رغم كل المحاولات التي بذلناها من أجل الحصول على تعليق من جانب المسؤولين في حركة حماس أو حتى أي كاتب أو إعلامي مقرب من الحركة، إلا أن الجميع اعتذر.
بل حتى الفاعلون الفلسطينيون المستقلون من باحثين وناشطين وأكاديميين، ممن يدعمون عملية طوفان الاقصى، فضلوا عدم الإجابة عن سؤال طرحناه عليهم كموضوع رئيسي لهذه المادة، وهو: لماذا ترفض قيادة حماس توجيه أي نقد لمحور المقاومة، بل وتواصل الثناء عليه رغم كل الخذلان الذي تعرضت له من هذا المحور، وآخرها خطاب الأمين العام لميليشيا حزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة؟!
كانت خيبة الأمل واضحة على الجميع، ومعظم الردود التي حصلنا عليها أكدت على ذلك، لكن كل من تواصلنا معهم بهذا الخصوص من الباحثين والكتاب، أكدوا أنه لا يمكن التعليق حالياً بسبب حساسية الموقف.
قبل الخطاب
والواقع أنه ومنذ اليوم الأول للمعركة التي انطلقت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، توحد غالبية الفاعلين الفلسطينيين من مختلف التوجهات على خطاب إعلامي واحد تقريباً، وهو ما بدا أنه يصب في خانة المواجهة الشاملة مع إسرائيل التي أطلقت بدورها حملة إعلامية ضخمة لشيطنة حركة حماس والفصائل الأخرى، مستفيدة من بعض التجاوزات التي حصلت عند اقتحام مستوطنات غلاف غزة، من أجل تبرير عملياتها الانتقامية الدامية التي أسفرت عن مقتل نحو عشرة آلاف مدني فلسطيني حتى الآن.
ورغم أن قسماً كبيراً من الناشطين الفلسطينيين-السوريين المعارضين لنظام ميليشيا أسد، والرافضين لتحالف الفصائل الفلسطينية مع ما يسمى بمحور المقاومة، استمروا طيلة الأسابيع الماضية في التأكيد على هذا الموقف الأخلاقي، ورفضهم أن يستغل المحور أي مشاركة له في المعركة الحالية لغسل يديه من دماء السوريين وأشقائهم في البلدان الأخرى التي دمرتها وتحتلها إيران عبر أذرعها وميليشياتها، إلا أنهم ركزوا منذ بدء طوفان الأقصى على ضرورة تفهم الواقع الجيو-سياسي والإستراتيجي الصعب لفصائل المقاومة، والمنعطف المصيري الذي تمر به القضية الفلسطينية اليوم من أجل مهادنة هذا المحور على أمل أن يقدم أي مشاركة مفيدة وناجعة في المعركة المشتعلة.
هذا القسم من الفلسطينيين لم يكن متسامحاً وحسب مع الانتقادات والهجوم الذي استمر خصوم محور المقاومة في شنه على إيران وأذرعها بالمنطقة، بل وكان مؤيداً لها كما ظهر من خلال تفاعله على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المساحات الحوارية التي نُظمت بهذا الخصوص، على عكس قسم آخر من الفلسطينيين الذين كان موقفهم سلبياً من هذا المحور، إلا أنهم أمسكوا عن انتقاده منذ تفجر المواجهات الحالية، بينما واصل مؤيدوه الهجوم على كل من يشكك بالمحور وقادته وصولاً إلى تخوينهم أحياناً.
بل إن العديد من قادة حركة حماس واصلوا، قبل خطاب نصر الله، توجيه الشكر والثناء على محور إيران رغم المشاركة الهزيلة والشكلية لبعض أضلعه.
ورغم العتب الذي أبداه بعض مسؤولي الحركة على هذا المحور بسبب هذا التفاعل المخيب، إلا أن قادة آخرين تعاملوا بشكل يتسق والخط العام للمحور، وأبرزهم اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي وجه الشكر الصريح في خطاب متلفز ألقاه يوم الأربعاء لـ”المقاومة في سوريا ولبنان والعراق واليمن”!!
بعد الخطاب
“تقاسم للأدوار بين القادة” هذا ما فسر به أحد الأكاديميين الفلسطينيين “التناقض” الجزئي بين عتب قسم من القادة، وشكر القسم الآخر الموجه لمحور إيران “بهدف استمرار الضغط عليه وعدم خسارته في الوقت نفسه، إذ ليس لدى الحركة أي خيار آخر غيره”.
ويضيف طالباً عدم ذكر اسمه: بغض النظر عن موضوعية الأسباب التي أوصلت حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى إلى هذا الموقف الصعب، إلا أن التعامل بهذه الطريقة مع قوى المحور كان متفهماً، بل ولا يوجد أفضل منه لدى الحركة بضوء الظروف الحالية”.
لكن بعد الخطاب -يتابع الأكاديمي الفلسطيني- بدأ الحديث داخل غرف التنسيق السياسي والإعلامي الفلسطيني عن خيبة الأمل، وفهم الجميع أن محور المقاومة لن يقوم بأكثر مما قام به حتى الآن، من أعمال لا تُسهم بالتخفيف عن غزة وفصائلها بشيء، مع المطالبة بإعادة تقييم الموقف من المحور على هذا الأساس.
ويكشف في حديث مع “أورينت نت” عن أن هذا الجدل انتقل إلى قيادة حركة حماس نفسها التي وردتها تقارير عن حالة من السخط تجتاح قواعدها، وكذلك غضب شعبي واسع بين سكان القطاع والفلسطينيين بشكل عام بعد خطاب نصر الله
وحسب المصدر، فإن القيادة التي كانت قد أخذت علماً مسبقاً بمضمون كلام نصر الله، كانت مطلعة على المفاوضات التي تجري بين إيران والولايات المتحدة بوساطة قطرية-فرنسية من أجل احتواء التصعيد وفرض هدنة في غزة، تمهيداً لمفاوضات حول مصير القطاع وإدارته، وأن طهران تنسّق المواقف بهذا الخصوص مع تركيا وقطر، وأبلغتهم أنها متمسكة ببقاء حكومة حماس حتى إجراء انتخابات فلسطينية عامة، تشمل غزة والضفة الغربية، وإلا فإن محور إيران سوف يدخل المواجهة.
تبادل أدوار ولكن..
يتفق محمد سالم مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد للبحوث مع فكرة تبادل الأدوار التي أشار إليها الأكاديمي الفلسطيني في الحديث أعلاه، بما يخص التصريحات الصادرة عن قيادة حركة حماس تجاه المحور الإيراني، لكنه يستبعد احتمال دخول هذا المحور بشكل أوسع في النهاية، ما سيزيد من حراجة موقف فصائل المقاومة في غزة إذا ما استمرت الحرب بهذا المستوى من الضغط.
ويقول في حديث مع “أورينت نت”: “سبق أن انتقد خالد مشعل مستوى المشاركة من قبل ما يدعى محور المقاومة، ما أدى لهجوم عليه من قبل بعض الإعلاميين المرتبطين بإيران، بينما حافظ بقية القادة على التصريحات الإيجابية تجاه إيران والقوى المرتبطة بها في المنطقة”.
ويضيف: “من الواضح أن حماس تتصرف بضوء هذا الواقع على أساس تحمل المسؤولية بشكل كامل، مع الرغبة في عدم خسارة محور إيران من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من الدعم الفني والتقني الذي يوفره لها، رغم أنه لا يمكن تصور أن هناك رضا عن هذا الدعم، الذي لا يمكن لطهران أن تقطعه بالنهاية، لأن حماس تقدم لها بالمقابل الشرعية الشعبية، وهو أمر مهم جداً للنظام الإيراني، على أمل أن تتطور الأمور بمرور الوقت وتتغير المعطيات رغم أن كل المؤشرات تؤكد استبعاد توسع المعركة”.
موقف حرج
أمر يؤكد عليه الباحث السوري بسام أبو عدنان، الذي يستبعد مثل الكثيرين انخراطاً فعلياً لإيران أو حزب الله أو أي من قواه الوازنة في المعركة لأنها “تدرك في ظل الجدية الأمريكية أن أي تحرك لأذرعها سيؤدي إلى قطعه، وهي تتصرف الآن على أنها في وارد أن تخسر حماس، لكن لو تحرك حزب الله فيمكن أن تخسره أيضاً وهو ما لا تريده”.
