غاب بشار الأسد أو غُيّب ربما، لا فرق، الأهم في الحالين هو جملة المعطيات التي تخلّلت نحو أربعة أشهر من سباته الشتوي أو موته السريري السياسي والفيزيائي والذي بدا خلاله متحلّلاً من مسؤوليته الرئاسية ولم يعد معنياً لا بخروج مطاري دمشق وحلب المتكرر عن الخدمة ولا بالضربات الإسرائيلية المتتالية على دمشق والأراضي السورية والتي بلغت ما بين 7 من تشرين الثاني و12 من كانون الأول أي خلال 35 يوماً، 33 إغارة، بمعدل تقريبي غارة كل يوم.
وكي لا نتهمه بالهروب أو الاختباء من تداعيات طوفان الأقصى والحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل، والتي تكشفت عن مراوغة إيرانية ماكرة، إذ راحت تخبّئ رأسها وتحرّك أذنابها بحركات حذرة ومتوجسة خوفاً من أن تضطرها تداعيات هذه الحرب إلى تنفيذ مقولة (وحدة الساحات) فتصطدم مع الغزو الإسرائيلي المدعوم أميركياً وأوروبياً.
وتخسر إيران بذلك فرصة الكسب الذي تترقّب جناية ثمراته بالتفاوض مع الأميركان، إذا التزمت بعدم إرباك التوجهات الجيوستراتيجية الأميركية والإسرائيلية في متابعة تنفيذ السلام الإبراهيمي مع الدول العربية المتفرجة على الدم الفلسطيني والمتجاوزة عليه، ولتخرج إيران بالتوافق على حصتها في إدارة ترتيبات المنطقة ولاسيما في مناطق نفوذها التقليدية.
لعل الأسد العاجز عن تقديم أية حلول للداخل المنهك وعن ردّ الضربات الإسرائيلية، والذي بات قلقاً من تخلّي نتنياهو عن وعوده بحمايته، أراد أن يلفت نظر إيران إلى أن هذه الضربات موجهة إلى نقاط تمركزها وهي الأولى بالرد عليها، وما عليه هو سوى متابعة سباته الشتوي وصمته المريب.
وحين بدا أنه لا صحة لما أشيع عن مرضه الجسماني، فالأولى بنا أن نفكر باعتلاله السياسي وإفلاسه وتفاقم أزمته النفسية المرافقة لدخوله بين فكّي كماشة أطبقت عليه وشلت حركته بالتوازي بين ضغط حاجات أهل الداخل المطالبين بلقمة العيش والأمن والتعليم والأدوية والوقود وغيرها وضغط الظروف الخطرة التي أعقبت طوفان الأقصى، وكذلك الظروف المحيطة به شخصياً وبالمنطقة بكاملها.
أم لعلّ حماته الإيرانيين، أجبروه على إصدار مرسوم رئاسي يحدّ فيه من صلاحياته ويصبها في يد رئيس الوزارة عماد عرنوس، بصفته شخصية مدنية غير خاضعة لعقوبات الأسد، ولكي يخرج المرء من التخمين واللا يقين ويضع يده على الأسباب الموجبة وربطها بنهج الإيراني المباشر، والهادف إلى تحرير بعض الصلاحيات من يد رئيس الجمهورية وصبّها في يد رئيس السلطة التنفيذية الممثلة برئيس الوزارة وفقاً لهذه الترتيبات لتحييدها عن رئيس معاقب دولياً ومطارد من أجل القبض عليه لارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
وبذلك يأملون بفك الحصار المضروب على الأسد ويعطّل عملية إعادة الإعمار، وعبر هذه التغييرات تتغوّل سلطة الملالي أكثر فأكثر في عمليات التغيير الديموغرافي والسيطرة على الأملاك التي سيصادرها رئيس الوزارة وبرمجة سداد ديونها التي عجز الأسد عن سدادها.
ربما اقتنع بشار الأسد بالمثل العامي (الهريبة ثلثين المرجلة) فتهرب من إعلان موقف يحفظ ماء وجهه من طوفان الأقصى وتداعياته الكارثية كما تهرّب من إعلان موقف في قضية أبسط بما لا يقاس من أحداث غزة فائقة الخطورة أي الموقف من انتفاضة السويداء المتقدمة لإكمال شهرها الرابع بلا انقطاع.
وحيث إن السكوت عن أي منهما لا يبرر السكوت عن الآخر وحيث لا تجدي الألاعيب الصغيرة لا هنا ولا هناك، سنضطر لنذكر بأهم الأحداث اللافتة التي حدثت فكشفت النقاب عن ترتيبات تجري في الغرف المغلقة وتفرض على بشار الذي على ما يبدو، لم يعد قادراً على حفظ التوازن بين الحليفين (الضرتين) إيران وروسيا، علماً أنّ الرهان في الأصل كان ولم يزل على صلاحياته ودوره ومدى بقائه، ويشار هنا إلى دور إيران في إصدار مرسوم يرجّح كفتها ويمكن قبضتها من عنق السلطة التنفيذية المدنية عبر رئيس الوزارة المعدلة صلاحياته وإخلاء مسؤولية الأسد عنها.
