تكشف المشاريع التي تعلن عنها “الأمانة السورية للتنمية” عن وجود تعاون وثيق بين المؤسسة التي تقودها أسماء الأسد والأمم المتحدة، بشكل غير معلن، ويُلاحظ أن التمويل الأممي الذي تكثّف عقب كارثة زلزال شباط/فبراير الماضي، استحوذت “الأمانة السورية” على النصيب الأكبر منه إلى جانب الهلال الأحمر السوري.
وتكررت الشراكات مع الأمم المتحدة التي تهدف إلى تمويل مشاريع يمكن إدراجها ضمن بند التعافي المبكر في ريف حلب ودير الزور وحمص ودمشق وريفها، بالموازاة مع شراكة مع المفوضة السامية لشؤون اللاجئين ضمن فريق الاستجابة القانونية التابع للأمانة.
وشدد النظام السوري منذ عامين في مفاوضاته مع الأمم المتحدة والدول المعنية بالملف السوري على مطلب زيادة دعم مشاريع التعافي المبكر في مناطق سيطرته، وجعلها شرطاً للتفاوض على تمديد المساعدات عبر الحدود، وهو ما استجابت له الأمم المتحدة، وتلقت لأجله ما يقرب من 800 مليون دولار من الدول المانحة خلال عام 2022 والنصف الأول من 2023.
ولا يحوي موقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “OCHA” على بيانات وأرقام تخص التمويل المباشر الذي تقدمه الوكالات الأممية للأمانة السورية، لكن رصد وتفحص المشاريع التي تعلن عنها الأمانة على منصاتها الرسمية يمكن أن يؤكد حصولها على تمويل كبير من مختلف وكالات الأمم المتحدة، وعدد من المنظمات الدولية الأخرى.
تعاون سري وغياب الشفافية
يقول مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم شعار إن “الأمم المتحدة تمول الأمانة السورية للتنمية بشكل محبط للغاية”. ويضيف في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنه توصل من خلال بحث ينشر قريبا إلى أن بيانات وأرقاما تؤكد كثافة التمويل الأممي للأمانة السورية دون أن يتم الإعلان عن أرقام التمويل بشكل رسمي وشفاف من قبل المنظمة الأممية.
ويؤكد شعار غياب الشفافية في ملف التمويل الأممي للأمانة السورية للتنمية وشركة دياري التابعة لها، وهذا ينطبق على مصادر التمويل الأخرى ولا يقتصر على التمويل المقدم من الأمم المتحدة.
ويشير إلى “نوع من عدم الوضوح في تعامل الجهات الدولية المانحة مع الأمانة السورية والهلال الأحمر السوري منذ بدء كارثة الزلزال، حيث احتكرت المنظمتان المقربتان من النظام جميع مشاريع التمويل الدولي، دون آليات توزيع واضحة”.
مشاريع وشراكات
كان آخر المشاريع الممولة من وكالات الأمم المتحدة المعلن عنها على موقع الأمانة السورية للتنمية مبادرة “مشيني على ضو” التي تهدف لإنارة قرية البطرة بمدينة جبلة على الساحل السوري. وتعد قرية البطرة واحدة من قرى جبلة التي تتشارك فيها الأمانة السورية للتنمية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “ocha” العمل التنموي مع المجتمع المحلي، بحسب موقع الأمانة.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي نفذت المنظمة بالشراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مشروع إعادة تأهيل الوحدات السكنية المتضررة في مدينة جبلة، ويهدف المشروع لتأهيل المنازل التي لم تتضرر جملتها الإنشائية بسبب كارثة الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 شباط/فبراير الماضي، وبلغ عدد البيوت المستهدفة 75 منزلا.
كما نفذت الأمانة مشروع منارة الصليبة المجتمعية في اللاذقية حيث عرض عشرات الشبان مبادراتهم المجتمعية للحصول على تمويل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وتعمل الأمانة بالتنسيق مع الأوتشا على ترميم وتأهيل أحياء الحميدية والجبيلة والشيخ ياسين ضمن مدينة دير الزور، وهي مشاريع تم البدء بتنفيذها منذ العام 2018. ومن الملاحظ اهتمام النظام بمدينة دير الزور واستقدام مشاريع تعافي مبكر للمدينة التي تخضع لنفوذ الميليشيات الإيرانية.
