لم يكن العرب منغلقين على أنفسهم يومًا قبل اختراع الطائرة وابتكار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بل كانوا يقومون برحلات تجارية ينقلون من خلالها لغتهم وثقافتهم ولغات وثقافات الأمم المجاورة وهناك الكثير من الأدلة على حركة الاقتصاد والثقافة في العصور الأولى فقريش وهي إحدى قبائل العرب وأشهرها كانت تقوم برحلتين ذكرتا في الكتاب المحفوظ (الشتاء والصيف إلى اليمن والشام) ناقلين بذلك لغتهم العربية وناشرين ثقافتهم في كل مكان يحلون به عدا عن الأسواق التي كانت تساعد على تبادل الثقافات ونشر اللغة العربية على أوسع نطاق كسوق عكاظ ودومة الجندل….وعندما جاء الإسلام أخرج اللغة العربية إلى العالمية لأن الدعوة المحمدية كانت للعالمين بدليل قوله تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”(سورة الأنبياء)
ولكن هل اللغة العربية هي أقدم لغات العالم؟
يعتقد البعض أن اللغة الآرامية أو العبرية هما أقدم لغات العالم ناسين الأحداث التاريخية والأدلة الدينية التي تدل على أن اللغة العربية هي أم اللغات وأصلها وأقدمها…
فعندما خلق الله سبحانه وتعالى آدم -عليه السلام- وأبقاه في الجنة فترة لا يعرفها إلا خالقه ليعلمه أسماء الأشياء كانت باللغة العربية أي أن العربية هي لغة آدم عندما نزل إلى الأرض بالإضافة إلى التحليل المنطقي لرحلة إبراهيم -عليه السلام – وبناء الكعبة المشرفة دليل قاطع على أن إبراهيم كان يتحدث اللغة العربية بدليل أنها كانت لغة الحوار مع ابنه إسماعيل -عليهما السلام- ذي اللسان العربي وصولًا إلى موسى (كليم الله) -عليه السلام- الذي كان يتقن اللغة المصرية وربما لغات أخرى على عادة أبناء الملوك كونه تربى في بيت فرعون إلا أن موسى تعلم العربية في دار شعيب عندما فرّ إلى مدين خوفًا من بطش فرعون لذا كلمه باللغة العربية ليبلغه بالرسالة وهو في طريقه إلى فرعون مصر لنشر الديانة اليهودية..
أما محمد صلى الله عليه وسلم النبي العربي الولادة والمنشأ المتقن للفصحى وللهجات معًا كانت رسالته عربية عالمية وقد كُلّف جبريل عليه السلام باستخدام اللغة العربية ونزل القرآن الكريم عربيًا..
قد يقول البعض بأنه من الطبيعي أن يكون القرآن عربيا لأنه نزل على نبي عربي وقبائل عربية وهذا صحيح ولكن ماذا عن ليلة الإسراء والمعراج التي أمّ فيها الرسول (ص) بالأنبياء وصلى بهم مستخدمًا لغته العربية التي لم يتقن غيرها يومًا إن لم تكن العربية لغة أهل الجنة؟!
كيف تطورت اللغة حتى تلائم جميع العصور؟
من المعروف أن اللغة العربية أكثر لغات العالم انتشارًا لأنها اللغة الدينية لكل المسلمين من غير العرب ولغة كل العرب من غير المسلمين وهي أكثر اللغات غنىً وغزارة ومرونة من حيث المادة اللغوية…
ورغم أن كل الأقوام تدّعي أن لغتها هي الأقدم لكن لغتنا العربية برهانها يبقى الأقوى والأشمل ومما لاشك فيه أن مع نزول القرآن ازدادت مكانتها فاهتم بها الأدباء والعلماء ودخلت أبجديتها إلى قارات العالم القديم وأثرت في أكثر من 100 لغة ووصلت أبجديتها إلى 40 لغة منها التركية والفارسية والقازانية والسواحلية لأنها لغة القرآن والتجارة العالمية…
كانت الأبجدية العربية دون نقاط ولا حركات وبعد اتساع الدولة الإسلامية ودخول غير العرب في الإسلام خاف الخليفة”علي بن أبي طالب” رضي الله عنه على القرآن من اللحن والتحريف فأمر بإيجاد حل لهذه المشكلة فقام أبو الأسود الدؤلي بوضع النقط على الحروف وأمر كاتبه قائلًا: إن رأيتني أفتح فمي في نطق الحرف فأنقط فوقه وإن ضممت فمي فأنقط بين يدي الحرف أمامه وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت، هكذا كانت بداية الحركات أيضًا فالنقطة فوق الحرف فتحة وأمامه ضمه وتحته كسرة ثم واصل الرسالة الخليل ابن أحمد الفراهيدي صاحب أول معجم في اللغة العربية (العين) واستبدل الفتحة بألف صغيرة فوق الحرف والكسرة رأس ياء صغيرة تحت الحرف والضمة واو صغيرة ثم جاء العالمان (الليثي والعدواني)بوضع النقاط وقسما الحروف بين منقوط ( ب-ت-ث) وغير منقوط (ر-د-و)
كما تتمتع اللغة العربية بظواهر صوتية فريدة كـ (اللام الشمسية والقمرية) وخصائص نفيسة تفتقدها اللغات الأخرى فالحروف العربية لها عدة مخارج (حلقية وشفوية) عدا عن الغني في الاشتقاق مثل(كتب- كتابة – مكتوب – مكتب – مكتبة) على خلاف اللغات الأخرى التي تغلب عليها الفردية أو الكلمة الواحدة وقد قارن علماء اللغة بينها وبين لغات أخرى من خلال الترجمة فوجدوا بأن كل كلمة في اللغة العربية تحتاج إلى الكثير من الكلمات في اللغات الأخرى لتغطي المعنى…
أما في البلاغة والإيجاز فللغتنا صولات وجولات فقد امتاز العرب بالفصاحة والبيان بدليل قول الرسول (ص):”أوتيت جوامع الكلم” وقال الجاحظ: “خير الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ومعناه عن ظاهره” وبيّن ما تحمله الكلمة من تأثير على المتلقي وهذا خير دليل على عمق اللغة وتأثيرها على الوجدان العربي بدليل قول رجل الحضارة سيدنا عمر -رضي الله عنه-:” تعلموا العربية فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة” موضحًا بذلك تأثير اللغة العربية في النفوس والعقول فهي تمثل روح الأمه وثقافتها..وقد أثر غنى اللغة العربية على طريقة تفكير العرب وفطنتهم وغناهم اللغوي فأفرزت أمتنا الكثير من الأدباء والشعراء التي ما تزال آثارهم باقية إلى يومنا هذا فنحن أمة المعلقات ودواوين الشعر الخاضعة لقواعد علم العروض الذي لا يوجد له رديف في لغات العالم مجتمعة ونحن أصحاب البيان والبديع وقد أورد “الثعالبي” موضحًا غنى اللغة العربية مفردات عدة لمسمى واحد كساعات الليل والنهار ولو خضنا في هذا المجال لانتهت أوراق الكون وجفت المحابر قبل أن تعطيها حقها..
ومما لاشك فيه أنها اللغة المصطفاة عند الله تعالى حيث جعلها وعاء للقرآن الكريم فحفظها وحفظته لذا اعتبر بعض العلماء والمفكرين أن تعلمها فرضًا واجبًا لفهم القرآن والسنة .
ويعد النبي الأمي -صلوات الله عليه- رسول البلاغة وهذا بحد ذاته معجزة تثبت نبوته وخير دليل على هذا الأحاديث المروية عنه التي إن قرأتها أبهرك علمه وأدهشتك بلاغته وسحرك بيانه وقد سئل يومًا: “ما الجمال في الرجل؟” فقال عليه السلام: فصاحة اللسان.
لذا يحق للغة العربية أن تفخر بقولها:
أهلًا وسهلًا أنا الإعجاب والعجب**أنا الفصيحة كم غنت بي العرب
أنا السليمة من عيب ومنقصة*********ومنطقي لكتاب الله ينتسب
وقد حافظ العلماء والأئمة والحكام وحاشيتهم على بقاء اللغة العربية وسلامتها بل وأبرزوا أهميتها وجمالها ونرى هذا جليًّا في قول الإمام الشافعي: “من تعلّم العربية رق طبعه” وقول عبد الملك بن مروان:” شيبني ارتقاء المنابر مخافة اللحن” وقد اعتبر أن اللفظ الخاطئ تشويه للغة فقال: ” اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه” واعتبر المأمون أن اللحن قبح وكافأ المصحح أيما مكافأة مدركين معنى عبارة ” إن أردت أن تغتال شعبًا فاجعله يخجل من لغته”(كتاب أمريكا وحرب الإبادة) ورغم صعوبة المحافظة عليها وانتشار اللهجات انتشارًا كاسحًا وغنى مفرداتها فاللفظ الواحد قد يحمل معانٍ مختلفة وهذا ما يسمى بـ (التورية) التي قد تشتت الكتّاب والناطقين باللغة العربية من غير المتخصصين بها وقد رفضت معظم الشعوب العربية فرض لغة غير العربية في المدارس والمكاتب الحكومية بالرغم من وقوع بلادنا تحت نير الاستعمار الأجنبي سنوات طويلة ..
لأجل كل هذا…
دعوني أقول بكل اللغات التي تعرفون ولا تعرفون أحب لغتنا
دعوني أفتش عن مفردات تكون بحجم لغتنا
دعونا نؤسس دولة عشق تكون لغتنا المليكة فيها ونكون نحن أعظم العاشقين
دعونا نقود انقلابًا يوطد سلطة لغتنا بين الشعوب لنغير بها وجه الحضارة فهي الحضارة وهي التراث الذي يتشكل في باطن الأرض منذ آلاف السنين
فإني أحبها وكيف تريدون أن أبرهن ما لا يبرهن وأن حضورها في الكون مثل حضور المياه والشجر وبستان النخل ولحن الوتر(نزار قباني بتصرف )
فـ “إن الذي ملأ اللغات محاسنًأ****جعل الجمال وسره في الضاد”.
المصدر: الوعي السوري
ستظل اللغة العربية أم اللغات مما تملكه من مميزات تنفرد بها عن باقي اللغات من عدد مفرداتها التي تسبق كل اللغات قراءة دقيقة ورؤية علمية مع التأريخ لدور اللغة العربية الفصحى قبل الرسالة المحمدية وبعدها .