روسيا التي لا تساند أحداً.. علاقة غير عادلة مع إيران (للتصحيح)

يوسف بدر

في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” في 17 نيسان (أبريل)، أعاد الرئيس الأميركي جو بايدن الحديث عن دول محور الشر وفق التصنيف الغربي: “الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية”.

كما أفصح عن معادلة في عنوان مقالته: “لحظة الحقيقة بشأن أوكرانيا وإسرائيل”، حيث وضع روسيا وإيران في منطقة تهديد واحدة، هدفها القضاء على البلدين أوكرانيا وإسرائيل.

لكنه كشف أيضاً عن علاقة غير عادلة بين إيران روسيا، إذ أشار إلى الدعم الذي تقدمه إيران لحليفتها الشرقية في أوكرانيا، بينما أمام إسرائيل تركتها روسيا حليفتها الإقليمية تطلق قدميها في الفراغ من دون أية مساندة.

وهذه العلاقة التي لا تعبر عن أي تحالف حقيقي سياسياً أو أيديولوجياً، تستغلها القوى الغربية لتؤكد ضعف القوى المناوئة لمشاريعها في آسيا.

وكذلك أيضاً، هي ما تدفع قوى سياسية داخل إيران للمطالبة بالتوازن أو الابتعاد عن معسكر أوراسيا المأزوم بمشكلاته السياسية والاقتصادية، بينما القوى السياسية المؤيدة، بخاصة من المحافظين، تعتبر أن الارتباط بذلك المعسكر هو في إطار المناوءة مع الغرب الشرير، وأن العلاقة غير العادلة مع روسيا لا تضر إيرانَ الإسلامية التي تمضي على نظرية “أم القرى”، حيث يجب أن تقدم نموذجها الى العالم، ذلك لأن سياستها الخارجية “لا شرقية ولا غربية”!

إيران وحدها على حافة الهاوية

في ردها الانتقامي على إيران في وقت مبكر من الجمعة 19 نيسان (أبريل) على قاعدة “هشتم شكاري” (الشهيد عباس بابائي) شمال شرقي مدينة أصفهان، دلت عملية إسرائيل الى عدم عدالة العلاقة بين طهران وموسكو، فإن كانت إيران قد قدمت الكثير من طائراتها المسيرة وخبراتها العسكرية لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، لكن موسكو ماطلت وما زالت في منح طهران منظومتها الدفاعية الصاروخية المتطورة “إس-400″، وهي تعرف أن امتلاك إيران لهذه المنظومة من شأنه أن يقلص القدرة على توجيه ضربات محتملة ضد برنامجها النووي.

وكأن روسيا أرادت أن تظل إيران على حافة الهاوية أو أن تستغلها وتستخدمها كهراوة تهديد واستعراض للقوة أمام الغرب والقوى الإقليمية.

فقد استغلت علاقتها معها في تعزيز موقعها مع دول الإقليم ومنها إسرائيل، ويكفي أنها سمحت لتل أبيب بقصف القواعد بل حتى قصف القنصلية الإيرانية في دمشق لم يكن يحدث إلا بعد التنسيق مع روسيا خشيةً من استهداف منظوماتها الدفاعية للطائرات والصواريخ الإسرائيلية.

ومخازن الأسلحة الإيرانية في سوريا.

فإن كانت إسرائيل قد استهدفت، الجمعة الماضي، تدمير رادار منظومة الدفاع الجوي “إس-300″، عبر طائرات انتحارية صغيرة، خرجت من صاروخ متطور حملها إلى الحدود العراقية-الإيرانية، فإن هذا الهجوم الذي وقع بشكل “عملية تسلل”، كان رسالةً إلى طهران بأن تل أبيب قادرة على ضرب الدفاعات الجوية الإيرانية عبر تعطيل راداراتها بطائرات، سخر منها الإعلام الإيراني بتسميتها “طائرات توصيل البيتزا”، وعلق عليها وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان، أثناء تواجده في نيويورك: “ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوماً، بل كان أشبه بلعب الأطفال وليس بالطائرات المسيرة”.

لعبة مقايضة

لقد فضلت روسيا أن تلعب دور الوساطة بين إيران ودول محيطها بدلاً من مساندتها عسكرياً أو سياسياً، فقد أدارت لعبة المقايضة في مقابل المصالح!

فقد قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، بعد التسلل الإسرائيلي-الجمعة: “لقد أبلغت روسيا إسرائيل أن إيران لا تريد تصعيداً”! وكأن روسيا هي مَن أدارت الوصول الى سيناريو عملية “التسلل” بدلاً من قيام إسرائيل بهجوم صاروخي واسع ضد إيران!

وقبل العملية الإسرائيلية اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بنظيره الإيراني  إبراهيم رئيسي، وعرض عليه الوساطة مع تل أبيب للتهدئة وإنهاء التصعيد المتبادل بين الطرفين.

وتذكيرًا بالتلاعب الروسي بطهران، كشفت وسائل إعلام إيرانية، أن القوات الجوية الإيرانية ستتسلم خلال هذه الأيام 12 مقاتلة روسية من نوع “سوخوي-35” التي علقت روسيا تسليمها لإيران مرات عدة ، بينما أشارت وسائل إعلام أخرى الى أن طهران تسلمت فعلاً عدداً من هذه المقاتلات منذ مدة، لكنها لا تصلح إلا لمهمات تدريبية بسبب نقصانها بعض القطع، وأن هناك “فيتو” إسرائيلي على تسلم القوات المسلحة الإيرانية لهذه الطائرات التي ستعالج ذراعها القصيرة- سلاح الجو، الذي يمثل نقطة ضعف الجيش الإيراني.