وقد يضيف ظهور أخيه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، إيراني الولاء، هذا التوجه أيضاً ولكن هذا قد يؤدّي إلى الخلل في التوازن بين إيران وروسيا، فتعود الثانية إلى خلط الأوراق وإرجاع اللعبة إلى بداياتها.
أما اليوم وقد خرج الأسد من سباته، فتبيّن أنه كان في خلوة مع شياطينه، الذين رتبوا له هذا المرسوم وفصّلوه على قياس رئيس الوزارة الموالي لإيران، ثم ذهب إلى تجديد قيادة حزب البعث التي شاخت وتهالكت واستكملت دورة فسادها، ليأتي بقيادة جديدة يصعب أن تختلف عن سابقتها، لأن التغيير يجري بقرار من الأعلى وتحت إشراف الأسد ومن دون أية مقدمات تشاورية مع الجهاز الحزبي وقواعد البعث، التي استلبها نظام الأسد فاستعاضت عن الأوامر الفوقية والمهام الأمنية والاستخبارية بالمبادئ الحزبية والعمل الحزبي السياسي.
وكما جاء المرسوم بتعديل يطول مهام رئاسية، لم تكن يوما إلا متفردة ولا شريك لها في سلطتها وتمت صياغتها داخل جهاز السلطة نفسها وبمرسوم من رئيسها، كذلك سيتم تجديد الطاقم الحزبي البعثي بـ”انتخاب” لجنة مركزية جديدة وتدشين مرحلة انتقالية، تبني أسس السياسة الداخلية وقواعد إدارتها ولكن على طريقة (زيته بعجينه)، لأن التغيير الحقيقي يتطلب تغيير الأسس والقواعد والفكر ممثلاً بقادة التغيير الذين حملتهم القواعد الحزبية إلى القيادة.
لذلك ولكل الظروف يصح القول: إن الأسد لن يتمكن من تغيير سوى شكل العبوة وسيحافظ على (الحشوة) الفكرية النخبوية التي ستضبط خط سيره الحزب ليبقى حاملاً للاستبداد والفساد، باعتباره الخلفية الإيديولوجية للسلطة.
وهنا لا بد من أسئلة، تتعلق بصلاحية هذه الترتيبات لعملية تغيير فعلية، وبمدى إمكانية تنفيذها وما ظروف السلطة المناسبة لذلك؟.
وللإجابة لا بد من دراسة الشروط الغامضة التي فرضت على الأسد هذا الإجراء وهل يعتقد أنه (سيصيد عصفورين بحجر واحد) أي إعادة تدوير نظامه وتخلي العالم عن محاسبته وملاحقته، علماً أن ما فعله ليس أكثر من محاولة هروب إلى الأمام من استحقاقات تلاحقه وتتعلق بأمنه الشخصي ومستقبل سلطته واستعداده لقبول القرار 2254 واسترضاء العالم الغاضب إلى درجة الاحتقان من كبتاغونه وجرائمه وتابعيته لإيران، وهل فعلاً فرض الأمر عليه فرضاً من إيران التي تأمل أن تنال حصتها من الترتيبات التالية لحرب غزة، من دون أن تتلوث بالدماء أو أن تعرض نظامها للخطر؟.
من المؤكّد أن السوريين لن يعوّلوا على أي من هذه الترتيبات بل سيرصدون ويتابعون بقلق تغوّل إيران أكثر فأكثر في بلادنا وسيعلمون أن الترويج لهذه الإجراءات لا يهدف إلا لإشغال الجميع، عما يتم في العلن والخفاء من بيع ما تبقّى من مقدرات بلادنا للإيرانيين والروس, وطبيعي أن ثنائية الحاكم الفرد والشعب الرعية لن تنتهي في سوريا ما دام الأسد وبعثه قائمين، وإلا إذا جرى التغيير السياسي عبر السوريين نحو الديمقراطية والعدالة والتعددية، لذا سيكون على السوريين العمل الجاد على هذا الاستحقاق بابتكار وسائل جديدة وعدم انتظار الترتيبات الأميركية السيئة بعد أن تنتهي هي وإسرائيل من إبادة غزة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
وجهة نظر وتحليل يحترم لوضعين نظام طاغية الشام والترتيبات التي أجراها ويجريها بتغييرات بترتيب الأجهزة الأمنية وصلاحيات رئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء وتغيير بركاب قيادة حزب السلطة ، جميعها ترتيبات لتقول بأنه موجود ويتحكم بأمور الدولة ؟ والحقيقة بانه ينفذ تعليمات قوى الاحتلال لترتيبات قد تكون ضمن شرق الأوسط الجديد او ترتيبات لتطبيق قرارات دولية تنهي الملف السوري مع الملف الفلسطيني .