صدّقت الحكومة الحالية، بما لا يقبل الشك، الموقف الأميركي الذي ساد منذ أشهر طويلة، بعدم الفصل بين الدولة اللبنانية وحزب الله. في كتابه يقول مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون إن دمشق وبيروت استفادتا عسكرياً وتسلحياً من إيران. هو طبعاً يقصد ببيروت حزب الله، ولا يفصل بين الدولة اللبنانية والحزب.
أسوأ من حرب
تلك النظرة الأميركية أصبحت ثابتة ومعممة، وهناك شواهد كثيرة عليها، من استدعاء وزير الخارجية ناصيف حتّي للسفيرة الأميركية، الإثنين 29 حزيران، لإبلاغها اعتراضاً على “تدخلها بالشؤون اللبنانية.. وأنه لا يجوز أن يتضمن كلامها تحريضاً للبنانيين على جزء آخر من اللبنانيين مشارك في السلطة”. وقبله طبعاً، قرار القاضي محمد مازح بمنعها من التحدث إلى الإعلام اللبناني! وقبلهما جملة من الإجراءات الحكومية، “التي فرضت من قبل الحزب” (وفق النظرة الأميركية)، وكان آخرها الحديث عن التوجه شرقاً والانفتاح على سوريا. ولا يمكن فصل عدم قيام الحكومة بأي إصلاحات، وأبرزها التشكيلات القضائية التي أثارت غضباً دولياً، عن قرار القاضي مازح، حسب النظرة الأميركية.
تنتقل المعركة إلى مرحلة جديدة، سترافقها أخطار كبيرة. فلم يعهد العالم هذا الإصرار الأميركي على المواجهة الإعلامية، بمرافقة المواجهة بالعقوبات والضغوط السياسية والاقتصادية.. إلا في حالات الحرب.
ولذا، يجوز القول إن لبنان أصبح في حالة حرب معلنة مع الولايات المتحدة الأميركية. ليس بالضرورة أن تكون عسكرية طبعاَ، لأن التداعيات المعاشة أخطر من كل ما له علاقة بالحروب التقليدية. إصرار السفيرة الأميركية على عدم التراجع، وعدم تجاهلها لأي قرار تتخذه الحكومة أو قاض أو حزب أو جهة، يشي بالكثير من الخطر. خطر لا يمكن لجمه وقابل لأن تسيل بنتيجته دماء كثيرة.
مصير الحكومة
ليس معروفاً بعد من الذي سيكون مبادراً. لكن أيضاً في مثل هذه الحالات، ثمة تجربة أميركية لا تزال ماثلة في الأذهان اليوم، عند اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، والذي تعتبر واشنطن أن اغتياله كان طياً لمرحلة، وابتداءً لمرحلة جديدة أوصلت العراق إلى ما وصل إليه اليوم، في ظل المواجهة المحتدمة بين الحكومة العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب لديها ضد حلفاء إيران. الخطر هو في أن تتكرر هذه التجربة في لبنان.
دخلت الحكومة مرحلة خطرة لن تكون قادرة على الصمود في مواجهتها. وحزب الله سيتمسك بها أكثر. لكن كثراً من مكوناتها ورعاتها ومن معارضيها سينفضون اليد منها أكثر فأكثر. طبعاً، لن يمنح حزب الله فرصة إقالة حكومة تلتزم بكل قراراته، وصولاً إلى استدعاء وزير الخارجية للسفيرة الأميركية، وتبليغها مذكرة احتجاج لبنانية. هذه ستضع لبنان في أزمة كبرى مستقبلاً، قد تستدرج ضغوطاً دولية لممارسة مماثلة مع السفيرين السوري والإيراني مثلاً، بينما هناك من سيطرح تساؤلات حول عدم استدعاء السفير الإيراني بعد تصريحات إيرانية كثيرة عن تحقيق انتصارات في لبنان انتخابيا وعسكرياً وسياسياً، أو عند التباهي بإدخال السلاح والاحتفاظ بمعابر التهريب غير الشرعي.
عقوبات جديدة
تحول لبنان في هذه المعادلة إلى ورقة هشة تتطايرها رياح متضاربة ومتناقضة. لا الكيان ولا أي حكومة ستكون قادرة على الصمود والمواجهة، إلا إذا اقتنع كثر بأن الحل الوحيد هو القبول بتطبيق الخيار الأميركي في تشكيل حكومة جديدة، خصوصاً أن الضغوط ستتكثف على هذه الحكومة لإسقاطها، أو لدفع الكثيرين من الوزراء فيها إلى الاستقالة. وقد بدأ بعض الوزراء الذين لديهم تواصل مع الأميركيين بالتلميح إلى تقديم استقالاتهم. كذلك أصبح لا بد من انتظار حزمة عقوبات جديدة وقاسية في الأيام المقبلة، لتكملة المشهد الأميركي الماضي في تصعيده.
وسط كل هذا التصعيد، هناك رسالة أميركية تبلغها كل الأفرقاء اللبنانيين في الأيام الماضية، مضمونها أن “حزب الله منظمة إرهابية ترعاها الحكومة اللبنانية”. تلك الجملة الفادحة سيكون لها ثمن كبير.
المصدر: المدن