مُذ (جلت فرنسا فما في الدار هضام)، وتعاني سورية، ويعاني شعبها، كل أنواع العسف والقتل والاعتقال السياسي، وتخطي وتجاوز دولة المواطنة، لكن الطامة الكبرى كانت مع وصول حافظ الأسد وعصابته الإجرامية إلى سدة الحكم، يوم قرر هذا الدكتاتوري خطف الوطن السوري واعتباره مزرعة ليس إلا، لآل الأسد، وموطئ قدم للاستثمار السياسي والاقتصادي والأمني، ومن ثم الاشتغال على إلغاء السياسة من المجتمع السوري، وإعادة إنتاج (دولة الطائفة) والتغول على كل مفاصل ومنحنيات المجتمع السوري، ضمن سياسات النهب المنظم لكل شيء، ومصادرة الكلمة الحرة، بل وإنهائها كليًا، عبر زج كل من يعترض على قراراته وفساده وإفساده من خلال إخفائه مؤقتًا، أو نهائيًا، في غياهب السجون والمعتقلات، ليصبح الوطن كله بخريطته رسم الحذاء العسكري، وكذلك اتباع طريقة القمع والاعتقال الأمني، لتكون الدولة الأمنية، والهيمنة العسكرية على كل مسارات الوضع الحيوي في سورية.
عندما ضحى الأجداد وناضلوا من أجل الاستقلال في سورية، عن سطوة الاحتلال الفرنسي، إنما كان في مخيالهم تشييد دولة المواطنة الحرة، وسيادة القانون وبناء الدستور العصري للوطن السوري، الذي يؤسس بشكل فعلي للوطنية الديمقراطية السورية، بهمة واقتدار، في وقت كانت فيه سورية مليئة بالأفكار والمفكرين، وفقهاء القانون، فكانت جامعة دمشق ومنها كلية الحقوق وكذلك كلية الطب البشري، من أعرق الجامعات في المنطقة، وتضم بين ظهرانيها أهم الأكاديميين والأساتذة الكبار، حين كان المتخرج منها يفخر أنه درس وتخرج من الجامعات السورية في دمشق وحلب، لكن ما جرى بعد ذلك أنه انتكس الجلاء، وفقدت سورية الاستقلال، مع سرقة الوطن من حزب البعث، وبعض قادته المستبدين، لتكون الطامة الأكبر، يوم وصل حافظ الأسد وأسرته إلى سدة الحكم.
واليوم بينما يتذكر الإنسان السوري عيد الجلاء في ١٧ نيسان ١٩٤٦ يعيش المرارة الكبيرة والحسرة الأكبر على كل ما وصل إليه الوطن السوري، مع عصابات آل الأسد وعصابة بشار الأسد، وكيف أصبحت سورية الجميلة على أيديهم دولة هامشية فاشلة بدور وظيفي يؤدونه للخارج، وينفذون ما يراد منهم ،عبر التابعية السياسية والعسكرية ومن ثم تنفيذ كل الأوامر، مقابل أن تبقى زمرة آل الأسد في الحكم فقط، وهو ما حول سورية إلى أن تكون مجرد حيز جغرافي يتبع الخارج، سواء كان الخارج الأميركي أو الروسي أم الإيراني، حيث تخلصت سورية من احتلال فرنسي واحد، لتكون ضمن احتلالات كثيرة متعددة تلعب بسيادتها وتخطف الوطن إلى غير ما قام من أجله وضحى على طريقه.
لكن فكرة الاستقلال وجلاء المحتل ما انفك أملًا جديًا لكل السوريين، وقد كانت ثورة السوريين في ١٥ آذار ٢٠١١ إحدى الردود الحقيقية على سرقة الوطن، وإلغاء سيادته وربطه بالمشروع الإيراني الفارسي الطائفي، وهو ما دفع الخارج وخاصة إيران وروسيا لنجدة نظام المقتلة الأسدية، خشية انهياره وسقوطه، ومن ثم العمل على إعادة قيامته من جديد ومحاولات إعادة تأهيله عبر التطبيع العربي والإقليمي معه، ليتابع أدواره الوظيفية، وليكون بلد عبور للكبتاغون ولأمور أخرى، طالما حلمت بها دولة الملالي في طهران، وجاء الوقت المناسب حسب رؤيتها لتنفيذها وإنجازها، في ظل وجود نظام ممانع سهل الامتطاء، بل هو على أتم الاستعداد لإنهاء استقلال سورية وربط الوطن بالمحتل الإيراني أو الروسي، أو حتى الأميركي، لا فرق لديه، المهم أن تبقى سلطة دولة قصر المهاجرين بين يديه، ويبقى النهب متاحًا لعصاباته المنتشرة في كل مكان من الجغرافيا السورية التي يسيطر عليها .
والواقع يقول أن يوم الجلاء والاستقلال، ما برح حلمًا شعبيًا سوريًا بامتياز، يعيد إنتاج نفسه يومًا إثر يوم وساعة بعد ساعة، من أجل وطن سورية ديمقراطي متماسك ومتحد، يجمع ويضم بين جوانحه كل أبنائه، ويقيم دولة المواطنة وسيادة القانون المستقلة وغير التابعة لأحد، تقيم علاقات الصداقة والاحترام المتبادل مع محيطها العربي والإقليمي دون السماح من جديد لأي متغول أو ناهب أن يمسك بالبلد مرة أخرى مهما كانت التضحيات، لأن الاستقلال مازال بحاجة إلى المزيد من التضحيات والكثير من الوعي، والتنبه لكل المخاطر المحيطة، والاستبداد المحيق بالوطن السوري.
المصدر: مجلة الوعي السوري
يعيش شعبنا السوري وهو يستذكر عيد الجلاء في ١٧ نيسان ١٩٤٦ المرارة الكبيرة والحسرة الأكبر على حال الوطن السوري وما وصل اليه مع عصابات آل الأسد ، لتصبح سورية على أيديهم دولة هامشية فاشلة محتلة من قبل خمسة جيوش أجنبية ومقسمة الى خمسة حكومات ودويلات,