالين مهمين: “إذا كانت هذه هي إسرائيل، فمن أكون أنا”؟ و، “إذا قبلت الواقع الماثل أمامي، ما الذي يحدث لمكاني في المجموعة”؟ (يمكن أن تكون “المجموعة” هي العالم اليهودي ككل؛ الجماعة التي ينتمي إليها المرء؛ وعائلته، وأصدقائه، وما إلى ذلك)‏.

لفهم كيف يمكن أن تكون مواجهة الحقيقة حول إسرائيل مدمرة، نفسيًا وعاطفيًا وفي العمق للعديد من أفراد الجالية اليهودية، يمكن للمرء أن يتأمل ‏‏الرؤية التي عبر عنها أبتون سنكلير: “من الصعب جعل الشخص يفهم شيئًا عندما يعتمد راتبه على عدم فهم هذا الشيء”. وفي هذه الحالة، من الصعب جعل الشخص يفهم شيئًا ما عندما تعتمد الهوية الذاتية لهذا الشخص، وعلاقاته الأسرية والصداقية، وعضوية المجموعة، والبنية الاجتماعية، وشبكة الدعم، على عدم فهم الشخص لهذا الشيء. ومع وجود الكثير على المحك، يتشبث الناس بمعتقداتهم الخاطئة التي لم تعد قابلة للصيانة.‏

ليس من المستبعد عندما يستنطق معظم -أو حتى كل عضو في- مجموعة اعتقادًا خاطئًا في جوهر المجموعة نفسه أن يكون كل فرد خائفًا تمامًا من الاعتراف بشكوكه الخاصة للآخرين. ولذلك، تقوم المجموعة بصف العربات في دائرة ضد الخارج، من دون أن تدرك بوعي أنه لم يعد هناك داخل، أو ربما عندما تشك بخوف في أنه لم يعد هناك داخل من الأساس. إن هذا الوضع يصنع الخوف والتوتر اللذين يعبران عن نفسيهما بعد ذلك في شكل غضب من رواة الحقيقة غير المرحب بها.‏

‏‏في مواجهة هذه الدينامية، أعتقدُ أن لأعضاء منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” وغيرهم من اليهود المناهضين للصهيونية مجموعتين من الأدوار؛ واحدة خارج المجتمع اليهودي والأخرى داخله. في الخارج، كانت أدوارنا الأساسية هي العمل من أجل يوم يتمتع فيه جميع الناس الذين يعيشون بين النهر والبحر بالحرية والمساواة والكرامة، وأن نظهر للعالم أن اليهود ليسوا متجانسين.‏

و‏في الداخل، تجاوزنا خطاً، حيث لم يعد دورنا الأساسي داخل المجتمع اليهودي هو أن نكون حاملين ومؤرخين لتلك الحقيقة الخفية وغير المرحب بها. ربما ستظل هذه الحقيقة غير مرحب بها، لكنها لم تعد طي الكتمان. ولا يحتاج المرء إلى أكثر من إلقاء نظرة على التغطية في وسائل الإعلام الرئيسية، التي لم يكن من الممكن تصورها في وقت قريب هو 6 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. لقد خرجت الحقيقة إلى الضوء.‏

إن دورنا الأساسي في هذه الأوقات هو إظهار أن هناك قيمًا وتقاليد يهودية تعود إلى آلاف السنين ولا تعتمد على أيديولوجية سياسية أوروبية متمركزة على الذات ولدت قبل أقل من 150 عامًا. وبعبارة أخرى، يجب أن نثبت أنه يمكن للمرء أن يترك الصهيونية، وأن يظل مع ذلك جزءًا من مجتمع يهودي يعيش تقاليده وقيمَه -وإذا أراد- حياةَ مجتمعِه الروحية بحيوية ونزاهة.‏

وفي الأثناء، يجب أن نكون مدركين للألم الذي يسببه كل هذا لإخواننا اليهود الذين لم يجدوا طريقهم بعد للخروج من شبكة المعتقدات الخاطئة. وكما ‏‏قال‏‏ جيمس بالدوين، “أتخيل أن أحد الأسباب التي تجعل الناس يتشبثون بكراهياتهم بعناد هو أنهم يشعرون بأنهم سيضطرون، بمجرد زوال الكراهية، إلى التعامل مع الألم”. وهذا الألم يخرج في شكل كراهية تجاهنا نحن، واتهامات لنا بتقسيم التجمعات، والإشارة لنا بالأصبع، ووصفنا بمعاداة السامية، وتمرير القوانين ضدنا.‏

‏بينما نمضي قدمًا، يجدر بنا أن نتذكر حقيقة بديهية حول النضال، ‏‏كثيرًا ما تنسب‏‏ إلى المهاتما غاندي: أولاً يتجاهلونك؛ ثم يضحكون عليك؛ ثم يقاتلونك؛ ثم تفوز. وقد وصلنا إلى المرحلة الثالثة. إنهم يقاتلوننا. وبقدر ما هو هذا غير سار كما هو حاله، تذكروا ما يلي: إن شدة الانتقاد الموجه إلينا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بكم أصبحنا قريبين من الفوز.‏

*ألان واغمان Alan Wagman: هو محام عام متقاعد ومدافع منذ فترة طويلة عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والسلام. وهو عضو في منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”، وأمين صندوق سابق لكنيس يهودي في نيو مكسيكو، ورئيس سابق لكنيس آخر، وعضو سابق في مجلس إدارة منظمة روحية يهودية وطنية.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why They Hate Us: Anti-Zionism in the Jewish Community

المصدر: الغد الأردنية/ (كومون دريمز)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى