5260 طالبا فلسطينيا استُشهدوا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة. لن تنتهي حرب غزة بدون تداعيات جيوسياسية كبيرة على الشرق الأوسط، فالاحتلال لن ينجح في تحقيق أهدافه المعلنة من تلك الحرب، وعوضا عن ذلك ستتحول إلى دولة معزولة، فيما ستبدأ في الشرق الأوسط بطريقة صعبة ومؤلمة بالخروج من هيمنة القوى الغربية التي تهدد سياساتها بزعزعة استقرار المنطقة.
هذا ما توقعه خبيران روسيان من “نادي فالداي للنقاشات الدولية”، في تقييم لتداعيات الحرب الصهيونية على غزة وموقف الدول الغربية منه، معربين عن اعتقادهما بأن حل القضية الفلسطينية يحتاج إلى تعاون دولي واسع، واتباع نهج عادل وشامل.
و”نادي فالداي للنقاشات الدولية” هو منتدى مقره موسكو يجمع بين خبراء أجانب وكبار المسؤولين الروس والسياسيين والصحفيين والأكاديميين.
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة “نادي فالداي للنقاشات الدولية” أندريه بيستريتسكي إنه من “المحزن” أن يفقد بشر أرواحهم جراء عدوان الجيش الصهيوني على قطاع غزة، واصفا الوضع بأنه “مأساوي للغاية”.
ورأى بيستريتسكي أن القضية الفلسطينية “وصلت للأسف إلى طريق مسدود”، معتبرا أنه “لن يتم حل هذه القضية دون اتباع نهج عادل وشامل”.
وأضاف أن “الوصول إلى مثل هذا الحل يتطلب، أيضًا، مبادرات وتعاون مشترك بين كل من تركيا وروسيا وإيران وأوروبا الغربية والولايات المتحدة والعديد من البلدان”.
وانتقد بيستريتسكي سياسات الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، إزاء الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.
وقال: “تتصرف الدول الغربية بطريقة غير عقلانية وغير منظمة وسطحية للغاية؛ فعلى الرغم من أن الوضع في الشرق الأوسط تغير بشكل جذري، إلا أن الغرب يريد الحفاظ على هيمنته وقوته ونفوذه على المنطقة”.
بيستريتسكي حذر في هذا الصدد من مخاطر تزايد التوتر في الشرق الأوسط، وتطرق إلى الإجراءات الواجب اتباعها لتوفير أرضية تضمن إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وقال موضحا: “هذا يتطلب إجراءات منسقة من قبل النخب في المنطقة والدول الفاعلة”.
وأوضح أن ممارسات الجيش الصهيوني في غزة مرتبطة بالأجواء السياسية وحالة التجييش التي تسيطر على الأجواء الداخلية في البلاد.
وأوضح: “تنعكس السياسة الخارجية على السياسة الداخلية في جميع البلدان، لكن الوضع يختلف في الولايات المتحدة والاحتلال؛ إذ تكون السياسة الخارجية فيهما استمرارا للسياسة الداخلية”.
واستنكر بيستريتسكي الموقف الضعيف صدر عن محكمة العدل في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد الاحتلال بتهمة “الإبادة الجماعية” في غزة.
وأوضح أن “المحكمة طلبت من إسرائيل اتخاذ تدابير احترازية، لكنها لم تدن ممارساتها في غزة”.
وفي 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلنت محكمة العدل قراراتها الأولية في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا في إطار الاتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية لعام 1948، وأمرت الاحتلال باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.
ورغم قرارات العدل الدولية الداعية إلى وقف الهجمات ضد الفلسطينيين دون أن تتضمن نصا لوقف إطلاق النار، ما يزال الاحتلال يواصل هجماته على قطاع غزة، ويبتعد عن اتخاذ خطوات لإنهاء المأساة الإنسانية.
مدير مركز البحث العلمي في “نادي فالداي للنقاشات الدولية” فيودور لوكيانوف حذر، أيضًا، من مخاطر التوتر المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن هجوم حركة “حماس” على مستوطنات غلاف غزة ورد فعل الكيان الصهيوني أديا إلى زعزعة الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، محذرًا من غياب أي مخرج من هذه الأزمة في الوقت الراهن.
ورأى أن حكومة نتنياهو رغم هجومها الدموي على غزة ستخفق في تحقيق أي من أهدافها المعلنة من تلك الحرب، والتي كان في مقدمتها إعادة الأسرى من غزة والقضاء على “حماس”.
وأضاف: “رغم الخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين الفلسطينيين والدمار الكبير في غزة، إلا أن هذه الحرب لن تفضي إلى أي نتائج على الأرض، وسنرجع إلى النقطة التي بدأنا منها، وهي أن الاحتلال لن يحقق أهدافها العسكرية والسياسية”.
واعتبر لوكيانوف أن “عدم قيام دولة فلسطينية سيبقى العائق الأكبر أمام السلام بالمنطقة”، مضيفًا: “هناك خسائر بشرية فادحة، لكن الأسوأ من ذلك كله هو أن كل هذه الخسائر قد تذهب سدى”.
وشدد على أن محاولات المجتمع الدولي الراهنة لوقف الهجمات الصهيونية على غزة وتحسين الأوضاع الإنسانية هناك “ليست كافية”.
وأشار لوكيانوف إلى أن دول المنطقة بدأت تلعب دورا أكبر في سياسة الشرق الأوسط، وأن تنامي دور القوى الإقليمية أدى إلى تراجع دور بعض القوى الأجنبية.
وتابع: “حتى الولايات المتحدة لا تملك الأدوات اللازمة للتأثير على الاحتلال”، فالأميركيون، كما يرى، “يريدون إنهاء هذه المأساة، لكن الإدارة الإسرائيلية تفكر بشكل مختلف”.
أما الصين فـ”تراقب تطورات الوضع عن كثب، بينما لدى روسيا أولويات مختلفة للسنوات المقبلة”، وفق لوكيانوف.
وذكر لوكيانوف أن الشرق الأوسط أصبح معزولا بشكل متزايد، وقال: “هذا يمكن أن يؤدي إلى تغييرات إيجابية”.
وأوضح: “كلما زادت المسؤوليات التي تتحملها دول المنطقة تمكنت من حل مشاكلها بشكل أسرع دون اللجوء إلى تدخل القوى الخارجية”.
وأضاف: “الآن، سنشهد حركة تحرر صعبة ومؤلمة في منطقة الشرق الأوسط، بالتزامن مع استمرار القوى الأجنبية بلعب دور مزعزع للاستقرار في تلك المنطقة”.
وحول توقعاته لتلك الحرب ومآلاتها، قال لوكيانوف إن “الهجمات على غزة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً”؛ “لأن موارد إسرائيل محدودة”.
واعتبر أن مواصلة الجيش الصهيوني هجومه على غزة مسألة مرتبطة بالتطورات الداخلية في الاحتلال؛ فالحياة السياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرهونة بنتائج هذه الحرب.
وأوضح: “سيبقى نتنياهو بالسلطة طالما استمرت الحرب، بينما ستنتهي حياته السياسية مع نهايتها”. ولفت إلى أن انتهاء مستقبل نتنياهو السياسي سيكون على وقع انتقادات يثيرها مواطنو الاحتلال تتعلق بإخفاقاته منذ بداية الهجوم الذي شنته “حماس” على مستوطنات غلاف غزة وعواقب ما حدث.
لوكيانوف توقع، أيضًا، أن تتحول إسرائيل إلى “دولة معزولة” بسبب تلك الحرب.
فيما أبدى تشاؤمه إزاء مصير القضية الفلسطينية، قائلا: “لا أرى أي حل شامل للقضية يلوح في الأفق”.
المصدر: الغد الأردنية