مع حلول الذكرى الثالثةَ عشرةَ للثورة السورية المجيدة، يتساءل الكثيرون عن المأزق الذي آلت إليه أوضاعُها وأحوال الشعب السوري المريرة، بالرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمها، وتعد بكافة المقاييس والاعتبارات استثنائية.
لقد كتب الكثير عن الأسباب العميقة التي أدت لفشلنا، أو تعثرنا، في إنجاز نصر حاسم على نظام الفساد والطغيان، فمن قائل في مرد ذلك إلى العامل الخارجي الذي وقف إلى جانب الأسد بشكل خفي ومعلن، وغياب للقرار الدولي الحاسم في إسقاط الأسد، ومن مجتهد في إحالة ذلك إلى عسكرة الثورة ومصادرة قرارها، ومن ثم تطيفها وتقديمها خطاباً نقيضاً لكل معانيها البكر في وحدة الشعب السوري، ومن مفسر ذلك بسيطرة لون سياسي واحد على مؤسساتها المختلفة التي حظيت بالاعتراف الدولي والقبول الشعبي في سنواتها الأولى، ومن يحيل ذلك لتشرذم المعارضة بين داخل وخارج، وتنافسها بطريقة مخجلة ومهينة، إلى غير ذلك من الأسباب والعوامل العديدة والكثيرة.
لم يكتبْ إلا القليل في أحد الأسباب المهمة والرئيسة، من وجهة نظرنا، التي أوصلتنا إلى الحالة البائسة التي نعيشها اليوم، تحت مبررات وحدة الصف والهدف، والتركيز على المشتركات، وتنحية ما يفرقنا ويبدد جهدنا، وهي المتعلقة بغياب المعيارية الأخلاقية والوطنية للثوار وتسويق عبارات وشعارات متلبسة تجب لنسبة كبيرة ممن التحق بالثورة أفعالهم، بل وجرائمهم المشينة، خلال سنوات عديدة من عملهم وحياتهم باعتبارهم من سدنة النظام، وجوقته وأذرعه الضاربة، أو أقله من المنسجمين مع منظومته القيمية والمتماشين معها.
ففي لحظات فارقة من عمر الثورة دنا النصرُ فيها كثيراً، بل كاد أن يصبح حقيقة ترتسم معالمها بوضوح بدل الكثيرون مواقعهم من ضفة إلى أخرى، ونقلوا بندقيتهم من كتف إلى كتف، ولقدرة هؤلاء الفائقة، بحكم انتهازيتهم وتربيتهم وثقافتهم، تسلل قسم منهم إلى مواقع مهمة وحساسة، وانتشروا بين ظهرانينا في كل مكان، وتمكن عدد، لا بأس به، منهم من خداع من حولهم، وقدموا خطاباً “وطنياً” متطرفاً، في حقيقته شعبوياً وأقرب إلى ما يريده النظام ويرغب فيه ويخدم مصالحه، ولم يدخروا جهداً في تخريب أي فعل صادق ونقي، وتشويه وتخوين هذا وذاك من تجمعات وشخصيات، وكل ذلك وغيره شكّل معاول هدم في جسم الثورة، وتقويضاً لبنيانها، أدى إلى هزيمتها وتراجعها بمعنى ما.
لا نقصد فيما نقول فئة المنشقين عن النظام ممن كانوا يتبوؤون مواقع حساسة في جهازي الجيش والأمن أو مؤسسات الدولة الإدارية، وكثيرٌ منهم يستحقون الاحترام والتقدير، بل نقصد شريحة من هؤلاء، وآخرون كثيرون جداً لم يكونوا في مواقع “السلطة” ولكنهم تشبعوا بقيم الوضاعة والسخف، قيم الفهلوية والبلطجية.
فماذا نسمي مثلاً كلٌ من يزين أخطاء وخطايا وسقطات من يخضع لسلطاتهم ويدافع عنها، من قوى الأمر الواقع سواء أكانت فصائل أو مجموعات أو حتى دول، ويصف نفسه بالثائر والمجاهد؟!!
