روسيا العائدة إلى “أصدقائها القدامى” عبر سورية.. ماذا ستجني من حرب غزة؟

سامر القطريب

لم تعد حرب أوكرانيا تطغى على الأخبار في وسائل الإعلام الدولية كما كانت قبل عملية “طوفان الأقصى”، فبؤرة الصراع التي تم تجديدها في الشرق الأوسط حازت على الاهتمام العالمي والعربي، حتى روسيا أصبحت تصريحاتها اليومية تتحدث عن غزة وإسرائيل وحل الدولتين ووقف إطلاق النار الذي رفضه مجلس الأمن مؤخرا، أما سوريا “المعبر الروسي إلى المنطقة” فهي اليوم ليست حتى أولوية إعلامية.

هل تنجح روسيا في “النهج المتوازن”؟

عقب العدوان على غزة، ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف باللائمة على ما يعتبرانه “السياسات الأميركية المعيبة” في الشرق الأوسط.

كما دعا الثنائي أيضا إلى اتباع نهج “متوازن” لحل النزاع، وشجبا وقوع خسائر في صفوف المدنيين على كلا الجانبين، ودعوا إلى وقف إطلاق النار وتقديم المساعدة الإنسانية، واقترحت موسكو إحياء الجهود الدبلوماسية عبر اللجنة الرباعية (روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوروبا والأمم المتحدة) لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عبر حل الدولتين.

ومع تصاعد الغضب الشعبي والحراك المناهض للمجازر الإسرائيلية في العالم، رفضت روسيا دعوة إسرائيل مواطنيها لمغادرة منطقة شمال القوقاز الروسية بعد احتجاج عنيف ضد إسرائيل في داغستان الأسبوع الماضي، وقالت إنه أمر “مناهض لروسيا”. وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن علاقات روسيا مع إسرائيل “صلبة”.

ويوم الأحد الماضي، جرى اعتقال العشرات، بعدما اقتحم مئات المتظاهرين مطار محج قلعة في داغستان، بحثا عن ركاب يهود على متن طائرة قادمة من تل أبيب.

ويشير ذلك إلى أن روسيا لا تستطيع أن تكون على خط المواجهة في التوتر القائم بين (اليهود والمسيحيين والمسلمين)، عقب العدوان على غزة، لأنها جزء من هذه التركيبة.

انتقاد إسرائيل

من ناحية أخرى، أصدر العديد من السياسيين والمعلقين الروس البارزين تصريحات انتقدوا فيها إسرائيل بشدة، وألقوا باللوم عليها في العنف وانتقدوا الغرب بسبب “معاييره المزدوجة” في انتقاد العمل العسكري الروسي ضد أوكرانيا بينما يدعم الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

وزعم بعض المعلقين أن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا “معتدلة” مقارنة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

روسيا و”الحياد الإيجابي”

قبل أن يبرّد خطاب حسن نصر الله الجبهة الشمالية، نفت روسيا دعم حزب الله بصواريخ مضادة للطائرات عن طريق ميليشيا فاغنر الروسية، لتهدئة إسرائيل الغاضبة من استقبال وفد  حماس في موسكو في 26 من الشهر الماضي، ما يشير إلى أن إسرائيل قد لا تجد في روسيا وسيطاً ذا مصداقية.

تشارلز ليستر، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، قال لوول ستريت جورنال، إن الجيش الروسي، وخاصة قوات العمليات الخاصة التابعة له، طور “علاقة عملياتية وثيقة للغاية مع حزب الله على مدى السنوات الماضية في سوريا.. ليس سرا أن هذه العلاقة مستمرة.”

وعلى الساحة الدبلوماسية، استخدمت روسيا والصين في الأسبوع الماضي حق النقض (الفيتو) ضد قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف تسليح حماس، ووقف القتال لتسهيل توصيل المساعدات وحماية المدنيين. واشتكى سفير روسيا لدى الأمم المتحدة من أن هذا الإجراء لن يمنع الهجوم البري الإسرائيلي على غزة.

وقال مسؤول أوروبي لوول ستريت جورنال: إن الروس “هم أكبر المستفيدين  من السيناريو الحالي”، مضيفاً أن تصرفات موسكو الغريبة في الأمم المتحدة “تعكر صفو المياه”.

“لقد عملت الأزمة في الشرق الأوسط لصالح روسيا من خلال منح موسكو فرصة لتعزيز العلاقات مع الدول المنتقدة لإسرائيل”، يقول المسؤول الأوروبي.

يذكّر دعم فاغنر لحزب الله الذي كشفته الاستخبارات الأميركية، بصراع “ناغورني قره باغ” بين أرمينيا وأذربيجان، فرغم أن أرمينيا عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، ولدى موسكو التزامات بموجب المعاهدة تجاه أرمينيا، إلا أن مبيعات الأسلحة الروسية إلى أذربيجان هي التي ساعدت باكو بنجاح في السيطرة على الأراضي في حرب عام 2020، كما أن روسيا هي التي تفاوضت على العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار على مدار الصراع المستمر منذ عقود، ليأتي أخيرا استعادة أذربيجان للإقليم الذي كانت تسيطر عليه أرمينيا، بعد أن شنَّت باكو عملية عسكرية خاطفة على الإقليم يوم 19 من أيلول الماضي. وهنا اتخذت موسكو موقفا متحيزا لجانب “باكو”.

