مقتل 12 عنصراً من فاطميون بغارة أميركية في سوريا يكشف قيمتهم المتدنية لدى إيران

ترجمة: ربى خدام الجامع

أقيمت مطلع هذا الشهر مراسم وداع 12 عنصراً وقيادياً من “لواء فاطميون” التابع الحرس الثوري الإيراني قتلوا بغارة أميركية استهدفت مواقع عسكرية في سوريا، وكشف المراسم وطريقة الإعلان عن مقتلهم بأن العناصر الأفغان المجندين في “فيلق القدس” ليسوا ذات قيمة بالنسبة لطهران ووصفهم خبراء بوقود المدافع.

تعرض “لواء فاطميون” لتهميش كبير ويعود تاريخ تأسيسه للفترة التي بلغت فيها الحرب السورية ذروتها قبل عقد من الآن. وذلك لأن إيران حتى تعين بشار الأسد في سوريا على دحر قوات المعارضة وتنظيم الدولة، بدأت بتجنيد الآلاف من اللاجئين الأفغان للقتال، وقدمت للواحد منهم 500 دولار في الشهر إلى جانب تأمين التعليم المدرسي لأولاده والإقامة الإيرانية.

تورط وإنكار

ما يزال هذا اللواء يضم نحو 20 ألف مقاتل من أشداء اللاجئين الأفغان الذين يعيش معظمهم في إيران، ويخدم هذا اللواء تحت إمرة فيلق القدس الذي يعتبر الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.

نشر الإعلام الإيراني المرتبط بالحرس الثوري وكذلك منصات التواصل الاجتماعي المخصصة لفاطميون أسماء وصور الأفغان الذين قتلوا في الغارة الأميركية، وذكرت بأنهم قتلوا في غارات أميركية استهدفت العراق وسوريا، وقد نفذت تلك الغارات انتقاماً من هجوم نفذته مسيرة في كانون الثاني الماضي استهدف قاعدة عسكرية أميركية في الأردن وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين، وقد أنحت الولايات المتحدة باللائمة إثر ذلك على ميليشيا مدعومة إيرانياً موجودة في العراق.

أنكر المسؤولون الإيرانيون أمام الملأ وجود مقاتلين مرتبطين بإيران بين الضحايا، إذ ذكر مندوب إيران في الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرافاني، أمام مجلس الأمن، بعد أيام على الغارات الأميركية، بأنه لم يكن لإيران أي علاقة بالقواعد التي تعرضت للهجوم في العراق وسوريا، واتهم الولايات المتحدة باتهام إيران زوراً بذلك، وذكر بأن تلك الغارات لم تقتل سوى مدنيين.

هذا ولم يصدر الحرس الثوري أي بيان يقر فيه بمقتل المقاتلين الأفغان التابعين له، كما هي عادته عندما يقتل أي مقاتل إيراني، كما لم يصدر عنه أي تهديد رسمي بالانتقام لمقتل هؤلاء.

لا بواكي على “وقود المدافع”

ظهرت قصة الضحايا الأفغان في أربع مدن على الأقل داخل إيران، وهي طهران وشيراز وقم ومشهد، وذلك لأن تلك المدن شهدت إعادة صامتة لجثامين هؤلاء الأفغان إلى ذويهم، وذلك بحسب الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها الإعلام الإيراني.

وخلال مراسم التشييع، غطيت توابيت الأفغان بقماش أخضر لا يحمل علم أي دولة، وفي مدن مشهد وقم وشيراز، نقلت الجثامين إلى مراقد مقدسة طلباً للبركة في الدعاء.

حمل بعض المشيعين راية لواء فاطميون الصفراء التي تحمل رمز اللواء، وحضر مسؤولون في تلك المدن ورجال دين وممثلون عن الحرس الثوري وأعضاء الجالية الأفغانية بعض مراسم التشييع، وذلك بحسب ما ظهر في الصور والفيديوهات، كما ظهرت فتاتان ترتديان منامتين تشتركان باللون ذاته وهو الزهري، أما شعرهما فكان مربوطاً كذيل حصان، وأخذتا تنتحبان فوق نعش أبيهما في جنازة أخرى أقيمت على أطراف العاصمة طهران.

يعلق على ذلك حسين إحساني وهو خبير بشؤون المقاتلين والحركات الإرهابية في الشرق الأوسط، وهو أفغاني عاش لاجئاً في إيران، فيقول: “ثمة قلق متزايد بين أوساط الأفغان بسبب تعرض بعضهم للقتل من دون أي حماية تقدمها إيران لهم، إلى جانب تبرؤها من شهدائهم حماية لمصالحها، أي أن الأفغان باتوا يشعرون أنهم استخدموا كوقود للمدافع”.

لم ترد بعثة إيران إلى الأمم المتحدة على السؤال حول ما إذا كان المندوب الإيراني قلقاً تجاه الضحايا من لواء فاطميون عندما تحدث أمام مجلس الأمن.

عبّر الأفغان وبينهم مقاتلون لدى فيلق القدس عن غضبهم وإحباطهم تجاه التعامل الإيراني مع قتلاهم، فنشروا رسائل شبه يومية عبر قناة موجودة على وسائل التواصل الاجتماعي ومخصصة لأصوات من لواء فاطميون، وقد تساءل بعض العناصر من خلالها عن سبب صمت فيلق القدس، ووصفوا هذا التعامل بالتمييز.

كان من بين من قتلوا قائدان عسكريان رفيعان يعتبران من أقرب الحلفاء لقائد فيلق القدس السابق اللواء قاسم سليماني، وذلك بحسب تقارير إعلامية إيرانية وصور تجمعهم به في ساحة المعركة بسوريا، وقد جرى الكشف عن اسميهما وهما سيد علي حسيني وسيد حمزة علوي.

معظم من فر إلى إيران من الأفغان ينتمون إلى عرق الهزارة وهذه أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان وتشترك مع معظم الشعب الإيراني في المذهب الشيعي الإسلامي.

وفي داخل أفغانستان، كان الهزارة حلفاء طبيعيين للقوات الأميركية بسبب وجود عدو مشترك لهما يتمثل بطالبان ثم بتنظيم القاعدة، ولكن ضمن المشهد المعقد في الشرق الأوسط اليوم، انحاز الهزارة الآن لإيران وأخذوا يطالبون بإخراج القوات الأميركية من المنطقة.

أما في سوريا، كان لواء فاطميون أول خط دفاع في المعارك ضد فصائل المعارضة السورية وتنظيم الدولة، وساهم بشكل كبير في استعادة عدد من المدن السورية لصالح النظام السوري. وذكرت صحيفة إيران الحكومية خلال الأسبوع الماضي بأنه قتل في سوريا على مدار سنين ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مقاتل من فاطميون، كما صنفت الولايات المتحدة لواء فاطميون ضمن التنظيمات الإرهابية في عام 2019.

فاطميون.. فرصة للهرب من الفقر والترحيل

يخبرنا مقاتل سابق في لواء فاطميون، وهو أفغاني ولد ونشأ في إيران، وأرسل إلى سوريا ليقاتل ثلاث مرات، بأنه قبل أن يجند ضمن هذا اللواء لأنه يقدم له فرصة للهروب من الفقر المدقع والبطالة في إيران ويمنحه وضعاً قانونياً في البلد، ويتابع بالقول بعد أن طلب عدم الكشف عن اسمه خوفاً من تعرضه للقتل، بأن كثيراً من المقاتلين انضموا رغبة منهم لحماية الإسلام الشيعي ودحر القوى المتطرفة السنية الشبيهة بتلك التي قمعت الهزارة في أفغانستان.

وفي لقاء هاتفي أجري مع لاجئ أفغاني آخر، اسمه محمد وعمره 31 عاماً وينتمي للشيعة الهزارة وكان ضابطاً عسكرياً في أفغانستان، لكنه فر إلى إيران عندما استولت طالبان على الحكم، يخبرنا هذا الرجل بأنه يحمل شهادة ماجستير لكنه يعمل في مجال الإنشاءات، كما على الأفغان أن يقلقوا حيال حملات القمع المتزايدة التي تستهدف المهاجرين الذين لا يحملون وثائق، إلى جانب التهديد بالترحيل على حد تعبيره.

