يتربع الشاعر العربي حسن علي الخليل على صهوة الشعر فيخط بالقلم ما يعجز عنه غيره بسواه.. تنبع القوافي من بين أصابعه عشقاً عروبياً نقياً.. نقاوة الأرض التي ينتمي إليها الشاعر أبو خلدون.
في حوارنا معه اليوم نمسك وإياه بأداة الشعر العربي فينتج بآرائه ذلك المعطى الأدبي الأصيل الذي ما برح ينهل منه العرب يوماً بعد يوم ضمن هذه الأجواء كـان حوارنا معه.
– في عصر الانكسارات العربية يستغرب المرء أن يرى شعراء مثلك ما زالوا يحملون الهم القومي وراية عبد الناصر. ألم تؤثر فيك الأيام؟
– أية انكسارات ، وأية هزائم وأي تشرذم وتبعثر فالمشهد مؤذي وقاتل .. إن ما نحـن فيه لا يمكن تصوره ولا تصديقه لو لم يكن حالة نراها ونعيشها، فأية حالة تغـزى فيهـا الأوطان ويفعل الغزاة كل ما يحلو لهم فعله في ظل صمت قاتل ومريـع بل الأنكـى والأسوأ أننا نُتهم ويُطلب منا أن نكون حراساً أمناء للحدود لمنع غيور تغلي الحمية في نفسه من أن يذهب للعراق تحت مسمى دعم الإرهاب.
لكن هذا رغم ثقله واتساع مساحته وضخامة حجمه هو بمثابة حافز لي وليس إحباطا لأن الإنسان خلق لمواجهة التحديات وليس للاستسلام لها، وكما يقال: الدنيا يومان.. يوم لك.. ويوم عليك.. فإذا كانت الدنيا علينا فلا يعني ذلك أن الزمن سيتوقف.. فعبد الناصر نفسه انتصر في 23 تموز وفي الـ 56 وهزم في الـ 67 ومع ذلك لم يستسلم وعمل من جديد خائضاً حرب استنزاف لثلاث سنوات مرمر العدو فيها وفوت عليه نشوة نصره.. وكذلك الأمر في العراق المقاومة فعالة وموجعة للعدو وهو يتخبط في مستنقعها، أما أن أبقى وفياً لعبد الناصر وأحمل رايته فهذا هو الطبيعي الذي لا بديل له لأن عبد الناصر كان مشروعاً وليس شخصاً نمجده ونترحم عليه.. والأعداء واجهوه كمشروع وليس كشخص ومع ذلك كان الأمل والسور والحصن الذي حمانا ولو أنه موجود لما كان ما هو كائن ولما حصل ما هو حاصل ومصيبتنا أننا للآن يشكك الكثيرون بدوره ويبخسون عليه حقه.. لكن لله في خلقه شؤون.
– العراق عنوان وكذلك فلسطين للكثير من أشعارك فكيف استطعت أن تكون
الناطق باسم المقاومة العراقية والفلسطينية؟
– الناطق باسم المقاومتين ، فهذا كبير علي لكن الممجد لهما فهذا حق وواجب علي وعلى غيري لأن من يضحي بنفسه ليذيق العدو الويلات ليلحق به الخسائر ومن ثم الهزيمة فمن حقه ليس فقط التمجيد قولاً وإنما أن تفتح له القلوب للسكن وهذا أقل ما يمكن فعلـه.
مقاومة الأمريكان في العراق وكذلك في فلسطين مجدتهما وأحني رأسي احتراماً وتبجيلاً لهؤلاء الخوارق وليس للثأريين والطائفيين والانتقاميين الذين لا وصف لأعمالهم الدنيئة والرخيصة.. إن هذه المقاومة هي وجه هذه الأمة.. وهي أملها والمقاومين هم رجالها ولولاهم لقرت عين العدو ونام سعيداً هانئاً مرتاحاً.
– يقولون أن الشعر قد أفل وولى زمانه ، والمستقبل للقصة القصيرة والرواية ، فماذا تقول أنت؟
– عناصر الكون هي: الماء والنار و التراب والهواء وكذلك الأدب عناصره القصة والأقصوصة والرواية والشعر. ومثلما يتوقف الوجود على وجود هذه العناصر كذلك يتوقف وجود الأدب عن هذه الأنواع.. فالشعر حاجة في نفس الإنسان وأداة للتعبير عن مكنونات نفسية والموهبة الشعرية تحلق مع الشاعر ولا يتعلمها وبالتالي لا بد منها لكن من الممكن أن يتقدم دور القصة على الشعر لكن لا يلغيه.
