مسلسل القمم العربية: قمة الرياض خدمت “إسرائيل”!

د.فادي شامية 

للوهلة الأولى؛ يصعب هضم خبر يقول إن  22 دولة عربية، تلتها 57 دولة إسلامية اجتمعوا في الرياض، وانصرفوا دون أن يتمكنوا من فتح معبر إنساني واحد من أجل غزة! كما يبدو هزلاً أكثر منه واقعاً أن دولا عربية وإسلامية؛ الصغيرة منها تعادل حجم “إسرائيل” والكبيرة لا تساوي “إسرائيل” وكل الصهاينة؛ حيا واحداً فيها؛ لم تتمكن من إجبار جيش الاحتلال الإسرائيلي على وقف العدوان، أو حتى على هدنة إنسانية ليوم واحد!

هل يعقل فعلاً أن وفودا تمثل ما مساحته ربع اليابسة (32 مليون كلم مربع)، تحوي ربع سكان الأرض (نحو مليار ونصف) وتضم جيوشاً جرارة بعشرات الملايين تقول في بيانها؛ ندين ونشجب وندعو.. وتعجز عن إنقاذ مستشفى محاصر – الأصل أنه لا يستهدف وفقا لما اتفق عليه العالم بأسره- ؛ يُقتل فيه الناس في غزة؟! الخبر عصي على التصديق؛ لكنه حقيقة، وقد حدثت في الرياض في الحادي عشر من الجاري، بكل أسف

ما تفسير هذه “الظاهرة” السياسية إذن؟

لا بد أن الذين اجتمعوا في الرياض لم يجتمعوا من أجل حماية الغزيين، ولكن من أجل حماية أنفسهم؛ من غضب الشعوب، ومن مزايدة نظام على آخر، و لئلا يقول قائل في هذا العالم – عن حق- ماذا فعلتم لبني جلدتم، وأبناء دينكم؟ وإلا فإن اجتماع ممثلين عن دول بهذا الاتساع والقدرة، بمن فيهم دول الجوار (لا سيما مصر والأردن) ودول يقوم خطابها الرسمي على مناصرة فلسطين (إيران وبدرجة أقل تركيا..) قد أعطى – عن حق- مؤشراً عكسياً لصالح “إسرائيل” أنها أقوى من كل هؤلاء، وأنهم أعجز من تهديدها أو إخافتها أو حتى عن قطع علاقات المطبعين منهم معها.. وتالياً فإن تلاوة هكذا بيان – دون أن يحصل أي شيء- يعني أن الغزيين قد تُركوا لمصيرهم.

عند التعمق أكثر؛ نكتشف أن ما كان يعلنه كثير من المجتمعين في القمة -وقبلها وبعدها-؛ ليس إلا كذباً، ذلك أن موقف عدد كبير من الدول المؤثرة، بمن في ذلك المملكة صاحبة الدعوة للاجتماع؛ يقضي بضرورة التخلص من عماد المقاومة الفلسطينية راهناً أي “حماس”. وللأسف هذا هو موقف دول ما كان يسمى بالطوق؛ إما ربطا بالجذور الفكرية لحماس أي “الأخوان المسلمين”، أو انزعاجاً وإحراجا من سياستها التي تعيق التطبيع أو حل الدولتين، أو ربطاً بإيران بزعم أنها تدعمها، فضلاً عن أنه موقف السلطة الفلسطينية نفسها، ربطا بذلك كله وزائداً عليه المنافسة السياسية الرخيصة.

وبما أن الحال كذلك؛ وبما أن لكل من الذين اجتمعوا؛ حساباته تجاه من يجلس على الكرسي بجانبه – وهي متقدمة أحيانا عن “واجب” مناصرة الشعب الفلسطيني-، وبما أنهم لم يكونوا مجتمعين على هدف واحد، وخط واحد، أو حتى على تقاطع سياسي صادق؛ يصبح ممكناً قراءة البيان الإنشائي الذي لا يساوي قطرة دم طفل بريء في غزة.

وإذا كانت هذه الاجتماعات فعل سياسي، ويمكن أن يستمر، بغض النظر عن النتائج التي تصدر عنه، إلا أن وجود هيكل تنظيمي اسمه الجامعة العربية، لم يعد له جدوى، إلا خداع الشعوب العربية نفسها.. ومن الخطأ أن يستمر، لأنه يضر أكثر مما يفيد في السياسة، وفي القضايا الاستراتيجية.. بل إنه مسيء في الصورة القيمية للعرب، لأنه يعبر عن تشرذمهم أكثر من اجتماعهم، وعن ضعفهم أكثر من قوتهم، وعن تناقضهم أكثر من صدقهم.. ولم يكن يحتاج الرأي العام العربي؛ نتنياهو ولا غيره من الصهاينة، ليفضح ما يقوله لهم كثير من الزعماء العرب، خلافا لما يقولونه بالعلن؛ ليعلموا الحقيقة.

الجامعة المسيئة!

هؤلاء لا يرجى منهم نصرةً، وقد حضر بينهم من استلهم الصهاينة من والده؛ قواعد حربهم على غزة، والولد أشد إجراما من أبيه، وقد قتل من شعبه أضعاف ما قتل الصهاينة في غزة وكل حروبهم مع العرب، بل إنه قتل من الفلسطينيين وشرد واعتقل ما لا يعد، ولا أشبه من الدمار في غزة إلا دمار مخيم اليرموك في سوريا، فضلاً عن عداوته لحماس – رغم المصالحة-، وهو لم يسامحها على “الغدر”، بدليل أن لا حركة عسكرية لها في سوريا، وأن إعلامه الرسمي لا يكاد يذكرها بالاسم مطلقاً في معرض ذكره الحرب على غزة.

إن الذين يمثلون العرب؛ لا يمكنهم أن يدينوا أفعالاً؛ كثيرٌ منهم يرتكب مثلها، أو أهم مستعدون لارتكاب أفظع منها إن شعروا بالتهديد. فاقد الشيء لا يعطيه.. ولأجل هذا فقد أساؤوا إلى صورة العرب، وجرحوا شعور أولئك الذين جربوا حقيقتهم وخبٍروا دمهم.

لن “يقبضنا” – نحن العرب- أحد في هذا العالم إذا حضر في قمة -باسمنا- من يتحدث عن الهمجية، وهو صِنوُها، الموثقة جرائمه بعشرات آلاف الصور والمقاطع المصورة.. لأجل هذا باتت الجامعة العربية؛ بعجزها المادي والقيمي عبئاً على العرب..

فلتبقَ أطر التنسيق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية… ولتلغَ القمم التي تسيء  إلى العرب باسم العرب.. وفي خلاصة الأمر؛ من يريد أن ينتصر للشعب الفلسطيني من الدول العربية يمكنه ذلك.. الأمر أبسط من أن يحتاج إلى قمة؛ موقف واحد يكفي.. قرار واحد يغير في المعادلة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل استطاعت قمة لزعماء 22 نظام عربي وتلاه قمة لزعماء 57 نظام إسلامي اجتمعوا في الرياض وانصرفوا أن يتمكنوا من فتح معبر إنساني واحد من أجل غزة ؟ او وقف النار ولو بعد حين ؟ هزلت هذه القمم ، لتبقَ أطر التنسيق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و.. بين هذه الأنظمة ولتلغَ القمم التي تسيء إلى العرب باسم العرب والمسلمين باسمهم .

زر الذهاب إلى الأعلى