الأسد وأوهام وحدة الساحات

أحمد مظهر سعدو

لطالما كان نظام الأسد إعلاميًا يعتبر أن فلسطين وقضيتها، ومسألة قطاع غزة منها بالضرورة، هي قضية نظامه السياسي، ومن ثم فإن أي عدوان على الفلسطينيين سيعتبر  (كما يقول) حربًا عليه وعلى نظامه، ومنذ توقيع اتفاق (فض الاشتباك) الذي جرى بين حافظ الأسد والإسرائيليين، بعد حرب 6 تشرين أول/ أكتوبر 1973، الذي جرى في عام 1974 التزم عبره بأمن وأمان حدود إسرائيل المفترضة في الجولان، ومارس سياسة الحفاظ على هدوئه وثباته عند خط وقف إطلاق النار، ولم يسمح أبدًا لأي تنظيم فلسطيني أو سواه بافتعال أي عملية عسكرية مهما كانت شكلية ضد الكيان الصهيوني وحدوده بعد حرب الـ 67 الذي ما زال يحتل هضبة الجولان السورية منذ عام 1967 يوم كان حافظ الأسد وزيرًا للدفاع في سوريا.

هذا النظام ومع وصول بشار الأسد للحكم بعد وفاة أبيه، التزم هو الآخر بما التزم به والده، حفاظًا عل كيان وسلطة آل  الأسد ودولتهم الأمنية الكابحة لأي حالة فوران شعبي من أجل تحرير الجولان أو فلسطين، وكان همه الأساس كم الأفواه والسطوة على مفاصل الدولة والمجتمع السوريين، وقمع أي محاولة جدية للانتفاض عليه، وهو ما فعله خلال ثورة السوريين، منذ أواسط شهر آذار/ مارس 2011 وحتى الآن، وهو ما برح يصمت صمتًا عجيبًا، ويتلقى الضربات إثر الضربات من قبل الطائرات الإسرائيلية منذ أكثر من خمس سنوات خلت، على مواقعه ومواقع ما يسمى (الحرس الثوري الإيراني) وكل الميليشيات الطائفية التابعة للإيرانيين، والمتمركزة في جل الجغرافيا السورية ويقف عند كذبة وادعاء حق الرد، حتى باتت حالة الرد هذه لدى السوريين مرتبطة تمامًا بالقصف المتوقع على محافظة إدلب والشمال السوري، الذي يواكب كل حالات القصف التي تقوم بها طائرات إسرائيل وصواريخها، وكان آخرها عندما قصفت آلة الحرب الإسرائيلية لمرتين متتاليتين مطاري حلب ودمشق، دون أي رد على العدوان الإسرائيلي، بل كان الرد مباشرة على أطفال محافظة إدلب في كل من أريحا وقرى جبل الزاوية ومدينة جسر الشغور.

لقد أطنب نظام الممانعة والمقاومة في حديثه عن فكرة وحدة الساحات واندماج المعركة ضد إسرائيل لكنه ومعه كل أنظمة الممانعة في طهران وجنوب لبنان /حزب الله لم يتحرك قيد أنملة، مع كل حالة الدمار والقتل الممارس على أهل وشعب غزة الفلسطيني حيث باتت المقتلة الإسرائيلية على غزة تفقأ العين، وتحرك أي صاحب ضمير أو إنسانية، قبل أن تكون توافقات أو تفاهمات في الساحات أو وحدتها، من أجل وقف هذه الإبادة أو التصدي لآلة القتل الإسرائيلية والأميركية، ومع ذلك لم يتحرك نظام بشار الأسد، ولا يبدو أنه سوف يتحرك للأسباب التالية:

– النظام السوري يعتقد دائمًا أن الجيش الذي بناه وأقامه، ومن قبله والده، لم يكن من أجل تحرير فلسطين، ولا من أجل استعادة الجولان المحتل والمفرط به من قِبلِ أبيه، بل إن الجيش كان وما يزال من أجل مواجهة الشعب السوري المنتفض ضده، لأن استقرار السلطة والحكم لديه كان بالنسبة له وسوف يبقى هو الأهم والأبقى من كل شعارات تحرير فلسطين أو مرتفعات الجولان.

– إن فتح أي معركة عسكرية مع إسرائيل ومن ثم الولايات المتحدة الأميركية والغرب عامة، ستنسف وإلى الأبد “ستاتيك” التفاهم الطبيعي بينهم، وهو الحفاظ على أمن إسرائيل، مقابل الحفاظ على بقاء أسرة آل الأسد في السلطة، وهو ما كان قد تم التأكيد عليه وإعادة صياغته من جديد، بعد رحيل حافظ الأسد، عندما جاءت وزيرة الخارجية الأميركية حينذاك (مادلين أولبرايت) حيث اجتمعت ببشار الأسد وباركت وجوده في السلطة والحكم كوريث لأبيه، ليتابع الدور الوظيفي المناط به، ومن يومها خرج من قال بوضوح (الفطر ينبت في الظلام) وقد نبت فعلًا لا قولًا.

– علاوة على أن الاستراتيجية العسكرية للسلطة الحاكمة في دمشق، التي كانت تسمى (التوازن الاستراتيجي) وهو المعلن، لكنه المفسر واقعيا ببقاء الجولان جبهة صامتة لا تتحرك ولا تفتح، مقابل التمسك الإسرائيلي بنظام بشار الأسد.

-كما أن رغبة (نتنياهو) من الرئيس الأميركي (أوباما) الحفاظ على سلطة بشار الأسد ومنع انهياره، حيث كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط والانهيار، وهذا الطلب الإسرائيلي كان وما يزال مطلبا أساسيا ومهما للإسرائيليين، من منطلق أن إسرائيل لم تجد ولن تجد بديلًا عنه، يمكن الاستناد إلى سياساته بالحفاظ على أمن ووجود إسرائيل.

– ولعل قرار السلم والحرب والتفريط بترسانة أسلحة بشار الأسد، ومعها بالضرورة أسلحة حزب الله/ الأداة الإيرانية، ليست من اختصاص رأس النظام السوري، بل كانت ومنذ أكثر من 12 عامًا اختصاصًا إيرانيًا بحتًا، من منطلق أنها من يقود حلف الممانعة والمقاومة، وهي من تعرف مدى التوقيت المناسب للحرب، وإلى أين يمكن أن تذهب، وهي أي إيران لا تود ولا تريد ذهاب الحرب المحتملة برأس حربة المشروع الإيراني، الذي سبق أن بذلت الجهود والأموال وتعبت كثيرًا على إقامته، ومد جسوره البعيدة إلى كل من بيروت ودمشق وبغداد طوال حكم دولة الملالي في طهران وإلى اليوم، إذ لا يمكن أن تسمح لقرارات طائشة من أي كان أن تنهي المصالح الإيرانية للمشروع ذاته.

وبالطبع تدرك الولايات المتحدة الأميركية ومعها إسرائيل ألا حرب محتملة مع نظام بشار الأسد وهي تطمئن تمام الاطمئنان إلى (عقلانيته) في السياسة الإقليمية كما تشير دائمًا، كذلك فإن بشار الأسد وبحسب كل الآراء الموضوعية، لن يدخل الحرب مع إسرائيل وهو لا يريدها ولن يورط سلطته بحرب قد تودي به وبحكمه فيما لو أخطا وفعلها.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى