اولا: لا بد من التأكيد أن الإسلام كدين في الجماعة الوطنية السورية و معتنقيه أيضا. لم يكن يوما منفصلا عن شؤون السياسة والحياة العملية والقيم والأخلاق المجتمعية. وهناك تماهي قيمي إسلامي مسيحي فوق التقسيمات الفرعية كأقليات أو طوائف أو مذاهب. وتكاد تكون الأخلاق والقيم ذات الاصول الاسلامية مشتركة بين الجميع ومرجع للكل بغض النظر عن مسمياتها او انتسابها.. وكان الإسلام إلى ما قبل العصر الحديث هو المرجع الذي تنتسب إليه السلطة السياسية. والعثمانيين حتى سقوط الخلافة بعد العشرين من القرن الماضي يعتبرون حكمهم الممتد لقرون حكما اسلاميا… بالمختصر ليس الاسلام جديدا في السياسة ولكن العصر الحديث أعاد السؤال حول دور الإسلام السياسي. .ومارسه البعض كخيار سياسي مجتمعي والحكم كسلطة ودولة
ثانيا. كان سقوط الخلافة العثمانية واحتلال سوريا والعرب عموما من قبل الغرب. صدمة حضارية بكل معنى الكلمة .اعاد السؤال لماذا تخلفنا وتقدم الغرب و احتل بلادنا أيضا.؟ وكيف نتقدم ونتحرر ونحقق العدالة ؟. ومن الأجوبة التي كانت على هذا السؤال. هي بالعودة للدين الاسلامي دين ودنيا. وكان هذا التوجه ممتد في العالم الإسلامي وعند العرب والسوريين منهم.. وكان هذا الطرح متجاوزا الحالة التقليدية من رجال دين متتلمذين على بعضهم بطريقة عنقودية .متوارثين المشيخة والأستاذية جيلا عن جيل.. بل كانت بالبداية على طريقة المصلحين الكبار الذين اطلعوا بالمباشر على الغرب. والمتأثرين به سواء ايجابا لجهة تقدمه العلمي والتكنولوجي والحياتي. أو سلبا لجهة تحوله لاستعمار رأسمالي. يستعبد الشعوب الأخرى لمصلحته ونحن العرب منهم. بسبب فارق التقدم العلمي وبالقوة.. فكان الطهطاوي والتونسي والأفغاني ومحمد عبده.الخ. رواد النهضة وكلهم كانوا بمثابة دعاة ولم تصل تجربتهم لدرجة التحزّب
ثالثا.كان لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا في عشرينات القرن الماضي في مصر. دور الانتقال من الحالة الدعوية الى الحزبية بالمعنى المعاصر .كبنية حزبية و فكرية وأهداف معلنة واستراتيجية عمل.. فقد نشأت الجماعة في ظروف سقوط الخلافة الإسلامية (العثمانية). ووجود حكم مصري فاسد تابع للمستعمر الانجليزي . ووجود الحالة الديمقراطية المتمركزة على الطبقه الحاكمه والملاك والتجار. ووقتها كثرت الحالات الحزبية، شيوعية ووطنية وقومية وغيرها . وكانت مصر حبلى بمقدمات ما سيظهر في الخمسينات من ثورة تموز 1952م وجلاء المستعمر الانكليزي
المهم هنا.. ان جماعة الاخوان المسلمين وصلت الى سوريا عبر بعض الطلاب الأزهريين وغيرهم. وكان لهم حضورهم و تميزوا بأنهم تصرفوا في سوريا بعقلية عملية. فانغرسوا في المجتمع بكل تلاوينه. و تأقلموا مع وجود المستعمر الفرنسي كغيرهم من الأحزاب. ومع فسحة الديمقراطية المتاحة .ومارسوا دورا مجتمعيا في محاولة لأن يؤسسوا مع غيرهم لسوريا المستقبل بعد خروج المستعمر الفرنسي
رابعا.بعد خروج المستعمر الفرنسي بالاربعينات من سوريا . ومع تأسيس الجمهورية في سوريا. والبدايات الديمقراطية.. كان لكل التيارات الفكرية والحزبية وجود وحضور. من اخوان مسلمين للشيوعيين للقوميين السوريين والبعثيين والناصريين لاحقا. ولكن الدور الدولي والإقليمي كان له الفعل المؤثر في سوريا سواء عبر الانقلابات العسكرية المتتالية او هزيمة النكبة أو حلف بغداد او العدوان الثلاثي على مصر.. وما تلاه من وحدة سوريا ومصر.. وما كان لذلك من تداعيات على الحالة الحزبية السورية وخاصة الاخوان السوريين ، الذين كانوا فرعا للإخوان كتنظيم عالمي والذي اصطدم مع عبد الناصر في مصر