وبداية العام 2023 قدمت الأمانة عبر منارة السفيرة المجتمعية بالشراكة مع المفوضية السامية منحة لـ 100 عائلة بمنطقة السفيرة بريف حلب لتمويل مشاريع ثروة حيوانية مستدامة.
داتا قانونية بالشركة مع المفوضية السامية
وفي المجال القانوني عقدت الأمانة شراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ضمن برنامج الاستجابة القانونية الذي تديره الأمانة، ويتمحور عمل البرنامج حول تقديم الاستشارات القانونية خصوصا للعائدين إلى مناطق النظام و أصحاب الملكيات في مناطق دمشق القديمة.
ففي نيسان/أبريل الماضي عقد البرنامج جلسات توعية قانونية لمجموعة من العائدين من مناطق المعارضة إلى حلفايا بريف حماة حيث تواجه المجموعة مشكلات قانونية تتعلق بالأوراق الرسمية والوثائق الشخصية ووثائق الملكية وغيرها.
ويتكون فريق الاستجابة القانونية التابع للأمانة من فريق من المحامين يتجاوز 60 محاميا يتوزعون في معظم مناطق سيطرة النظام ويلاحظ أن الفريق كان نشطا جدا عقب عمليات التهجير القسري التي جرت بين أعوام 2016 و 2018 من مدن وبلدات ريف دمشق وحوران، كما ينشط الفريق عقب كل عودة معلنة لبعض المهجرين بعد خضوعهم لعمليات التسوية إلى بلداتهم الأصلية في حماة و بلدات إدلب الخاضعة لسيطرة النظام.
وينشط الفريق حاليا بالشراكة مع المفوضية السامية فيما أطلق عليه “استجابة ساروجة” وذلك عقب الحريق الذي طاول السوق الأثري مؤخرا، حيث تتلخص الاستجابة القانونية برصد احتياجات المتضررين واستصدار بدل للأوراق الثبوتية الشخصية والعقارية المفقودة، وهو ما يثير الشكوك في عمل هذا الفريق الذي يبدو أنه يسعى لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الملكيات الشخصية والمشتركة في السوق الخاضع للقوانين الناظمة للعمل ضمن المواقع التراثية.
مع اليونسكو.. شراكة كبيرة
الشراكة بين الأمانة السورية للتنمية ومنظمة اليونسكو تعتبر من أقوى الشراكات التي عقدتها المنظمة مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فقد تمكنت حتى الآن من تسجيل 6 عناصر سورية على قوائم التراث الإنساني، كان آخرها إدراج عنصر نفخ الزجاج السوري التقليدي خلال اجتماع لـ “اللجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي” في بوتسوانا، حيث قامت منظمة اليونسكو بتقييم واعتماد خطة الصون الوطنية لهذا العنصر والتي تهدف لإعادة إحياء الحرفة وتطويرها كإحدى الصناعات الإبداعية السورية، بحسب موقع الأمانة السورية.
وسبق أن تم إدراج فن صناعة الأعواد والعزف عليها على لائحة التراث الإنساني، وهو العنصر الخامس الذي جرى إدراجه بالتعاون بين اليونسكو والأمانة السورية، وبدأت أولى مراحل توثيق هذا العنصر من قبل الأمانة في العام 2018 من خلال مقابلات مع شيوخ الكار.
وخلال الأعوام السابقة، تعاونت الأمانة مع اليونسكو لتسجيل 4 منتجات سورية أخرى ضمن التراث العالمي غير المادي وهي القدود الحلبية، الوردة الشامية، الصقارة والقنص، ومسرح الظل.
شراكات أخرى
ولا يقتصر التمويل الدولي للأمانة السورية للتنمية على الأمم المتحدة، إذ هناك شراكات كبيرة ومباشرة مع المجلس النرويجي لشؤون اللاجئين ومؤسسة الآغا خان، وغيرها من المنظمات الدولية.
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أعلنت الأمانة السورية أنها تعمل في ريفي حماة وإدلب مع المجتمع المحلي وتشبك مع المجلس النرويجي للاجئين لتنفيذ 5 مشاريع توفر المياه بشكل مستدام للمحافظتين.
وفي نفس الشهر نفذت الأمانة بالشراكة مع منظمة زوا الهولندية ومؤسسة المياه الحكومية مشروعا لتشغيل بئر خاص بمستشفى في محافظة القنيطرة عبر منظومة الطاقة الشمسية.
