العراق مثله مثل لبنان واليمن وسورية، يتلقّى ترددات الحرب الاسرائيلية على غزة. والفصائل العراقية الموالية لإيران تصعّد من هجماتها على القواعد التي تؤوي جنوداً أميركيين يعملون في إطار قوات التحالف الدولي الذي قادته واشنطن لمحاربة تنظيم “داعش” في العراق وسوريا بعد عام 2014.
الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية، تأتي ضمن ردود حلفاء إيران في المنطقة على الحرب الاسرائيلية و”نصرةً لغزة”، على غرار هجمات “حزب الله” من جنوب لبنان، واعتراضات الحوثيين للسفن التجارية في مضيق باب المندب.
يوجد في العراق 2500 جندي أميركي بمقتضى اتفاقية بين بغداد وواشنطن. مهمّة هؤلاء منذ سقوط “خلافة” تنظيم “داعش”، العمل على تدريب القوات العراقية وتقديم المشورة لها.
أما في البعد الاستراتيجي، فتشكّل القوة الأميركية المنتشرة في العراق، فضلاً عن 900 جندي أميركي آخرين منتشرين في سوريا، توازناً مع النفوذ الإيراني في البلدين. ولذلك تتمسّك إدارة الرئيس جو بايدن ببقاء هذه القوات حيث هي، لا بل والعمل على شن هجمات على الفصائل التي تستهدفها بالصواريخ والمسيّرات منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بوتيرة عالية.
وبحسب بيانات البنتاغون، فإنّ الجنود الأميركيين تعرّضوا لأكثر من 127 هجوماً مذاك. وردّ الجيش الأميركي بغارات قتلت العديد من المقاتلين في الفصائل العراقية، أبرزهم القائد العسكري في “حركة النجباء” العراقية الملقّب “أبو تقوى” قبل اسبوعين. وأعقب ذلك توتر بين بغداد وواشنطن، واجتمعت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، وأصدرت بياناً اكّدت فيه بدء العمل من أجل التخلّص من الوجود العسكري الأميركي في العراق، قبل أن يؤكّد السوداني في مقابلة مع “رويترز” عقب ذلك بأيام، أنّه يسعى إلى خروج “سريع” للقوات الأميركية من بلاده، ولكن بطريقة الحوار والتفاهم.
شكّل ذلك تطوراً خطيراً في العلاقات بين بغداد وواشنطن. إذ أنّه على رغم سيطرة الأحزاب الموالية لإيران على الحكومة العراقية، فإنّ هذا الطلب إذا ما سعى السوداني إلى وضعه موضع التنفيذ، فإنّه قد يترك ذيولاً لا يمكن الاستخفاف بها على صعيد مستقبل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، ويخلّ بالتوازن الدقيق بين النفوذين الأميركي والإيراني في العراق.
وسارعت وزارة الدفاع الأميركية إلى نفي أي خطط أميركية للانسحاب من العراق، في ما يشبه رسالة حازمة إلى حكومة السوداني، بأنذ واشنطن لن تقبل بالانسحاب من هذا البلد تحت وطأة الهجمات التي تتعرّض لها قواتها.
وإذا ما انسحبت أميركا من العراق، فإنّه سيقع كلياً تحت دائرة النفوذ الإيراني ويعرّضه تالياً لعقوبات أميركية، ويتحوّل من كونه متنفساً للاقتصاد الإيراني، إلى عبء يزيد الضغوط على طهران، على رغم أنّ مثل هذا التطور يعدّ كسباً استراتيجياً للجمهورية الإسلامية، لكنه سيُفقدها مكاسب مالية واقتصادية عديدة.
ثم أنّ هناك مسألة أخرى يتعيّن التنبّه لها، ألا وهي أنّ الانسحاب الأميركي من العراق، ليس محل إجماع بين مختلف المكونات العراقية. وتعارض الأحزاب السنّية والكردية هذا الانسحاب، خوفاً من استئثار إيران بكامل مقومات البلد. وهناك تخوف من انتقال القوات الأميركية الى منطقة الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، ما يزيد من الشرخ بين المكون الكردي وبغداد، ونشوء حالة شبيهة بالدعم الذي يحظى به أكراد سوريا في مواجهة الحكم المركزي في دمشق.
لهذه الأسباب وغيرها مما يطول شرحه، يدفع العراق اليوم ثمن الاضطرابات الاقليمية الناجمة عن الحرب الاسرائيلية على غزة، وثمن تصاعد التوتر الأميركي-الإيراني منذ بدء هذه الحرب.
ويبقى تساؤل كبير لا يحظى بإجابات يسيرة، وهو ماذا يمكن أن يؤول إليه الحال إذا ما نشبت حرب إقليمية واسعة ومواجهة أميركية-إيرانية مباشرة.
في كل الحالات، سيزيد ذلك من تأزم الأوضاع الداخلية في العراق، ويتسبّب بمزيد من التوترات التي تحكم العلاقات بين المكونات العراقية، في أرض لم تشف بعد من مجازر “داعش”، ومن ارتدادات الغزو الأميركي عام 2003.
المصدر: النهار العربي