وإن صدقت روسيا في تسليم إيران تلك المقاتلات بشكل قادر على القتال خارج حدودها الجوية، فإن ذلك لن يتم في إطار وأد حرب لم ترد موسكو اتساعها بين طهران وتل أبيب، وإن كانت تسعى لذلك وإنما في إطار المقايضة، اذ تحتاج روسيا إلى الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية في حربها ضد أوكرانيا التي اشتدت مع قدوم الربيع وانصهار الجليد، وكذلك بعدما بدأت الطائرات المسيرة الأوكرانية مهاجمة محطات النفط والمصافي الروسية، ما يعني أن روسيا دخلت مرحلة حرب استنزاف اقتصادية.

كذلك تدرك موسكو أن أوكرانيا تنتظر المساعدات الأميركية، وأن هذه الحرب قد استهلكت الخزينة الأوروبية، وأن هناك خلافات بين دول الاتحاد الأوروبي حول معالجة تلك الأزمة، لدرجة أن ألمانيا تفكر في الحوار مع روسيا. وبذلك هناك حاجة لمزيد من مساندة إيران في هذه المعركة حتى يُمكن لروسيا الحوار بقوة أمام خصومها الأوروبيين.

ويمكن أن تكون تصريحات سفير إيران لدى موسكو كاظم جلالي، خلال مراسم احتفال السفارة الإيرانية بيوم الجيش الإيراني، بحضور نائب وزير الدفاع الروسي، قد عبرت عن تلك المقايضة، فقد أكد أن “طهران ستواصل تعاونها العسكري والفني مع موسكو، وستوسع نطاق هذا التعاون”.

وعقب هذه التصريحات أيضاً، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن وزارة الدفاع الروسية تعتزم إنشاء مركز أبحاث وإنتاج للطائرات المسيّرة والأنظمة الآلية، وهو ما يعني الحاجة لإيران التي تنتج مسيّرات قتالية وانتحارية متطورة وزهيدة التكلفة على غرار طائرات شاهد 136 التي أثبتت كفاءتها في حرب أوكرانيا.

في مواجهة العقوبات

تشير التصريحات الغاضبة من حلفاء الولايات المتحدة من الغربيين تجاه إيران الى أن واشنطن قامت بعملية مقايضة أيضاً مع إسرائيل، بهدف معاقبة إيران بعيداً عن إشعال حرب في المنطقة، وهو مطلب قد تشارك فيه الجميع، ما يعني فرض المزيد من العقوبات الغربية على إيران، وهو أمر لطالما تحملته إيران وعملت على معالجته وحدها، بينما استفادت منه روسيا، سواء من جانب التكسب من محاصرة إيران وخروجها من دائرة المنافسة في عالم الطاقة، أم من جانب الاستفادة من تجربتها لتخطي العقوبات بينما روسيا تعاني هي الأخرى حصارا غربياً!

فإن كانت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع قد سعت إلى إرساء معادلة “العقوبات مقابل ضبط النفس” من جانب إسرائيل، لكن يمكن القول أيضاً، أن إيران ليست خارج تلك المعادلة، فبايدن يريد الاستفادة من العودة وإن كان شكلياً لسياسة “أقصى ضغط”، التي أرساها سلفه دونالد ترامب، بهدف التوصل الى اتفاق نووي مع إيران وليس التصعيد معها، بخاصة أن التزام إيران ضبط النفس والرد الحكيم على إسرائيل، أثبت صدق رؤية الإدارة الأميركية بأن الاتفاق النووي يمكن أن يكبح قدرات إيران النووية لفترة من الزمن تضمن للمنطقة استقرارها.

كما أن الرؤية الأميركية التي راهنت على أهمية وحدة الاتجاه الحاكم في إيران، حيث ان سيطرة المحافظين على الرئاسة والبرلمان، بالإضافة إلى تواجدهم في مؤسسات تقليدية مثل الحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور، ستدعم إمكان الحوار مع طهران، وهو ما تحقق بالفعل خلال الاتفاق المؤقت غير المعلن وغير الرسمي، الذي حصلته إيران بموجبه على أموالها واستطاعت أن تبيع نفطها في إطار التغاضي الأميركي.

تخشى هذه الرؤية الآن من فقدان هذا الاتجاه الموحد في ظل فشل حكومة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي يمكن ألا يحالفه الحظ هو وأقرانه من المحافظين بالفوز بولاية ثانية، لأسباب اقتصادية في ظل اشتداد العقوبات.

ويبدو أن الرئيس الإيراني قد فطن الى المعادلة التي تواجهها إيران، سواء من جانب استغلال روسيا للعقوبات أم التلويح بعودة سياسة أقصى ضغط، فأعلن خلال جولته في محافظة سمنان، من مدينة شاهرود، الخميس 18 نيسان : “لقد قلت في المحادثات المباشرة والهاتفية مع بعض الدول الغربية.. إذا كنت مفاوضاً فنحن لم نترك طاولة المفاوضات بعد”!

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى