انطفـأ الحديث عن عقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية، بعد تصاعد واضح وموجة مكثفة من اللقاءات والتصريحات بهذا الصدد استمرت منذ نهاية شباط الماضي.
قنبلة التصريحات هذه أشعل فتيلها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، حين قال خلال إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي، إنه سيوجه الدعوات لجولة تاسعة في نهاية نيسان، معربًا عن أمله في أن تستجيب الأطراف السورية بشكل إيجابي، كما ناشد الأطراف الدولية الرئيسة لدعم جهود الأمم المتحدة كميسر، والامتناع عن التدخل في مكان اجتماع السوريين.
بيدرسون أوضح أيضًا أن اللجنة الدستورية لا تستطيع وحدها حل النزاع، والقرار “2254” يتطرق إلى جملة واسعة من القضايا، مع التذكير بالأفكار الواضحة الخاصة بتدابير بناء الثقة، “خطوة مقابل خطوة”، ومعالجة العناصر الأساسية للقرار “2254”.
هذه الاعتبارات لم يلقِ النظام السوري لها بالًا على المستويين، الإعلامي والسياسي، متأثرًا بتماشيه مع موقف روسيا الرافض للعودة إلى سويسرا (جنيف)، كون الأخيرة اصطفت إلى جانب الأوروبيين واتخذت موقفًا معارضًا للغزو الروسي لأوكرانيا، فاعتبرت موسكو أن سويسرا لم تعد محايدة في موقفها، بما ترتب عليه من إجراءات ومواقف.
في خضم ذلك، زار بيدرسون العاصمة السورية دمشق، في 17 من آذار الماضي، والتقى وزير الخارجية، فيصل المقداد، وطرح خلال اجتماعاته هناك، العاصمة السعودية، الرياض، كمقر بديل لانعقاد هذه الاجتماعات، وبدا ذلك محتملًا في حال موافقة الطرفين والدولة المستضيفة المحتملة.
كما تطرق المبعوث الأممي إلى ضرورة استئناف أعمال اللجنة الدستورية، فالظروف الراهنة في سوريا مرتبطة بالعملية السياسية، وقال، “نعلم جميعًا أنه حتى نتمكن من الابتعاد عن التحدي الأمني والتحدي الاقتصادي، فنحن بحاجة إلى إحراز تقدم على الصعيد السياسي، وأخشى أنه ليس لدي جديد لإخباره بهذا الشأن”.
مواقف متباينة
لم يقدّم النظام موافقة صريحة على الفكرة والطرح الذي جاء بعد زيارة المقداد إلى الرياض في 14 من آذار، لكن المعارضة السورية من جانبها أبدت موقفًا مرحبًا، وفق ما نقلته عنب بلدي عن “هيئة التفاوض”، وتبعه حديث على لسان رئيس “هيئة التفاوض” التابعة لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، بدر جاموس، مفاده أنه أبلغ “الإخوة في السعودية” برغبة “هيئة التفاوض” في أن تكون الاجتماعات بالرياض، وجرى ذلك في بداية المفاوضات حين كان هناك رفض للعودة إلى جنيف.
وأضاف بدر جاموس، “وبعدها المبعوث الخاص اقترح نيروبي، ووافقنا على ذلك، وحاليًا دعا إلى جنيف ووافقنا على ذلك أيضًا”.
وجاء ذلك بعدما أعلنت “هيئة التفاوض” في بيان ختامي لاجتماعها على مدار يومي 8 و9 من آذار، أنها موافقة رسميًا على حضور الاجتماعات وإرسال وفد للمشاركة بين 22 و26 من نيسان، وذلك قبل طرح الرياض كبديل.
كما أجرى بيدرسون، في 25 من آذار، اتصالًا هاتفيًا بوزير الخارجية السعودي، جرى خلاله بحث آخر المستجدات الخاصة بالأوضاع في سوريا، على مختلف الأصعدة، والجهود التي يتم بذلها إزاء حل الأزمة السورية، وفق ما ذكرته الخارجية السعودية.
ولم ينتج عن الاتصال تحديد موقف سعودي، أو تقديم أي تصريح يوضح مستقبل الاجتماعات، وما إذا كانت ستجري في الرياض أم لا.
هل هناك جولة تاسعة؟
الإيمان الدولي بضرورة حث الخطى لاستئناف المسار السياسي العالق منذ نحو عامين (الجولة الثامنة في حزيران 2022) لم يشفع لهذا المسار، ولم يصدر أي توضيح حول وجود جولة تاسعة أم لا، أو حول مكان انعقادها في حال كانت ستعقد، في الوقت الذي يشارف به نيسان على نهايته، واقتراب الموعد المفترض للجولة.
نائبة رئيس “الائتلاف الوطني السوري” وعضو المجموعة المصغرة في اللجنة الدستورية عن قائمة المعارضة، ديما موسى، قالت لعنب بلدي، إن الجولة التاسعة لن تعقد، لأن النظام السوري رفض الدعوة التي أرسلها المبعوث الأممي بيدرسون لعقد الجولة التاسعة في جنيف، وحتى الآن لم تتم إعادة طرح الموضوع، سواء فيما يتعلق بعقدها في جنيف أو اقتراح مكان آخر.
وفيما يتعلق باستبدال الرياض بجنيف، أوضحت موسى أن بيدرسون لم يقترح بشكل رسمي أي مكان آخر، لا الرياض ولا غيرها، بعد رفض النظام الدعوة لعقد الجولة التاسعة في جنيف.
مصدر مطلع على عمل اللجنة الدستورية، تحفظ على ذكر اسمه، استبعد في حديثه لعنب بلدي وجود جولة تاسعة في نيسان، بصرف النظر عن مكان الانعقاد.
وبيّن أن التقديرات تشير إلى عدم وجود جولة، مع غياب أي طرح من هذا النوع في أروقة “الائتلاف السوري”.
متغيرات إقليمية مؤثرة
تلقي الظروف الإقليمية والأحداث السياسية الطارئة بثقلها على المسارات والخطط وخرائط الطريق السياسية المعدة مسبقًا، فتجمّد بعضها، وتنسف بعضها، وقد تترك بعضها بلا مصير محتوم، قبل العودة إلى التهدئة والمناخ السياسي الطبيعي، ولعل القصف الإسرائيلي الذي طال مبنى القنصلية الإسرائيلية في دمشق، مطلع نيسان الحالي، أحد هذه الظروف المؤثرة.
وفي 1 من نيسان، استهدفت غارة إسرائيلية مبنى القنصلية الإيرانية الملاصق لمبنى السفارة الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن مقتل قياديين اثنين في “الحرس الثوري الإيراني”، وخمسة ضباط مستشارين في “الحرس الثوري” وستة سوريين، جراء تدمير المبنى بالكامل.
اتصالات ولقاءات وزيارات وتصريحات وإدانات وتهديد ووعيد ورد على التهديد ومحاولات للتهدئة وتكهنات بطبيعة الانتقام المحتمل، كلها أمور شغلت الرأي العام والصحافة والسياسيين على مستوى إقليمي ودولي، وصولًا إلى الرد الإيراني.
وفي مساء 13 من نيسان، أطلقت إيران من أراضيها طائرات مسيرة مذخّرة وصواريخ باتجاه أهداف في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هغاري، إن إيران أطلقت في المجمل أكثر من 300 قذيفة على إسرائيل، منها 170 طائرة مسيّرة، و30 صاروخ كروز، و120 صاروخًا باليستيًا، واعترض 99% منها بالدفاعات الجوية.
طهران سارعت من جانبها لإعلان انتهاء انتقامها، لتتولى إسرائيل الدفة وتتوعد بالرد على الاستهداف الذي شاركت في صده دول غربية وعربية، كالأردن وبريطانيا والولايات المتحدة.
وبعد اجتماعات إسرائيلية لكبار المسؤولين الذين سيحددون طبيعة الرد، وماهيته، وتقديم مواعيد “خلّبية” عبر الإعلام للرد، أعلن القائد العام للجيش الإيراني، اللواء عبد الرحيم موسوي، إطلاق النار على عدد من الأجسام الطائرة في مدينة أصفهان، مؤكدًا أن الأصوات التي سمعت كانت ناجمة عن إطلاق أنظمة الدفاع الجوي النار على تلك الأجسام، ولم تتسبب في أي حادث أو أضرار، مشيرًا إلى أن الخبراء المعنيين يقومون بدراسة أبعاد الموضوع وسيعلنون الأمر بعد تسلّم النتائج.
التصريحات الإيرانية التي قللت من شأن الهجمات، وغياب التصعيد الإسرائيلي على مستوى التصريحات أيضًا، أوحى بإمكانية طي صفحة التصعيد المباشر بين الطرفين، بعد حديث عن احتمالية الانتقال إلى مواجهة مفتوحة مباشرة تضع إسرائيل بوجه إيران هذه المرة، لا بوجه الوكلاء الذين تستخدمهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتكهنات التي أشارت إلى إمكانية استخدام الأراضي السورية كمنطلق لهجمات إيرانية أو موضوع لانتقام إسرائيلي.
المصدر: عنب بلدي