ماذا نسمي كل الأفعال الشائنة، المادية والمعنوية، التي تصدر عن ثوار، أو هكذا يعرفون أنفسهم، مدنيين وعسكريين، وهم ليسوا أكثر من مرتزقة ومنافقين يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم؟!!!
كيف يمكن لنا أن نصدق فئة وشريحة واسعة ممن تحولوا إلى مجاهدين يطبقون شرع الله، كما يزعمون، وهم يعيثون في الأرض فساداً، ويقولون ما لا يفعلون؟!!
ماذا نقول عمن وصلوا إلى جنة أحلامهم، في هذا البلد أو ذاك، ولا يعيرون القضية الوطنية أي اهتمام، وغير مستعدين للتضحية ببعض وقتهم أو مالهم خدمة للثورة التي كانت سبباً في تبدل حياتهم واستقرارهم وسعادتهم؟!!!
باختصار ليس كل من دخل الثورة بثائر، وليس كل الناطقين بمطالب الحرية ثوار، وليس كل المدافعين عن الكرامة الإنسانية بثوار، فكثيرون اتخذوا ذلك مهنة لهم للاسترزاق، وكما يقول التاريخ كثيرون دخلوا الإسلام، ولكن قلة منهم كانوا مؤمنين، كما في درس الإسلام العظيم ورسالته السمحة، وما هؤلاء، في حقيقة الأمر، إلا فئة من المنافقين عطلت في مسار الثورة، وخربت آلياتها.
تقتضي الصراحة والمكاشفة في الذكرى الثالثة عشرة للثورة، إيماناً بضرورة استعادتها والنهوض بها، إعادة قراءة كل ذلك بشكل موضوعي، دون مجاملات أو خجل، وبغير ذلك لانكتب فصل الختام لثورتنا العظيمة بل نعدم فرص نهوضها مرة أخرى، بغياب نموذج وطني وأخلاقي، ولو بالحد الأدنى، بعد أن تلاشت التخوم بين “ثوار” المناطق “المحررة” وشبيحة النظام في أماكن سيطرته، أوبين “الثوار” الموزعين على امتداد جغرافية العالم بسلوكهم وأخلاقهم وبين الموالين للطاغية الدولي ونظامه.
نعود للقول، كما قلنا من قبل الثورة ثلة من الأولين وقليل من الآخرين.
وبضياع المعايير ومدونات السلوك دخل الثورة من هم أصلاً وطبيعياً، مكانهم خارجها، بل وفي المواقع المعادية لها.
آن لنا مرة أخرى أن نعيد فرز الصفوف، وأن يقول الثوار الحقيقيون لكل المتسلسلين إلى صفوفها: “مسافة من فضلكم” كما قال الكبير شارل ديغول بعد انتصاره على النازية للذين كانوا يدعونه لعدم المقاومة والاستسلام: مسافة من فضلكم، ليكن شعارنا في المرحلة المقبلة وفاء لدم شهدائنا وصرخات معتقلينا وآلام المغتصبات من حرائرنا.
ملاحظة:
يتم نشر هذا الملف في ذكرى ثورة الحرية والكرامة، ثورة الشعب السوري بالتزامن في كل من موقع ملتقى العروبيين، وموقع المدار نت وموقع الحرية أولًا وموقع مصير
بالذكرى الـ 13 للثورة السورية لا بد من أن نقيم مسيرة ثورتنا وأسباب فشلها بتحقيق أهدافها وتطلعات شعبنا، هل هم المتسلسلين إلى صفوف الثوار الأحرار من سدنة نظام الطاغية ؟ قراءة دقيقة وتوصيف موضوعي لهؤلاء المتسللين ونقول لهم “مسافة من فضلكم” كما قال الكبير شارل ديغول .