ويضيف: “لهذا تعتمد إيران سياسة الاشتباك المضبوط التي تهدف إلى ردع الولايات المتحدة الأمريكية عن استهداف أذرعها الأخرى، من خلال التأكيد بأنها قادرة على إشعال المنطقة عند ذلك، مع الاستمرار في تحقيق مكاسب معنوية وتوسيع مناطق نفوذها، ويبدو أن عينها على الأردن”.
إذاً وطالما أن الأمر على هذا النحو، فلماذا لا تزال حركة حماس تحافظ على عدم توجيه أي نقد لمحور إيران؟
سؤال يجيب عنه أبو عدنان بالقول: “الحمساويون لا زالوا يأملون انخراط طهران عبر أذرعها في الحرب، خاصة أن هناك مناوشات تجري في جنوب لبنان، ويتمنون أن تتوسع”.
أضف إلى ذلك العامل النفسي، وهو أن وجود حماس لأكثر من 15 سنة ضمن أدبيات وأفكار هذا المحور الذي يدعمها بالمال والخبرات والإعلام، ترك لدى أغلب قياداتها وعناصرها انطباعاً راسخاً بأن إيران فعلاً تقود محور مقاومة حقيقياً.
أما السبب الثالث والأخير، فهو إحكام إيران الطوق بشكل كامل حول عنق حركة حماس، بعد أن انحصرت علاقات الحركة كلها بطهران، وبالتالي أصبحت أمام الواقع التالي: إما أن تبيدهم إسرائيل وحلفاؤها وهذا خيار قاسٍ، أو أن يستمروا بالتعويل على نفوذ نظام الملالي وثقله الإقليمي والدولي من أجل النجاة.
لكن أبو عدنان يعتقد أن طهران ستتفق مع الغرب على ترحيل قادة ومقاتلي حركة حماس من غزة، وغالباً ستكون الوجهة إلى اليمن بضيافة حركة الحوثي، الخيار الوحيد الذي سيكون متاحاً في حال تم التوافق على صفقة من هذا النوع، وعندها سيخرجون مع حركة الجهاد الإسلامي وبقية فصائل الجهاد، وسيكونون ناقمين على السعودية، وأعتقد أنه يتم تأليبهم منذ الآن ضد دول الخليج على أمل استخدامهم في المواجهة مع هذه الدول من هناك.
سيناريو سوداوي لن يكون هناك مخرج منه سوى أن تتمكن حماس وبقية فصائل المقاومة من إفشال مخطط الاجتياح البري لقطاع غزة، وإظهار قوة حقيقية تؤكد من خلاله أنها ما تزال ورقة رابحة وحصاناً يغري بالرهان عليه، وعندها ربما تتحرك دول أخرى تشعر بالخطر من العبث بمنطقة الشرق الأوسط، إن لم يكن من أجل احتضان الحركة، فعلى الأقل لمنع القضاء عليها وتغيير موازيين القوى والواقع السياسي في الإقليم، وهنا قد لا يكون مستبعداً أن تفعل ذلك تركيا، وربما مصر أيضاً، خاصة أن هاتين الدولتين تجدان نفسهما، مع الأردن، مستهدفتان بشكل مباشر من مخطط واسع قد يغيّر وجه المنطقة.
المصدر: أورينت نت
هل خيبة الأمل من موقف محور المقاومة بأنه لن يقوم بأكثر مما قام به حتى الآن، من أعمال لا تُسهم بالتخفيف عن غزة وفصائلها بشيء، يتطلب إعادة تقييم الموقف بين أعضاء محور المقاولة والمماتعة على هذا الأساس ، هل ستتمكن فصائل المقاومة الفلسطينية من إفشال مخطط الاجتياح البري للقطاع وإظهار قوة حقيقية تؤكد من خلاله أنها ما تزال ورقة رابحة وحصاناً يغري بالرهان عليه ؟.