والشعر كغيره حالة إبداع وتعبيرات جمالية لا يمكن استبدالها وجدت مع الإنسان وتزول بزواله، ومثلما يهمنا الهواء صيفاً أكثر من النار وكذلك يخفت عنصر أدبي ويتوهج آخر لكن هذا لا يعني الأفول والنهاية.. والشعر أسمى وجوه الأدب وأجملها وأثمنها فهو بوقعه وبصوره وبموسيقاه وقافيته ينشي النفس البشرية ويزيدها متعة، فقد يجعلنا بيت الشعر نرقص ونطير فرحاً ويجعلنا نقف عنده وهذه كلها غير موجودة في العناصر الأخرى.
ومن هنا أقر بأن الشعر لم يأفل.. بل أراه يتربع على عرش الجمال ممسكاً بصولجانه.
– مجموعاتك الشعرية جميعاً ملأى بالشعر السياسي … فأين مكانة حواء وغزلياتك فيها ؟
– الشعر السياسي كالمطر ينهمر من الأعلى على الأرض تفرضه الوقائع والأحداث. فالاحتلال محرض للتنديد به ومقاومته أما الغزل فإنه كالينبوع يتسرب من باطنها لأن للمرأة مكانتها وهي حاجة للنفس البشرية ووجه من وجوه الجمال وشجرة الحياة الخضراء وورودها العابقة بأحلى العطور.. إنها قهوة الصباح وهيلها.. أقوى الرجال وأعظم الرجال وقف ضعيفاً أمامها وأحنى هامته لها رغم ضعفها ورقتها.. فهي تملك سحراً وجاذبية لا يقاومان ودفأً وحناناً يحتاجهما الرجل.. ألم يعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يريد منها أن تدثره.. وهب بالنسبة لي الهواء الممزوج بدمي والنبض في عروقي وقنينة عطري.. وطغيان السياسي على الغزلي لا يعني عدم وجوده أو لا مكانة لحواء بنفسي.. إنها معي وحاضرة بكل جوارحي ومجموعتي هذه – عبق الروح – هي غزليات خالصة بمناسبة إحالتي على التقاعد.. وقطع علاقتي بهـا هـو بمثابة نهايـة حياتي.. وهذا معنى وجودي:
حواء يا سر الوجود وسحره
يا عطر الورود
أنت الوجود
أنت الوجودُ بليله ونهاره
والكون أنت بشمسه وربيعه (وربيعه)
وأنت موهبة الخلود.
لذلك أرجو ألا تحرضها علي فتخاصمني ويحصل مالا يحمد عقباه.
– كيف تقرأ ثقافياً حالة المثقفين العرب الذين يتسكعون على أبواب السلطات العربية ؟
ج-يعرف عبد الناصر المثقف بأنه: من يكدح ذهنياً من أجل الجماهير وهو بهذه الحالة وعي المثقف بحال الجماهير للدفاع عنها وعن حقوقها ومصالحها.. وذلك تجاه الحاكم ينتقده ويقاومه لا أن يرخص نفسه له مقابل مكاسب هي بالأصل حقه ومن يرخص نفسه ليس مثقفاً حتى ولو حمل أعلى الشهادات.. وإنما ذنباً وتابعاً لذلك قلت:
يا معشر الشعراء أنعى حظكم
إن لم يلامس شعركم أحلاميا
لا خير في شعر يهادن ظالماً
لا خير في شعر يداهن طاغياً
من هنا يحاول هؤلاء السلاطين شراء من يرخص نفسه لهم ليدافع عنهم وليمنحوا لأنفسهم أنهم شرعيون وتؤيدهم أقلام المثقفين، لذلك ليس هؤلاء شيئاً وسيان إن حضروا أو غابـوا-.
المصدر: ديوان العرب. تاريخ 31 آب / أغسطس 2007
حديث من القلب مع الشاعر العروبي الناصري حسن علي الخليل/ابو خلدون يتحدث بشفافية عن الشعر الوطني والقومي ووضع أمتنا العربية ، لأنه من الشعراء القلائل الذين ما زالوا يحملون الهم القومي وراية عبد الناصر. ألم تؤثر فيك الأيام؟ ، رغم إن الحوار منذ 16 عاماً .