وأضاف: “أخبرني أحد أصدقائي الأفغان الذي تعود أصوله لمدينتي الأم بأنه يرغب في الانضمام إلى فاطميون بدافع من الحاجة المادية المحض وخوفاً من الترحيل إلى أفغانستان” وطلب محمد بعد ذلك عدم نشر اسم عائلته خوفاً من الانتقام وقال: “إننا عالقون هنا، لا نستطيع أن نتقدم ولا أن نعود أدراجنا”.

عدو “غبي” وأفغان “ضعفاء

يرى المحللون بأنه لا يوجد أي دليل يثبت تورط قوات فاطميون في الهجمات التي استهدفت القواعد الأميركية في العراق وسوريا، والتي ذكر البنتاغون بأنها استهدفت أكثر من 160 مرة على يد قوات وكيلة لإيران منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس في شهر تشرين الأول الماضي، بيد أن لواء فاطميون لعب دوراً مهماً في مساعدة إيران على تنسيق أمورها اللوجستية على الأرض لصالح شبكة الميليشيات التي تدعمها وتمولها وتمدها بالسلاح في عموم المنطقة.

يشرف مقاتلو فاطميون على القواعد التي تعتبر محطات نهائية أساسية ضمن سلسلة توريد الأسلحة، والتي تشمل المسيرات وقطع الصواريخ وتقانتها وكلها تنتقل من إيران إلى العراق فسوريا ثم إلى حزب الله في لبنان، وذلك بحسب ما أورده محللون ومخطط استراتيجي عسكري تابع للحرس الثوري طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مفوض بالحديث عن تلك الأمور علناً.

تعقيباً على ذلك يقول تشارلز ليستر مدير الملف السوري وبرامج مكافحة الإرهاب والتطرف لدى معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “عندما جمد النزاع السوري الأوسع قبل بضع سنوات، توقع بعض الناس أن يعود لواء فاطميون إلى بلده، أو أن يجري تفكيكه وتسريحه، لكن ما حصل هو أن مقاتليه ذابوا ضمن شبكة إقليمية أوسع ووجدوا دوراً ليلعبوه، حيث استحوذوا على الأرض ونسقوا الأمور اللوجستية كما قاموا بتنسيق أمور أخرى على الأرض”.

دمرت طائرات حربية أميركية القاعدة التي قتل فيها عناصر من فاطميون في دير الزور شرقي سوريا، فحولتها إلى كومة من ركام وحجارة وحطام وذلك بحسب الصورة التي نشرت على موقع صابرين الإخباري الإلكتروني وهو موقع تابع لميليشيات وكيلة لإيران.

بيد أن اللواء باتريك ريدر وهو الناطق الرسمي باسم البنتاغون رفض التعليق بالتحديد على الغارات الأميركية التي قتلت مقاتلين أفغاناً يعملون لصالح إيران، واكتفى بالقول إن الغارات نفذت لمحاسبة الحرس الثوري ووكلائه وإنه “من خلال المؤشرات الأولية تبين مقتل أو جرح أكثر من 40 مقاتلاً تابعين لجماعات وكيلة لإيران”.

يذكر أن إيران أخلت قواعدها من القادة والجنود الإيرانيين تحسباً لأي غارة أميركية وذلك عندما ألمحت إدارة بايدن بأن أمر الهجمات بات معلقاً طوال فترة امتدت أسبوعاً تقريباً، في حين بقي الأفغان في القاعدة بحسب ما ذكر مسؤول إيراني تابع للحرس الثوري وأضاف بأنه لا يمكن ترك القواعد العسكرية خالية.

في جنازة أقيمت لخمسة مقاتلين أفغان، بينهم قائدان رفيعان، خطب في المشيعين رجل دين محافظ هو حجة الإسلام علي رضا باناهيان وقال إن العدو كان “غبياً” عندما قتل أفغاناً ضعفاء، وأضاف: “إنهم شهداء بلا حدود، ومجاهدون من أجل الإسلام وجبهة المقاومة”.

المصدر: نيويورك تايمز/ موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني وهو الذراع الخارجي للحرس الثوري، يمثل بأذرع ملالي طهران الفاطميون “محندين أفغان” وزينبيون “مجندين باكستانيين” والحشد الشعبي العراقي وحزب الله العراقي واللبناني، إنهم وقود المدافع ليسوا ذات قيمة بالنسبة لطهران، ينفذوا تعليمات طهران لصالح أجندتها فقط .

زر الذهاب إلى الأعلى