أوقفت السلطات الأمنية التابعة للنظام السوري، خلال الآونة الاخيرة، عدداً من الشبان السوريين حاولوا العبور عبر ممرات سرية نحو لبنان، هرباً من التجنيد الإلزامي والحياة الاقتصادية المتدهورة.
ورغم مرور آلاف السوريين عبر تلك المعابر نحو لبنان والعكس، خلال السنوات الماضية، غير أن هذه الممرات توقفت عن العمل فجأة، بحسب ما أكدته مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد”، وأصبحت طريقاً للموت أو الاعتقال أو الاختطاف.
وثق “العربي الجديد” أسماء ستة مواطنين سوريين ينحدرون من محافظة السويداء قد أُوقفوا عبر تلك المعابر، تحمل شهاداتهم الكثير من المعاناة.
يذكر أحد الناجين من جحيم تلك الممرات أن هناك أعداداً كبيرة قد علقوا بأيدي الأمن السوري والجيش اللبناني خلال الآونة الأخيرة، مشيراً إلى أن من بين الموقوفين عدداً من أبناء محافظة السويداء الذين اختاروا معابر الريف الغربي لمحافظة حمص الحدودية، واقتادتهم السلطات الأمنية إلى الفروع الأمنية في دمشق.
فيما أعلن الجيش اللبناني قبل أيام إحباط دخول 600 سوري إلى أراضيه من معابر سرية، وأنه أغلق عدة ثغرات كان يسلكها العابرون السريون نحو لبنان.
المعابر السرية.. فساد وجحيم
وتحولت تلك المعابر فجأة إلى ممرات للموت أو الاعتقال أو الاختطاف بعدما كانت على مدى 13 عاماً، علامة على فساد شريحة واسعة من الأجهزة الأمنية والحواجز العسكرية والضباط وغيرهم من المسؤولين إلى جانب المهربين وقطاع الطرق وسائقي النقل من أبناء المنطقة حصراً الذين يتحصلون على الأموال مقابل السماح بالمرور نحو الجانب اللبناني أو العكس.
يقول الشاب القادم من لبنان لـ”العربي الجديد” متحفظاً على اسمه لأسباب أمنية؛ إنه منذ ست سنوات يسلك طرق التهريب عبر أراضي حمص إلى لبنان ذهاباً وإياباً، ولم يواجه خلالها أي خطر رغم أنه متخلف عن الخدمة ولا يملك إقامة في لبنان، وغالباً ما كان يقطع المناطق الحدودية مشياً أو على دراجة نارية خلف المهرب، ويتجاوز ومن معه من المسافرين الحواجز السورية دون أي تفتيش أو طلب للبطاقة الشخصية، وذلك مقابل دفع أجور مضاعفة تشمل الإتاوات على الحواجز وطرق التهريب بين البلدين، وكان يعلم مسبقاً من خلال سائقي النقل لقب الضابط الذي يملك الطريق يوم السفر. وغالباً ما كان يختار السفر في الأيام التي يشتري فيها الطريق أحد الأسماء الكبيرة مثل “أبو علي، أبو حيدر، أبو خضر المعلم” وهي رموز لأشخاص في الدولة، تمثل جواز العبور دون أية رقابة.
وأضاف: “في رحلتي الأخيرة عانينا الكثير في مناطق الشريط الحدودي والتي لا تتجاوز السبع كيلومترات، وتعرضنا لخطر الموت والاعتقال، وأنا كنت بين قلة من المحظوظين الذين لم يصابوا بطلق ناري أو يُعتقلوا أو ينفجر بهم لغم أرضي، وهذا ما شاهدته بعيني”.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، اعتقل الجيش اللبناني الشاب جواد أبو خير من أبناء محافظة السويداء بعد تجاوزه مناطق التهريب إلى لبنان، وهذا من المرات القليلة التي يُعتقل فيها سوريون بعد تجاوزهم الحدود، وما زال مصيره مجهولاً بحسب ما قاله شقيقه لـ”العربي الجديد” والذي ينتظر تسليم أخيه للأجهزة الأمنية السورية، مشيراً إلى أن التضييق على المعابر السرية يدل على اتفاق جديد يتجاوز تجار الطريق في البلدين ويشدد على وقف أعمال تهريب البشر، أو على انقسام وتناحر بين السلطات الأمنية على ملكية طرق التهريب.
