تُنّذر القرارات الأخيرة للمحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق) القاضية بـ«عدم دستورية» منح 11 مقعداً في برلمان إقليم كردستان للأقليات، فضلاً عن منح السلطات الاتحادية في بغداد مهمة توزيع مرتبات الموظفين الأكراد في الإقليم بمعزل عن السلطات الكردية، بخلق أزمة جديدة بين بغداد وأربيل، وتعميق الخلاف القائم بالأساس بين الحزبين الكرديين الرئيسين «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل طالباني، وغريمه «الديمقراطي الكردستاني» برئاسة مسعود بارزاني.
وفي مطلع أيار/مايو 2023 تقدّم حزب «الاتحاد» بشكوى إلى المحكمة الاتحادية للطعن في خمس مواد معدّلة (1،9،15،22،36) من قانون انتخابات برلمان كردستان، وطالب إلغاء التعديلات وإعادة القانون إلى نسخته الأصلية.
وتختص تلك المواد بعدد أعضاء برلمان كردستان، ومقاعد «كوتا» الأقليات، فضلاً عن سجل الناخبين وعدد الدوائر الانتخابية.
وفي الأسبوع الماضي، أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها القاضي بإلغاء مقاعد «الكوتا» البالغ عددها 11 مقعداً، وألزمت مفوضية الانتخابات الاتحادية بإجراء انتخابات برلمان الإقليم، بدلاً عن اللجنة الانتخابية الخاصة بالإقليم، بالإضافة إلى جعل الإقليم 4 دوائر انتخابية بدلاً عن دائرة واحدة كما كان معمولاً به في السابق.
وتعليقاً على القرار القضائي الاتحادي، اعتبر حزب طالباني إنه جاء على خلفية مطالبات بتشريع قانون انتخابي جديد لانتخابات برلمان الإقليم أو تعديله، غير أن محاولاتهم «باءت بالفشل» وهو ما دفعهم للجوء إلى بغداد.
زياد جبار، عضو المجلس القيادي ورئيس كتلة الاتحاد الوطني في الدورة الخامسة لبرلمان كردستان ذكر في مؤتمر صحافي، أن «المحكمة الاتحادية أصدرت قرارات صائبة حول الدعوى التي قدمناه حيث كان النقطة الأولى من اتفاق الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي من جهة والديمقراطي وحركة التغيير من جهة أخرى؛ بعد إجراء انتخاب الدورة الخامسة لبرلمان كردستان هي تشريع قانون جديد للانتخابات أو تعديل القانون القديم، إلا أن جميع محاولاتنا بعد اتفاق جميع الأطراف السياسية باءت بالفشل مع الحزب الديمقراطي لهذا اضطررنا أن نلجأ إلى المحكمة الاتحادية العليا في العراق وكانت شكوانا دستوريا وقانونيا».
وأضاف: «تبين لنا ان نظام الدائرة الواحدة للانتخابات لا يجسد العدالة الجغرافية لتمثيل الشعب في برلمان كردستان، وهذه المسألة تحظى بأهمية بالغة لدينا بان يكون هناك تمثيل نيابي لأهالي جميع مناطق إقليم كردستان في البرلمان ليس مثلما كان في السابق حيث اختل التوازن وكان هناك تمثيل غير متوازن لممثلي الشعب». وحول تمثيل المكونات «الأقليات» في برلمان كردستان، أشار زياد جبار إلى أن «المكونات هم أهالي أصلاء في إقليم كردستان، ويرى الاتحاد الوطني انه من الضروري ان يكون لديهم تمثيل ومكانة حقيقية في جميع المراحل، كما ان لديهم الحقوق والواجبات مثل الكرد في إقليم كردستان، لهذا نريد ان يمثل المكونات أنفسهم في القانون الجديد وليس تمثيلا لطرف سياسي معين».
وأكد جبار ضرورة «تشريع قانون جديد لانتخاب برلمان كردستان خلال الدورة المقبلة للبرلمان، يلبي طموحات ومتطلبات شعب كردستان ويضمن سلامة أصوات الناخبين ويرسخ ايمان المواطنين بنتائج الانتخابات، كما يحقق الشفافية والنزاهة للعملية الانتخابية».
وأوضح السياسي الكردي أن «الاتحاد الوطني مستعد لانتخاب برلمان كردستان وقد أعلنا عن موقفنا عبر المتحدث قبل إصدار حكم المحكمة الاتحادية، ونطالب من رئاسة الإقليم تحديد يوم لإجراء الانتخابات بالتنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق وانهاء الفراغ الدستوري والتشريعي في إقليم كردستان».
غير أن موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتزعم إدارة حكومة الإقليم جاء مغايراً، بعدّه قرار المحكمة سياسيا وغير قانوني.
وحسب تصريح لوزير الإقليم لشؤون المكونات، آيدن معروف، في مؤتمر صحافي، عقده عقب اجتماع للمكونات في مقر الوزارة، فإن «هذا القرار سيء وسياسي وغير قانوني» مشيراً إلى أن «المكونات ستشارك في انتخابات برلمان إقليم كردستان لضمان حقوقها».
كما عبرت «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان» في إقليم كردستان، عن قلقها بشأن قرار المحكمة الاتحادية العليا، إلغاء مقاعد الكوتا في برلمان كردستان، بما يشير إلى أن النظرة للأقليات دائما أنها «الحلقة الأضعف».
بيان للهيئة ذكر أن «حق المشاركة السياسية في البرلمان والمجالس المحلية ومؤسسات الدولة الأخرى نص عليه الدستور العراقي» معبرة عن أسفها «من أن الأقليات (الكوتا) دائماً ما تكون الحلقة الأضعف التي يمكن المسّ بها بسهولة في كل خطوة من خطوات أي تغيير».
ولفتت إلى أن «حق تحديد النسبة النهائية (لتمثيل الأقليات) ينطبق في العراق على مستوى مجلس النواب والمجالس المحلية، فإنه مرفوض في إقليم كردستان» مشددة على أن «قرار المحكمة سيكون له تأثير سلبي على المجتمعات والأقليات التي تشكل جزءاً مهماً وأصليا من البلد».
كذلك، أعلنت المكونات «الكلدانية والآشورية والتركمانية والسريانية» في إقليم كردستان، رفضها قرار المحكمة الاتحادية، عادة اياه «انقلابا على الدستور العراقي».
وقال ممثل المكونات محمد سعد الدين في مؤتمر صحافي عقده في أربيل إن «قرار المحكمة الاتحادية بشأن مقاعد الكوتا في برلمان كردستان، انقلاب على الدستور وحقوق الإنسان وحقوق المكونات وتمثليهم السياسي في برلمان كردستان» ونعتبره قرارا بمبررات سياسية والذي أصدر على أساس دعوى الاتحاد الوطني ورئيس كتلته وهذا يعد خطأ تاريخيا من الاتحاد الوطني وتراجعا عن الشراكة الوطنية والتعايش وحقوق الإنسان التي ثُبتت من خلال الاتفاقات السياسية بعد انتفاضة 1991».
ويسمح قرار المحكمة الاتحادية لسلطات المركز بالتدخل في الشأن الانتخابي في الإقليم، من خلال الإشراف على انتخابات برلمان كردستان التي كان من المفترض إجراؤها العام الماضي، غير إن الخلاف السياسي «الكردي ـ الكردي» حال دون ذلك.
وجاءت الصدمة الأخرى للإقليم، بقرار السلطة القضائية الاتحادية القاضي بـ«توطين» مرتبات الموظفين الأكراد وصرفها «اتحادياً» بمعزل عن حكومة الإقليم، اسوة بباقي الموظفين في الحكومة العراقية بعموم المدن، فضلاً عن إلزام سلطات الإقليم تزويد الحكومة الاتحادية بـ«جميع الواردات المالية» المتأتية من تصدير النفط والمنافذ الحدودية.
وعلى هذا الأساس، عد الحزب الديمقراطي الكردستاني، قرارات المحكمة الاتحادية بشأن رواتب الموظفين وقانون انتخابات كردستان «مخالفا» للدستور الدائم للبلاد.
وعقد المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني اجتماعاً برئاسة الرئيس مسعود بارزاني، وكان من محاور الاجتماع مناقشة قرارات المحكمة الاتحادية.
وذكر الحزب في بيان أن «هذه القرارات تتعارض مع روح الدستور والحقوق الدستورية لإقليم كردستان ومبادئ الاتحادية ومبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في الدستور العراقي» مؤكداً في الوقت عينه على «الدفاع عن حقوق المكونات ودعم مشاركتها في المؤسسات الدستورية».
وشدد الحزب في بيانه على دعمه لـ«حكومة إقليم كردستان لمواصلة مفاوضاتها مع الحكومة الاتحادية حول المستحقات المالية للإقليم في إطار الدستور».
وأضاف أن «القرار المتعلق بقانون الانتخابات رقم 1 لسنة 1992 وتعديل بعض أحكامه مخالف للدستور وطبيعة الفصل بين السلطات».
أما حكومة الإقليم فلم تُدل بموقفها حتى وقت إعداد التقرير، منتظرة ورود القرار القضائي الاتحادي إليها رسمياً.
وقال مسرور بارزاني في تصريح للصحافيين من محافظة حلبجة، إنه «في حال تلقينا قرارات المحكمة الاتحادية بشكل رسمي، فسنقوم بالتعبير عن موقفنا ازاءها» مستدركا القول: «لكن مما لا شك فيه ان أي شيء بالضد من الحقوق الدستورية لشعب كردستان وخلافا لها، فسنعلن موقفنا بشكل واضح تجاهها».
وأضاف أنه «كان يجب إجراء الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان بموعدها، لكن تم تأجيلها لمدة عامين لأسباب سياسية» مؤكدا أنه «من الأفضل إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن».
في حين، اعتبر رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، محمد الحاج محمود، أن قرار المحكمة الاتحادية القاضي بتسليم إيرادات إقليم كردستان النفطية وغير النفطية إلى بغداد يهدف إلى تجفيف مصادر الدخل للإقليم، ولذلك فإن القبول بهذا القرار «الجائر هو بمثابة دق مسمار في نعش كيان كردستان».
وذكر للصحافيين أن «قرار المحكمة الاتحادية قرار سياسي ومليء بالحقد والكراهية ضد إقليم كردستان، والكيان السياسي للإقليم، وشعب كردستان، وضد الديمقراطية وحقوق الأقليات والتدخل بشؤون الإقليم».
ووصف قرار حل المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في الإقليم بأنه «خنجر مسموم في ظهر الكرد والكيان السياسي لكردستان».
وتابع الحاج محمود بالقول: «تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية يهدف إلى تجفيف منابع الدخل للإقليم، ومد يد الاستعطاء وبذُلٍّ لبغداد، لذلك فإن القبول بهذا القرار الجائر هو بمثابة دق مسمار في نعش الكيان السياسي لكردستان».
المصدر: «القدس العربي»
هل قرار المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق) القاضية خلق أزمة جديدة بين بغداد وأربيل؟، وعميق الخلاف القائم بالأساس بين الحزبين الكرديين الرئيسين «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل طالباني، وغريمه «الديمقراطي الكردستاني» برئاسة مسعود بارزاني ، قراءة موضوعية لتبعيات القرار وأساسه، العراق أصبح لا يحكم بالقانون والدستور ولكن بسلطة أمر الواقع الفاسدة .