ونفذت الأمانة مشروعا ضخما لترميم الأسواق القديمة في حلب مثل سوقي الحدادين والسقطية، بالتعاون مع مؤسسة الآغا خان، ومنظمة ريسكاتا الإسبانية وهي المرة الأولى التي يظهر فيها اسم هذه المنظمة عبر منصات المنظمات السورية المقربة من النظام.
كما تتعاون الأمانة مع منظمة “أرض الإنسان” السويسرية على ترميم المدارس مثل مشروع ترميم مدارس داريا بريف دمشق الذي تم تنفيذه منتصف العام 2023.
ويصف الباحث كرم شعار هذا التعاون بكونه “يعكس قصر نظر وقلة فهم للوضع على الأرض في سوريا”، موضحاً -من جانب آخر- أن هذا التعاون لا يخرق العقوبات الغربية المفروضة على النظام، لأن الغرب لم يفرض أي عقوبات على الأمانة السورية للتنمية حتى اللحظة.
تمدد ومخاوف
وطالما اعتبرت الأمانة السورية للتنمية بوابة النظام على العالم الغربي قبل اندلاع الثورة السورية، لكن في ظل استحواذ أسماء الأسد على جزء كبير من المجتمع المدني تختفي مبالغ ضخمة تقدم من المانحين الدوليين، بحسب حديث مدير منصة “الاقتصادي” يونس الكريم لموقع تلفزيون سوريا.
ويضيف يونس الكريم أن الأمم المتحدة تعتقد أن تنسيقها المباشر مع الأمانة السورية سيقود إلى إيصال المساعدات إلى مستحقيها ولو بالحد الأدنى، وهذا ما يفسر محافظتها على العلاقة بها.
وبخلاف ما تعتقده الأمم المتحدة، يؤكد الكريم رصد اختفاء أموال المساعدات الدولية خلال حادثة الزلزال ومن بينها أموال مقدمة من دول حليفة للنظام مثل الإمارات وسلطنة عمان، بسبب سرقة الأمانة السورية للمساعدات.
وسبق أن نشر موقع تلفزيون سوريا أخباراً وتقارير من دمشق واللاذقية وحلب وعدد من المدن السورية عن سرقة المساعدات من قبل منظمات مقربة من النظام أو يديرها قادة ميليشيات تقاتل إلى جانب قوات النظام، وعلى سبيل المثال، كشف عاملون في القطاع الطبي في اللاذقية أنه قبل حدوث الزلزال كان هنالك شح كبير في المواد و”تقطير” في أبسط المستلزمات، ومع وصول المساعدات الإماراتية والأممية عقب الزلزال، وصلت للمستشفيات مواد طبية وصلت إلى سوريا عند تفشي وباء كورونا وقسم منها منتهي الصلاحية.
ويرجح أن الأمم المتحدة تتعمد عدم إثارة الأمانة السورية على موظفيها في مناطق النظام بسبب علاقة “الأمانة” الأمنية ما يجعلها تشكل مصدرا للضغط والمضايقات التي تعني عرقلة نشاطات الأمم المتحدة في المنطقة.
ويشير يونس الكريم إلى “تغول الأمانة السورية على المجتمع المدني السوري فهي تمتلك تنظيما عاليا وداتا بيانات كبيرة جدا مقارنة بالبيانات التي تملكها المنظمات المعارضة، وهي أيضا تدير مشاريع كبيرة على الأرض تفوق كما ونوعا المشاريع في مناطق المعارضة التي تتسم بالطابع الإغاثي”.
وفي ظل هذه المعطيات هناك تخوف من جعل الأمانة السورية الجهة الرئيسية التي تتعامل معها الأمم المتحدة مع انخفاض حجم المساعدات المقدمة لسوريا على اعتبار أن الحرب قد توقفت بشكل نسبي، ما يعني حصولها على النصيب الأوفر من مشاريع التعافي المبكر.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
إن التعاون الوثيق بين مؤسسة “الأمانة السورية” التي تقودها أسماء الأسد والأمم المتحدة، أظهرت بأن التمويل الأممي عقب كارثة زلزال شباط/فبراير الماضي استحوذت على النصيب الأكبر منه إلى جانب الهلال الأحمر السوري ، إنه فساد أجهزة وعناصر للأمم المتحدة وتغول الأمانة السورية على المجتمع المدني السوري، إنها ذولة الاستبداد والفساد والارهاب .