المحادثات الجارية حول صفقة التبادل هي الآن في مرحلة انتظار جواب حماس. سمعت إسرائيل بالتفصيل عن الخطة الجديدة التي اقترحها الوسطاء في القمة المنعقدة في باريس الجمعة الماضي. يبدو أن جوابها الأولي كان إيجابياً. حماس، التي لم تتم دعوتها للقمة، حصلت الآن على تفاصيل العرض مباشرة من القطريين والمصريين. وإذا أبدت جواباً إيجابياً بعد مشاورات بين قيادة حماس في القطاع وقيادة الخارج في الدوحة، فستكون هناك نية لمحاولة بلورة اتفاق نهائي في أقل من أسبوعين، وهي الفترة التي بقيت حتى بداية شهر رمضان.
كالعادة، يجدر أخذ تفاؤل عال في أوساط مصادر سياسية في إسرائيل مع درجة من الحذر. المفاوضات مع حماس تشوشت في السابق عدة مرات، ولا نعرف أي تلاعب ابتزازي ستحاول حماس دفعه في اللحظة الأخيرة. مع ذلك، هناك عدة إشارات إيجابية من قبلها، مثل إعلان قطر بأن إرسالية الأدوية التي أُعدّت في إسرائيل وصلت متأخرة إلى المخطوفين. ومثل التسوية التي تلوح في الأفق والتي سيتم بحسبها إطلاق سراح عشرات السجناء الفلسطينيين، ليس الآلاف كما طلبت حماس في البداية، مقابل كل مخطوف إسرائيلي سيتم إطلاق سراحه في النبضة الأولى.
في الخلفية، يبدو أن هناك تأثيراً للضغط العسكري الذي تستخدمه إسرائيل في غزة وخانيونس، إلى جانب تهديد باجتياح رفح. في الطرف الفلسطيني، يسجل عشرات القتلى كل يوم (في الطرف الإسرائيلي قتل في نهاية الأسبوع قائد فصيل وجنديان من لواء “جفعاتي”). بعد خمسة أشهر من الاحتكاك الصعب الذي شمل الكثير من الخسائر، ربما بدأت حماس بإعادة تقييم خطواتها.
من المرجح أن هناك تفاصيل أخرى ستتضح بعد عودة بعثة إسرائيلية أخرى، التي يمكن أن تذهب إلى محادثات استكمالية في قطر، وإن كان أعضاؤها سيعملون في الأساس على مواضيع تقنية.
امتنع رئيس الحكومة نتنياهو حتى الآن عن إصدار تصريحات باللغة العبرية عقب التطور في المفاوضات، ولكنه لا يحافظ على هدوء مصطنع كامل. نشرت “أخبار 12” أمس بأن نتنياهو أضاف، بشكل متأخر، طلباً جديداً يقول بوجوب نفي السجناء ذوي الوزن الثقيل إلى قطر. هذا طلب لم يكن مقبولاً لدى حماس أو قطر. ومشكوك فيه أن يكون مدعوماً مهنياً من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية، والتشدد فيه يصعب عقد الصفقة.
أمس، أجرى نتنياهو مقابلة مع شبكة “سي.بي.اس” الأمريكية، وقال إنه إذا تنازلت حماس عن “طلباتها الوهمية” فستخرج صفقة تبادل للمخطوفين إلى حيز التنفيذ، الأمر الذي سيؤخر عملية الجيش الإسرائيلي في رفح. وأضاف بأنه أمر كبار قادة الجيش الإسرائيلي بعرض خطط لاحتلال رفح فيما بعد، أي أنه يبقي هذه الاحتمالية مفتوحة. وأكثر من ذلك، أكد رئيس الحكومة أن احتلال رفح هو العملية النهائية المطلوبة لإسرائيل لضمان الانتصار على حماس. بقي أن نرى كيف سيرد الطرف الفلسطيني على أقواله.
طرحت مفاوضات باريس أيضاً قضايا أخرى تتعلق بالاتفاق، مثل ما يحدث في شمال القطاع. الثمن الباهظ جداً الذي دفعته حماس في الحرب هو طرد معظم السكان الفلسطينيين من الشمال، الذين اضطروا بضغط من إسرائيل للانتقال إلى جنوب وادي غزة. وتناولت المحادثات مناقشة إمكانية أن تسمح إسرائيل للنساء والأطفال بالعودة إلى شمال القطاع، لكنها لن تسمح بعودة الرجال في هذه المرحلة. ظروف الحياة في شمال القطاع بقيت صعبة جداً إزاء الدمار الكبير وتدمير البنى التحتية. وثمة مشكلة أخرى تتعلق بتزويد المساعدات الإنسانية. هذه المساعدات تدخل في هذه الأثناء فقط من مصر إلى جنوب القطاع، ومعظم الشاحنات تم سلبها أو فقدت في الطريق إلى شمال القطاع.
صمت صارخ
وزيرا اليمين المتطرف، سموتريتش وبن غفير، أشارا إلى أنهما لن يؤيدا الصفقة المخطط لها. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن حزبهما سينسحبان من الائتلاف إذا ما صودق على اتفاق جديد لإطلاق سراح المخطوفين.
أمس، أعلنت الشرطة بأنها ستخرج عملية حماية واسعة إلى حيز التنفيذ لضمان إدخال المساعدات الإنسانية التي تفحصها إسرائيل، إلى القطاع. هذه صياغة ساذجة؛ ففي الشهر الماضي شوش نشطاء من اليمين وعدد من عائلات المخطوفين على إدخال قسم كبير من المساعدات إلى القطاع. وغضت الشرطة بصرها، مع أو بدون أي صلة بحقيقة أن الكثير من المحتجين يتماهون سياسياً مع الوزير المسؤول عنها. كل ذلك أثار خيبة أمل كبيرة لدى الجيش وغضباً شديداً لدى الإدارة الأمريكية.
في المقابل، تصرفت الشرطة بشكل وحشي جداً في تل أبيب عندما فرقت المظاهرات بعنف، مظاهرات من أجل الانتخابات، وبدرجة أقل أيضاً مظاهرة تأييد لعائلات المخطوفين. المتظاهرون الذين شاركوا قالوا إنهم لم يقابلوا معاملة عنيفة كهذه منذ بداية الحرب ومنذ استئناف الاحتجاج في كانون الأول الماضي. بعد سنة وشهرين على تشكيل الحكومة، يبدو أن العملية الجراحية تم استكمالها بنجاح؛ فالشرطة تتصرف على أنها شرطة بن غفير بالضبط، وتعمل على قمع المظاهرات التي تعتبر تهديداً سياسياً للائتلاف. وإذا تطورت مواجهة مباشرة بين عائلات المخطوفين والحكومة حول تأجيل الصفقة من قبل إسرائيل، فإن سير الأمور ربما يكون أسوأ. ما يفاجئنا هو صمت وزراء المعسكر الرسمي أمام كل هذا العنف.
المصدر: القدس العربي/- هآرتس