نحو عشرين كيلومتراً قطعها ناشطون مدنيون سيراً على الأقدام، اليوم الجمعة، من مدينة شهبا إلى ساحة الكرامة في مدينة السويداء السورية، بمبادرة تحمل اسم “مسير لأجل الحرية”، والهدف الوصول إلى ساحة الكرامة التي شهدت إقبال آلاف المحتجين والمحتجات واستمرار مطالبتهم بإسقاط النظام السوري وخروج المحتلين وتطبيق القرار الأممي 2254.
وقالت هند العرموني، إحدى الشابات اللواتي شاركن في المسير، لـ”العربي الجديد”: “إن فكرة المسير جاءت بطرح من الطبيب وليد الطويل من أبناء مدينة شهبا إحياءً لتجربة سابقة عام 2012، وتأتي في سياق تشجيع المجتمع على المطالبة بحقوقه على مبدأ أنه من أراد المضي نحو الحرية فلن تعيقه المسافة، فالحرية قريبة جداً”.
وكالعادة، امتلأت ساحة الكرامة بآلاف المتظاهرين من أبناء المحافظة، وفق صورة مدنية ضمت فعاليات نقابية وشعبية دخلت الساحة بشكل منظم، مع ازدياد واضح للزخم الشعبي فيها، والذي بدأ يتجدد ويتنامى رغم الوضع الإقليمي والدولي.
وشهد مطلع الأسبوع الحالي في مدينة صلخد قيام أعضاء من فصيل كتائب البعث، مدعومين بأفراد من مليشيا ناصر السعدي التي تمارس الخطف والقتل وتجارة وتهريب المخدرات بدعم أمني علني من الأمن العسكري، بمحاولة الاعتداء على محتجين كانوا يقومون بإخلاء مقر شعبة الحزب في مدينة صلخد، وأطلق أحد عناصر المليشيا المسلحة النار في الهواء مهدداً المحتجين في حال عاودوا للاحتجاج في المدينة، أو دعوا لوقفة احتجاجية فيها، بالقتل، ليأتي الرد سريعا من حراك السويداء باحتشاد أكثر من ألف متظاهر يوم الثلاثاء الماضي في مدينة صلخد، في تحدٍّ واضح للمليشيا المسلحة التي لم تجرؤ على مواجهة الجموع السلمية.
وفي سياق منفصل، أطلق تجمع أبناء الجبل، منذ مطلع الأسبوع المنصرم، دوريات ليلية يومية، بهدف حماية أحياء المدن والبلدات والقرى من أي حوادث سرقة أو خطف أو أي حوادث جنائية أخرى قد تقوم بها المجموعات التي اندثرت نشاطاتها الجنائية مع انطلاق الانتفاضة الشعبية قبل أكثر من 4 أشهر.
وعلى الصعيد الأمني أيضاً، أعلنت حركة رجال الكرامة، خلال الأسبوع الأخير، القبض على شابين وتسليمهما للأمن الجنائي، مؤكدة أنهما من مروجي المخدرات ومن أصحاب الجنح والجنايات، ودعمت أقوالها باعترافات مصورة بثتها عبر حسابها الخاص على فيسبوك، ورصدها “العربي الجديد”.
وترى الناشطة الحقوقية سلام عباس أن الاجراءات الأمنية التي اتخذها هذان الفصيلان ضرورية رغم انتقاد العامة لها أحياناً، واشتغال بعض الصفحات الصفراء بالتشكيك بالفصيلين وإطلاق التهم جزافاً، مشيرة إلى أن مرد ذلك غياب دور الضابطة العدلية وتغاضي الفصيلين عما حصل سابقاً من جرائم وجنح، أو بالأحرى تقصيرهما عن عمد أو عن غير عمد في كشف ملابسات المخفي منها، أو معاقبة مرتكبي الجرائم.
فيما يرى الناشط المدني ساري الحمد أن “غياب الضابطة العدلية لا يبرر القبض على الناس من دون أدلة أو براهين أو في حالة عدم التلبس، ومن دون صفة رسمية للجهة التي تقوم بالمداهمات والقبض على أفراد، محذراً من مغبة الأمر وداعياً للتريث قبل أي خطوة من هذا القبيل”.
وأكد الحمد أنه ليس ضد تطبيق القانون وإلقاء القبض على المجرمين والجناة، ولكن ليس بالطرق البدائية كما وصفها، داعيا لاستحداث هيئة شرطية يتم التوافق عليها اجتماعيا بالتعاون مع قضاة وقانونيين لضمان العدل وانتفاء الظلم.
سلطات النظام السوري تتغاضى عن المخدرات في السويداء
وفي الوقت الذي تتغاضى فيه السلطات السورية عن تجار ومروجي المخدرات في السويداء، ويشغل ذلك الملف فصائل المحافظة، أحبطت قوات حرس الحدود الأردنية، خلال الأيام الثلاثة الماضية، ثلاث عمليات تهريب لدفعات كبيرة من المخدرات عبر حدودها الشمالية مع سورية، ضبط في آخرها نحو 120 ألف حبة كبتاغون و14 ألف حبة ترامادول و 1748 كف حشيش.
وتصاعد نشاط تهريب المخدرات في الآونة الأخيرة على الحدود مع الأردن، ووفقاً لأحد أبناء العشائر في السويداء الذي تحدث لـ “العربي الجديد”، فإن مجموعات التهريب يقودها أفراد من العشائر يأتمرون بأوامر من ضباط في جيش النظام وتجرى حمايتهم في البادية من قبل مليشيات إيرانية وعلى مشارف قرى الجبل، و تُأمّن طريقهم بحماية من مجموعات وفصائل تابعة للأمن العسكري في السويداء، كطريق قرى منطقة صلخد التي تؤمنها، بحسب المصدر، مجموعة السعدي.
بالمقابل، تتحدث معلومات نقلا عن مصدر أمني أن هناك تحركات بجهود من التحالف الدولي مع القوات المسلحة الأردنية للقيام بعمليات عسكرية مرتقبة في العمق السوري في حال لم يقم النظام السوري بضبط الحدود مع الأردن، مستنداً بذلك إلى تصريحات وزير الخارجية الأردني بأن “المملكة ستتخذ كل الخطوات اللازمة لمنع استمرار هذا التهديد لأمن الأردن الوطني، بما في ذلك ضرب وملاحقة المجرمين الذين يعتدون على أمن الأردن أينما وجدوا”.
أهالي السويداء يرسخون الحرية لدى أطفالهم
وسط هذا وذاك، يقول الناشط المدني هاني عزام لـ “العربي الجديد”: “الشعور العام السائد لدى معظم المواطنين في السويداء هو أن الحرية أصبحت على الأبواب ولا عودة للوراء مهما كلف ثمن الحفاظ عليها، وهذه المشاعر المكتسبة من ساحة الكرامة باتت فعلاً يومياً وممارسة في جميع نواحي الحياة الاجتماعية وفي شكل التعاملات مع المؤسسات والهيئات الإدارية”.
وفيما أصبحت الانتفاضة حديث الناس اليومي وزادهم، بدأ الجميع ينتظر مركزية يوم الجمعة ليتابع الجديد من تجمعات شعبية نظمت نفسها لتعبر عن قطاع أو شريحة من فعاليات المجتمع.
أما الجديد في انتفاضة اليوم الجمعة، فهو تجمعات الحرفيين والعمال، وهم الشريحة الأكبر في المجتمع السوري، واللافت بين الجموع توافد بعض من الأسر بجميع أفراد العائلة بمن فيهم الأطفال، في محاولة من الأهل لترسيخ الحرية لدى الأطفال بعدما استطاع النظام الحاكم تدجينهم عبر مؤسساته الحزبية.
المصدر: العربي الجديد