لكن الغريب في قصة أبو خير أن زوجته تلقت رسائل على رقمها يطالب فيها مجهول فدية مالية (عشرين ألف دولار) لفك أسره من الخطف في ريف حمص، وهو ما عقّد المشكلة، وجعل عائلته بحيرة وخوف على حياته.
وكانت شبكة الراصد المحلية في السويداء قد أشارت في 22 فبراير الحالي إلى تسليم المهربين لثلاثة شبان من أبناء المحافظة إلى السلطات الأمنية السورية، بعد تقاضيهم أجور النقل والتهريب إلى لبنان، في حين ذكر ذووهم أن مصيرهم ما زال مجهولاً منذ توقيفهم في بداية هذا الشهر. لتعود الشبكة ذاتها وتؤكد خروج الموقوف ربيع أبو غانم بعد ضغوط قامت بها حركة رجال الكرامة، وتحويل آخر إلى القضاء بتهمة الفرار الخارجي من الخدمة العسكرية.
وبحسب مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” فإن مصير شابين واحد من آل رزق، وآخر من آل عزام ما زال مجهولاً وفي طي الكتمان ولا أحد يعرف أين اختفيا”.
ويؤكد المُفرج عنهم من مراكز التوقيف سوء المعاملة وتعرضهم لشتى أنواع التعذيب أثناء الاستجواب، وكذلك تركيز التحقيق معهم على انتماءاتهم لفصائل مسلحة ومعرفتهم بمعلومات عن هذه الفصائل.
يؤكد ما سبق أحد الشبان المفرج عنهم حديثاً، مشيراً لـ”العربي الجديد” إلى تحويله إلى فرع فلسطين بعد أن سلّم نفسه إلى دائرة الهجرة على الحدود السورية اللبنانية، مستغلّاً مرسوم رئيس النظام السوري بالعفو العام عن جميع الفارين من الخدمة العسكرية.
ويضيف الشاب الذي طلب عدم ذكر اسمه: “بعد المضايقات التي تعرضت لها في لبنان مثل العديد من السوريين قررت العودة بعد عشر سنوات من الفرار الخارجي (الفرار من الخدمة العسكرية الإلزامية خارج سورية)، وكانت الوعود أن يُحقق معي ثم ألتحق لأكمل الخدمة العسكرية، أما النتيجة فقد حوّلوني من الحدود إلى فرع فلسطين ولم أخرج لولا وساطة وضغوط كبيرة، لألتحق بالخدمة لأيام ثم أعود وأصبح فارّاً من الخدمة العسكرية مرة أخرى ولكن داخل سورية”.
ويروي العديد من شباب الجنوب السوري، خاصة السويداء ودرعا، أنهم يتعرضون لانتهاكات جسدية قاسية في كل توقيف عبر الحواجز، وأنهم لا يفرج عنهم إلا بضغوط كبيرة من أحد الفصائل المسلحة، وفي الوقت نفسه يتعرض بعض منهم لحالات التسليم المباشر إلى الأجهزة الأمنية أو إلى عصابات الخطف المعروفة في مناطق حمص، والتي خطفت العديد من أبناء محافظتي السويداء ودرعا خلال السنوات السابقة، خاصة في الأشهر القليلة الماضية، في المنطقة الحدودية نفسها، وسلّمت بعض المخطوفين إلى الأجهزة الأمنية، كما أخرجت آخرين مقابل فدية مالية كبيرة.
المصدر: العربي الجديد