أيمن جزيني  … ميراث “المتفجرات السورية” في لبنان

أيمن جزيني  

كان ينتظر اللبنانيون جرأةً من السيد ميشال سماحة تدفعه إلى الاعتذار من اللبنانيين عن فعلته. الجرأة المنتظرة كانت على حجم خطورة ما فعله وهو آتٍ من سوريا مُحمِّلاً سيّارته بمفخّخات هدفها الوحيد والأوحد إحداث فتنة في شمال لبنان. لكنّ الجرأة جاءت على قدر من الوقاحة في تبرير فعلته عبر أحد المواقع الإلكترونية التي أطلّ عبرها.

إطلالة السيد ميشال سماحة الوحيدة حملت ثلاثة أشياء: شكراً حميماً للأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصر الله، وآخر على قدرٍ من العمق للرئيس السوري بشار الأسد. وبين الاثنين كان زعمه بأنّ اغتيالاً ما يُدبَّر له، وألصقه بالأمير بندر بن سلطان.

فرضاً، والافتراض هنا على سبيل البحث والسجال: ما علاقة محاولة اغتياله بسيارة مُثقلة بالمفخّخات لا هدف لها سوى إشعال الشمال الذي صار يئنّ من كلّ شيء: من جوع عتيق. ومن فقرٍ مُقيم. ومن اتّهامات ما كلّت وما ملّت تصفه وكأنّه بؤرة التهاب عسكري لا سبيل للشفاء منه.

سيل الحجج والنفوذ السوريّ

لا يكفي سيل الحجج الذي يسعى إلى التخفيف من سطوة النظام السوري على لبنان. هذا النظام تغوّل وتغلغل على مراحل كثيرة. كانت قدرته على التكيّف في تعهّد لبنان أنّه كان مصدر الوكيل. هكذا راحت سوريا تمسك بأعصاب البلد. حيناً كانت تستعين بحلفائها من يسار لم يُفلح في تدبّر أموره. أحياناً أخرى كان لها اليمين المعطوب عضداً. وفي كلّ الأحايين اشتغلت على تناقضات البلد. وكانت هديّة السماء لها “الحزب” بما هو إطار كان الأكثر فلاحاً في الإمساك بأعنّة البلد.

كما لا يكفي سيل الحجج لإقناع من لا يريد أن يقتنع بأنّ وطأة النظام السوري على البلد وأهله على إقامتها الأصلية، وتظهر حيناً لتختفي أحياناً. وما قاله ميشال سماحة إنّما يمسح الخطر الذي يشكّله هو بمقتلة أرادها للبنان واللبنانيين. ولو قُدّر وحصل ما رمى إليه لكان البلد حتى الساحة في غيبوبة من غياهب حروبه الأهلية المُلبننة.

ومثل هذه الوجهة، مسحوبة إلى مداها الأبعد، ترقى إلى معاكسة أيّ حديث عن دولة لبنانية. كما ترقى إلى إثبات ما خبره اللبنانيون وعلموه من حروب. وعلى هذا كانت إطلالة السيد ميشال سماحة بمنزلة لا صريحة وفاقعة لمعنى الدولة التي تمّ تدبيجها سنة 1920 وتتصدّع الآن أبنيتها أكثر فأكثر. وما عاد لها عصب يشدّ جسمها السياسي والأهلي المتهالك.

تحلّل الدولة اللبنانيّة

الزمن الفاصل بين تشكيل لبنان عام 1920 حتى يومنا هذا هو زمن تحلّل ما نسمّيه الدولة اللبنانية. في قياس أعمار الدول فالمعيار هو ترقّيها نحو مستويات الولاء الوطني. وليس انحدارها إلى حيث الذويّ على ما هو حاصل الآن. لقد ذوت الدولة على نحو متسارع ومنهجي تحت وطأة استدعاءات الخارج إلى الداخل. كلّ المكوّنات فعلت ذلك بلا استثناء.

وإذا وجب تعيين المسؤول عن هذه الأيلولة الكارثية فسيكون:

ـ الداخل المعتلّ بهواجس التسلّط والديمغرافيا.

ـ والخارج الذي كان يرى إلى لبنان ساحة لا دولة.

هكذا كانت النتيجة التلقائية التي حوّلت لبنان. وقد كان فكرة محتملة لدولة. إلى مجرّد وظيفة سياسية تؤدّي خدمة لهذا وذاك وذلك، وبحسب تقدّم مشاريع الغلبة.

لم يبقَ سياسي لبناني من قادة الطوائف إلا وبذل قصارى جهوده لتتويج هذه الدولة أو تلك بوصلةً للبنان واللبنانيين. كان الأفظع في الأحوال كلّها هو توسّل سوريا وإسرائيل وإيران. كانت أكلاف ذلك ثمينة على البلد. قبل ذلك كان البدء باغتيال رياض الصلح. لاحقاً قُتل رئيسان للجمهورية هما بشير الجميّل ورينيه معوض. وفي الأثناء قتل الغيلة لرئيسَي حكومة هما: رشيد كرامي ورفيق الحريري. هكذا راح يفرغ البلد من مضمونه كدولة للبقاء على كونه صاحب وظيفة استراتيجية.

مآلات البلد وأهواله

لقد وظّفت سوريا ومعها إيران البلد لمصلحة توجّهات خاصّة بهما وبطبيعة نظامَيهما، وأقواها وأشدّ عراها متانة العصبيّة الأهلية عند النظامين في دمشق وطهران. وهي عصبيّة لا تعني إلا فئتين محدودتين ديمغرافياً في البلدين.

السيد ميشال سماحة، وهو إرث سوري استكمل فضائله على اللبنانيين بوضع خدماته في تصرّف إيران عبر حزبها في لبنان. يوم حكمت سوريا واستحكم نفوذها على البلد وأهله جعله النظام في دمشق ساحةً للابتزاز الدولي والإقليمي. وما عجز عنه هذا التوجّه إثر خروجه من لبنان استكملته السطوة الإيرانية في كلّ الاتجاهات، فعاد لبنان وأهله إلى مربّع “الوظيفة السياسية”.

في الأحوال كلّها، ليس غريباً على من دعم النظام السوري ورأسه في وجه الثوّار والمنتفضين عليه، ألّا يدعم ذراعاً سوداء لهذا النظام تنفّذ له أعماله القذرة التي ما فتئ يقوم بها في لبنان. فالحلف بين هذا الحزب وذاك النظام قائم منذ دهر. وهو حلف لا يميّز بين دم سوري ودم لبناني. فالمهمّ أن يتعمّد هذا الحلف بالأحمر القاني.

المصدر: أساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى