أعاد انتشار صور جثث المعتقلين التي سرّبها المصور السابق في جهاز الشرطة العسكرية للنظام، المنشق عن الأخير، والمعروف بـ”قيصر”، إحداث الصدمة من جديد، ولا سيما لدى أهالي المفقودين والمعتقلين، الذين كان الكثير منهم لسنوات مضت، منذ انتشار الصور للمرة الأولى عام 2014، لا يملكون الجرأة على تقليب الصور جميعها خشية رؤية أبنائهم أو أقربائهم بين الضحايا. إلا أنّ إعادة تداول الصور مع دخول قانون قيصر الأميركي حيز التنفيذ الفعلي في 17 يونيو/حزيران الحالي، حمل العديد من العائلات على البحث أكثر في هذه الصور، وفوجئ كثيرون برؤية مفقوديهم ومعتقليهم بين الضحايا.
وكانت وزارتا الخارجية والخزانة الأميركيتان قد أعلنتا، في السابع عشر من الشهر الحالي، عن الحزمة الأولى من العقوبات بحق شركات وأفراد وهيئات داخل النظام السوري أو من المساندين له، وذلك بعد 180 يوماً من إقرار “قانون قيصر” من قبل الإدارة الأميركية لمعاقبة النظام وحماية المدنيين السوريين، بناء على صور آلاف المعتقلين الذين قضوا في سجون النظام، والتي حملها معه “قيصر” بعد انشقاقه منتصف عام 2013.
ومع الانتشار الأخير للصور الذي بدأ قبل ثلاثة أيام، اختلط الأمر على بعض العائلات التي ظنّت أن هناك صوراً جديدة للمعتقلين قد سُربت أخيراً، إلا أنّ “الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي”، وهي من أوائل المنظمات التي تواصلت مع “قيصر” فور انشقاقه وحصلت على جزء كبير من صوره، حسمت الجدل، أول من أمس الأحد، بإعلانها أنّ الصور المنشورة على موقعها، وهي ذاتها التي انتشرت أخيراً، تعود “لمعتقلين قضوا تحت التعذيب حتى نهاية شهر أغسطس/آب عام 2013” وأنه لا يوجد لديها أي صور لمعتقلين منذ 2014 وحتى هذا اليوم.
والأحد أيضاً، أصدرت “رابطة عائلات قيصر”، وهي تجمّع يضم عددا من ذوي المعتقلين والمفقودين، توضيحاً حول الصور الأخيرة التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت فيه ما أوردته المنظمة. وجاء في التوضيح أنه “في عام 2013، وتحديداً في شهر أغسطس، انشق قيصر عن النظام السوري. وقد وثّق قبل انشقاقه 55 ألف صورة لـ11 ألف شخص داخل معتقلات النظام في دمشق وريفها، من بينها 26948 ألف صورة لـ6627 معتقلا سياسيا”.
وتابعت الرابطة أنه “في عام 2015 قامت الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي بنشر حوالي 6000 صورة من ملف قيصر الذي اصطحبه معه عند خروجه من سورية، وعاودت الجمعية في يناير/كانون الثاني من عام 2020 نشر صور أخرى، غير التي تم نشرها من قبل، لكن تاريخ وفاة كل من فيها كان قبل تاريخ انشقاق قيصر في 2013”. وعللت الرابطة التأخّر بنشر الصور الأخيرة بالقول: “تُعتبر الصور التي نُشرت بداية العام، صوراً قاسية جداً ومن الصعب على العائلات التعرف على ذويهم من خلالها، نظراً لعمليات التعذيب الوحشية التي تعرض لها كل معتقل قبل استشهاده”. ونوهت إلى أنه “قبل أيام عدة، عرض موقع (زمان الوصل) 2056 صورة بطريقة عشوائية، فاختلط الأمر على أهالي الضحايا وظنوا أنّ صوراً جديدة قد ظهرت، لذلك وجب التنويه إلى أنه لا يوجد أي تسريب جديد لأي صور جديدة، وهذه الصور كلها تعود لمعتقلين قضوا تحت التعذيب قبل أغسطس 2013”.
وكانت “الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي”، قد نشرت بالفعل دفعة جديدة من الصور في بداية العام الحالي لم تكن منشورة من قبل، من دون أن تعلل سبب التأخر في النشر في ذلك الوقت، علماً أنّ عدد الصور المنشورة على موقع الجمعية حتى هذا التاريخ، يبلغ 6860 صورة من أصل 55 ألف صورة حملها قيصر معه. وتصنّف الجمعية الصور، بحسب الأفرع والجهات الأمنية التي قضى فيها المعتقلون وهي: سرية المداهمة والتحقيق 215، أفرع المخابرات الجوية، فرع الدوريات 216، فرع المنطقة 227، فرع التحقيق العسكري 248، فرع سعسع 220، فرع فلسطين 235، الفرع الداخلي – أمن الدولة 251، فرع الشرطة العسكرية، مجهول الفرع، جهات متفرقة.
وبحسب كتاب “عملية قيصر ــ في قلب آلة الموت السورية” للصحافية الفرنسية غارنس لوكين، والذي يسرد شهادة المصوّر في جهاز الشرطة العسكرية للنظام السوري قيصر، فإنّ الـ55 ألف صورة التي تمكّن من جمعها الأخير لـ11 ألف جثة تعود لثلاث فئات؛ الأولى هم جنود النظام، والثانية للقتلى خارج السجون، والثالثة للمعتقلين القتلى داخل الأفرع والمعتقلات. وضحايا الفئة الأخيرة يبلغ عددهم 6627 ضحية قضوا في 24 مركز اعتقال ضمن العاصمة دمشق وريفها، وعدد صورهم 26948 صورة.
في السياق، أشار عضو “الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي” شادي جنيد، إلى أنّ “الصور التي عرضت من دون غيرها، هي التي تظهر فيها وجوه الضحايا، للسماح لذويهم بالتعرف عليهم”. وحول التأخر في نشر مجموعة من الصور إلى بداية العام الحالي، لفت جنيد، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّه “تبين لنا أن هناك 60 صورة لم تنشر، فأضيفت في يناير من هذا العام”، مؤكداً كذلك الأرقام التي أوردتها الصحافية الفرنسية في كتابها، مرجحاً أن يكون الجنود القتلى من قوات النظام الذين حمل “قيصر صورهم كذلك في ملفه، قد عمد النظام إلى تصفيتهم وإعدامهم لرفضهم الانصياع للأوامر”.
من جهته، أبدى مدير “الشبكة السورية لحقوق الانسان”، فضل عبد الغني، تحفّظه على طريقة نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، كونها تعد انتهاكاً لخصوصية أهالي المعتقلين. وقال، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “نشر الصور بطريقة فوضوية وعبر منصات غير مختصة، يسبب مأساة لأهالي المعتقلين الضحايا، فربما الكثير منهم لا يرغبون بنشر صور ذويهم على هذا النحو”. وتابع عبد الغني أنّ “الكثير من المعتقلين تغيّرت ملامحهم نتيجة بداية تحلل الجثث وتعرّضهم للتعذيب قبل الموت، وهذا ما يصعّب من عملية التعرف عليهم”، منوهاً إلى أنه “يجب أن تكون هناك آلية دقيقة ومدروسة للتعرف على الضحايا من قبل ذويهم، إذا كان الهدف توثيق الضحايا والوصول إلى الشهود من أهاليهم، وأن يتم في ذلك الوصول إلى أهالي المعتقلين الذين قضوا أو اعتقلوا خلال الفترة ما بين سبتمبر/أيلول 2011 وأغسطس 2013، وهي الفترة التي وثّق فيها قيصر صور الضحايا قبل انشقاقه من دون غيرهم بعد تلك الفترة”.
و”قيصر” أو “سيزر”، هو الاسم الحركي لعسكري ومصور في قسم الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية للنظام السوري، ومقره العاصمة دمشق. كانت مهمته قبل الثورة تقتصر على تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالجيش والمؤسسة العسكرية من جرائم قتل وغيرها، قبل أن تسند إليه مهمة الذهاب إلى المستشفيات العسكرية للنظام في العاصمة، وتصوير جثث القتلى من المعتقلين لدى الأخير، فتمكّن من توثيق هذه الصور وتخزينها، وجمع حوالي 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب، وذلك حتى منتصف عام 2013، وهو الموعد الذي قرر فيه الانشقاق عن المؤسسة العسكرية بالتعاون مع منظمات سورية ودولية، وبحوزته هذا الكم من الصور التي تشكّل أكبر دليل إدانة للنظام.
المصدر: العربي الجديد