خامسا.اختلف عبد الناصر مع الإخوان المسلمين في مصر سواء لجهة السياسات حول الإصلاح الزراعي القرارات الاشتراكية..الخ، أو حول المشاركة بالحكم . وانعكس ذلك على صراع مفتوح بدأ من الخمسينات وما زالت رواسبه باقية للآن بين العروبيين والإسلاميين.. وانعكس الخلاف على التنظيم في سوريا حيث وقف الإخوان موقف المتردد من الوحدة المصرية السورية. ولو أن بعض قادتهم التحق بالمشروع الوحدوي العربي مثل مصطفى السباعي الذي تقدم خطوة مع القرارات الاشتراكية .التي اقتربت من عدالة الاسلام الاجتماعيه عبر كتابه اشتراكية الإسلام. .وبكل الاحوال كانت فترة الوحدة وبعدها الانفصال مرحلة اعادة ضبط لمسار الاخوان وكل الحالات الحزبية السورية. وعملت الجماعة على التمكن مجتمعيا. وهنا بدأت الجماعة تنتج لها مجموعاتها المسلحة. وهي من أصل الدعوة منذ البنا المؤسس. والتي كانت ذراع الجماعة الضارب. والذي يتحرك وفق خطة الجماعة كقوة مستقبلية للوصول للحكم. وتنفيذ برنامج الجماعة لخلق الدولة الإسلامية المبتغاة…
سادسا.لم يكن التوافق الفكري السياسي موجودا. بين أبناء جماعة الإخوان المسلمين حول اسلوب العنف للوصول للسلطة السياسية في الدولة خاصة بعد خبرة صراع الجماعة مع الملكية في مصر واغتيال حسن البنا نفسه على خلفية اغتيال الزير الذهبي . أو حتى محاولة اغتيال عبد الناصر ونتيجتها الصراع المفتوح بينهم وصولا لمحاكمات الاخوان واعدام سيد قطب وتحوله الى جرح معنوي في ذات الإخوان اتجاه عبد الناصر والتيار العروبي.. ان ذلك كله كان حاضرا في وجدان الاخوان السوريين. فاتخذ الجسم الأغلب طريق الامتداد المجتمعي السلمي الأفقي للوصول عبر التفاعل المجتمعي للحكم الاسلامي. واستمر طرف قليل يحمل فكرة العنف للوصول للدولة الإسلامية.. وزاد الاستقطاب حدة أن السلطة السياسية وصلت إلى البعث بعد حركة آذار 1963 .والتي عمدت لإقصاء كل مختلف .ووصلت لدرجة التصفيات حتى للبعثيين المختلفين مع خط الاسد الاب الذي استحوذ على السلطة بالمطلق بعد 1970
سابعا.شكلت مجموعات صغيرة ما سمي بالطليعة الاسلامية المقاتلة . وكان على رأسها مروان حديد. ومازال هناك عدم يقين بارتباطها بجسم الاخوان أو منشقة عنه.. وعملت في الستينات للتأسيس لمواجهة السلطة البعثية في سوريا. طبعا لسببين ان الحكم علماني غير إسلامي. ولو ظاهرا. وكون الحكام الفعليين علويين . وهناك بعض الفتاوي الدينية التاريخية لابن تيميه وغيره تكفرهم.. وعمد النظام لضربة استباقية لهذه الجماعة. عبر اعتقال مروان حديد نفسه ومعه بعض مناصريه وسجنه وقتله في المعتقل ايضا.. كل ذلك مع استفراد البعث بالظاهر في الحكم . وواقع الحال سيطرة الأسد الاب عبر عصبته وعائلته وامتداد طائفته العلوية في الجيش والامن وكل مفاصل الدولة . ووجود متغيرات اقليمية مهمة وكبيرة كحصول الصراع بين المقاومة الوطنيه اللبنانيه وحلفاؤها الفلسطينيين ضد التحالف المسيحي اللبناني. ودخول سوريا للبنان ليكون بداية احتلال فعلي مازلنا للأن ندفع ثمنه. ووجود تحالف بين السلطة العراقية والسعودية والاردن في مواجهة النظام السوري . الذين وجدوا بالإخوان حصانا رابحا يمكن المراهنة على اسقاط النظام السوري او اضعافه على أقل تقدير
ثامنا.في اواسط السبعينات .افتتحت الطليعة المقاتلة الصراع مع النظام السوري .عبر عمليات اغتيال كانت هامشية وطائفية .ولم تكن مؤثرة على النظام فعلا. ولكنها قدمت له الذريعة حتى يقوم بحرب مفتوحة على الطليعة المقاتله وعلى الاخوان المسلمين عموما .الذين سرعان ما انخرطوا في الصراع ضد النظام. واعطيت الذريعة للنظام لتصفية الإخوان بين قتيل وسجين و هارب .وايضا بطش غير مسبوق من قبل النظام للحاضنة المجتمعية في حماة وجسر الشغور وحلب واغلب سوريا. وكان نتاجها عشرات الآلاف من الضحايا ، كذلك كان من نتائج الصراع البطش بالعمل الوطني المعارض السوري الذي اتخذ موقفا يعادي بطش النظام واستبداده وعنف الاخوان و طائفيتهم. لكن النظام تعامل مع الكل كأعداء وعمد لتصفية كل ناشط وبأي دور ولو رمزي. وكان الكل بين معتقل ومطارد وهارب.. ولم نصل اواسط الثمانينات حتى اصبحت الساحة السياسية السورية ملك السلطة بالمطلق . الاخوان المسلمون محكومون بالموت عبر القانون 49. ووجود المعارضين الآخرين الرمزي من قوى التجمع الوطني الديمقراطي (ناصريين وشيوعيين وبعث ديمقراطي و اشتراكيين عرب وحزب العمال الثوري). لم يغير من واقع الحال شيئا: بأن السياسة في سوريا حكرا على النظام فقط
تاسعا.بعد أحداث السبعينات والثمانينات. لم يعد هناك وجود فعلي للإخوان المسلمين داخل سوريا. الا بعض الافراد الغير ناشطين . وبعض الحضور المعنوي المجتمعي. حاول النظام أن يغطي الواقع المجتمعي بدعم إسلاميين تابعين له عبر مؤسسة الافتاء او الائمة والخطباء.. ولكن الساحة لم تخل من المبررات الموضوعية لوجود حالات اسلامية ترى الإسلام طريقها للخلاص من الحكم الطاغي المستبد ولبناء دولة إسلامية وكل على ما يرى.. وكان لما حصل من الاحتلال الروسي لأفغانستان وحملة امريكا والخليج ودعاتهم الاسلاميين (لانقاذها من العدو الملحد) دور في استقطاب بعض الشباب السوري الذي انخرط في هذا الصراع. والذي كان لاحقا جزء من تنظيم القاعدة. والذي عاد بعد ذلك ينخرط في الصراع ضد الوجود الامريكي في العراق.. ولم يكن النظام متفرجا . بل كان له دورا مزدوجا. فقد اعتقل كل من وصلت يده إليه وكانت له داخل المجموعات اختراقات مهمة ظهرت بقوة عبر دورها في العراق. وعبر دورها الآن في سوريا من خلال تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية داعش وفعلهم السياسي والعسكري. وتحولهم ليكونوا كالنظام سلاحا موجها ضد الشعب السوري.. طبعا هذا لا يعني أن كل من التحق بالفكر الجهادي واعتقل وكان له دور بعد ذلك في العمل المسلح ضد النظام هو مخترق .لا.. فكثير من الثوار هم ممن اكتوى بنار النظام وسجونه وظلمه الاجتماعي والاقتصادي ونتائج سياساته الضد مجتمعه وضد الانسانية ايضا
عاشرا.ومن الحركات الإسلامية التي كانت حاضرة في سوريا حزب التحرير الاسلامي. الحزب الذي نشأ على فكر الفلسطيني تقي الدين النبهاني. والذي أسسه في الخمسينات. وكان ينصب سياسيا على فكرة بناء دولة الخلافة الاسلامية اولا. وتحرير فلسطين. وعلى فكرة طلب النصرة من أطراف بالحكم في أي بلد واستلام الحكم كمقدمة للخلافه الاسلامية الجامعة لكل بلاد المسلمين. وكان أسلوب عملهم يعتمد على خلق المناصرين عبر بنية تنظيمية محكمة وعبر تربية فكرية مضبوطة ومغلقه. فعندهم جواب لكل شيء .؟!!. ولكن مشكلتهم الواقعية هي انهم يرفضون اي دور سياسي مجتمعي قبل استلامهم للسلطة و عبر طلب النصرة حصرا. وهذا جعلهم وجودا سياسيا تحت السيطرة في كل مناطق تواجدهم. فلم يكن لهم أي دور سياسي في الأحداث السورية وحتى في فلسطين الداخل وحتى مع الثورة.. وكانوا في حالة عطالة سياسية واقعيا.. وهذا يفسر وصول كوادرهم للمئات في سوريا عبر مراحل ازماتها السياسية. دون أي منعكس مباشر لهم على الواقع او من النظام اتجاههم.. واستمر ذلك حتى التسعينات حيث قرر النظام عبر ضرباته الاستباقية التي طالت كل الناشطين السياسيين السوريين في العقود الماضية تصفية حزب التحرير بحملة أمنية طالت المئات بين معتقل وهارب.. والحزب متميز بفكر شمولي مغلق يعتقد ان الخلافة الاسلاميه امرا شرعيا إلاهيا. والحكم يجب ان يكون شرعيا إلاهيا. وان الحكم الديمقراطي حكما كافرا بمعنى غير إلاهي يعني بشري. ويعتبر حزب التحرير حزب ديني بامتياز.الخ للحزب أزماته الفكرية والسياسية والتنظيمية. ويعتبر شبه منتهي في سوريا كحزب. واغلب كوادره انخرطت بالثورة السورية وأصبحت من ناشطيها العسكريين والمدنيين ايضا
حادي عشر.والان عندما نتحدث عن الحالة الإسلامية المسيسة في سوريا. فاننا لا بد ان نذكر ان جماعة الاخوان المسلمين قد اتخذت موقفا جذريا من موضوع الحكم. بأنه مدني ديمقراطي في سوريا المستقبل . وان ذلك تثبت كممارسة عبر التحاقها بإعلان دمشق في أواسط الالفين .وكانت واحدة من الطيف الوطني السوري .الذي توافق على الخيار الوطني الديمقراطي. وان اغلب مناصريهم في جسم الثورة الميداني.. وهذا لا يغطي على مشكلتهم العملية في الممارسة في مناشط الثورة السياسية . من مجلس وطني وائتلاف وتحالفات اقليمية ودولية وحتى داخل الثورة. وهذا مرض الكل من اليسار والعلمانيين والاسلاميين. لنقل مرض ضياع تحديد الأولويات كشعب وثورة.. والانتصار على النظام واسقاطه ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية .ويكاد يكون هذا مرض كل السياسيين السوريين إلا من رحم ربي ولم يتحول العمل السياسي السوري بعد ليكون رافعة الثورة التوحيدي كسياسه وعسكر وهذا ما نسعى اليه
ثاني عشر.كان لفكر القاعدة وداعش المغلق والمختلف معه وعليه إسلاميا وعلميا. وممارستهم السياسية الثأرية الاقصائية. واختراقهم من قبل النظام وغيره . دورا سلبيا في الثورة السورية . وخاصة أنهم قدموا لشبابنا الحاضن المادي والسلاح واعتمدوا معهم عملية غسل دماغ وتوريطهم بفكرة ان لا بديل لهم عنهم.. ساعد في ذلك غياب الامتداد الوطني الديمقراطي بين الثوار إلا ما ندر . ومحاربة الحالة الوطنية الديمقراطية من قبل المانحين . والعمل على تحويل الحالة الإسلامية الى دور دموي ووحشي وطائفي وهذا مايريده اعداء الشعب السوري من النظام وحلفائه والداعمين الوهميين .. وذلك لمصلحة (اسرائيل) والغرب و الانظمه المستبده التابعة
ثالث عشر.ان البعد الاسلامي في أغلب المجموعات المسلحة المقاتلة للنظام ضمن الثورة السورية. ليس أكثر من بعد مجتمعي قيمي غير مسيس بالمباشر. ولا يدعو للدولة الإسلامية (الدينيه) .وهو أقرب للمطالبة بحكم حرية وعدالة وان الشعب من يقرر شكل الحكم… وهذا مقبول مبدئيا. وعلى السياسيين ومفكري الثورة ان يؤكدون على أن الحرية والعدالة والكرامة والدولة الديمقراطية هي متوافقة مع مقاصدية الإسلام ومصلحة الجماعة وطريق بناء المستقبل الأفضل لكل السوريين
.اخيرا ان التوافق الشعبي السوري بين الثوار والسياسيين على أولوية اسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية. تجعلنا نرجع البعد العقائدي عند الكل بدرجة اولويته لخلفية سلوكنا السياسي. وخاصة أننا مستهدفون كلنا كشعب سوري بوجودنا المادي كحياة والمعنوي كشعب على أرضه.. واننا ان لم نتحد بالمطلق ضد النظام وحلفائه. وان اختلفنا في الفكر والعقائد والسياسة والاولويات . هلكنا كلنا
ان وجود سوريا شعبا وأرضا ودولة ديمقراطية مستهدف
كلنا مشروع ضحايا ان لم ننصر ثورتنا وننتصر بها
19.4.2014…