تدرك إسرائيل أن روسيا لها نفوذ في سوريا ولبنان وإيران وهي تعرف كيف تضغط على طهران، لذلك ترى أن أمنها القومي يمكن تهديده إذا أصبحت موسكو عدواً.

وبالعودة إلى التاريخ، كان الاتحاد السوفييتي، أول دولة تعترف بدولة إسرائيل ــ وهو القرار الذي استرشد بأسباب جيوسياسية: اعترف رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين بالدولة اليهودية على أمل أن تصبح حليفاً للاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط، وأول “دولة اشتراكية”في المنطقة.

تشتيت المجهود.. الأموال الأميركية تدعم “حربين”

أعلنت الخارجية الأميركية الجمعة، في بيان عن تقديم حزمة جديدة من الأسلحة والمعدات لأوكرانيا. وتوفر هذه الحزمة 125 مليون دولار من الأسلحة والمعدات المدرجة في إطار عمليات سحب تم التوجيه بإجرائها مسبقا لصالح أوكرانيا، وتترافق مع إعلان وزارة الدفاع عن مبادرة المساعدات الأمنية لأوكرانيا لتعزيز الدفاعات الأوكرانية الجوية.

تسعى روسيا إلى تخفيف الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا، وإلهائها قليلا عما يجري هناك، وهي تقرأ ما يدور في مجلس الشيوخ الأميركي، إذ قال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الخميس، إن المجلس لن يتبنى حزمة المساعدات لإسرائيل التي طرحها الجمهوريون في مجلس النواب.

وأضاف أن المجلس سيعمل بدلا من ذلك على حزمة مساعدات طارئة خاصة به تحظى بموافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتشمل مساعدات لإسرائيل وغزة وأوكرانيا.

ووصف اقتراح الجمهوريين، الذي يوفر التمويل لإسرائيل ولكنه يتضمن أيضا تخفيضات حادة في تمويل هيئة الضرائب، بأنه “معيب للغاية”.

ويعتزم مجلس النواب الأميركي التصويت على خطة قدمها الجمهوريون لتقديم مساعدات بقيمة 14.3 مليار دولار لإسرائيل عن طريق خفض التمويل المخصص لدائرة الإيرادات الداخلية، مما يثير صداما مع مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون والبيت الأبيض.

واعترض الديمقراطيون على خفض الأموال المخصصة لدائرة الإيرادات الداخلية، قائلين إن ذلك يزيد عجز الميزانية من خلال تقليص تحصيل الضرائب. ووافق الكونغرس على تقديم 113 مليار دولار لأوكرانيا منذ بدء الغزو.

وقال مكتب الميزانية في الكونغرس الأربعاء الماضي، إن خفض التمويل المخصص لدائرة الإيرادات الداخلية والمساعدات الإسرائيلية في مشروع القانون المستقل سيضيف ما يقرب من 30 مليار دولار إلى عجز الميزانية الأميركية الذي يقدر حاليا بقيمة 1.7 تريليون دولار.

هل سيسقط “البهلوان”؟

يقول د. خالد العزي المختص في العلاقات الدولية والشأن الروسي في الجامعة اللبنانية لموقع تلفزيون سوريا إن “روسيا تحاول أن توجد لها موطئ قدم وأن تعرض خدماتها في الشرق الأوسط.. ومن خلال ما يجري في غزة تحاول موسكو التزام الصمت بالدرجة الأولى واتخاذ موقف حياد إيجابي لتكون وسيطا مقبولا وتستفيد من كل معارك الشرق الأوسط، ورغم وجود أسيرات روسيات لدى حماس لكن روسيا لم ترفع صوتها عاليا لأنه إذا تمت صفقة التبادل الروس سيخرجون.. وبالنسبة للمزاج الشعبي الروسي فإنه لأول مرة استطاع الرأي العام الروسي والبيلاروسي والأوكراني أن يكون مؤيدا لإسرائيل وأن يرفعوا شعارا على وسائل التواصل “تحيا إسرائيل لتعيش” وسببه وجود ضحايا من حاملي هذه الجنسيات.”.

ويضيف أن “القضية الفلسطينية تحتاج للعودة إلى الصدارة”، ويوضح أن من “ساهم بسرقة القضية الفلسطينية هو اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ضرب بعرض الحائط القرارات الدولية، إضافة إلى أن أميركا نسيت فلسطين وذهبت تتفاوض مع إيران على ملفها النووي”.

ويتابع “على الطرف الآخر إيران لا تريد التفاوض لإيجاد حل في فلسطين، تريد توظيف القضية الفلسطينية لوضعها تحت أجندتها وبخدمة ملفها النووي من هنا تتلاقى مع المصلحة الروسية..  فمن مصلحة موسكو أن تبقى إيران عامل فوضى في المنطقة وأن يبقى اليمين الإسرائيلي في هذه الفوضى.. ونذكر أن بوتين صديق أفيغدور ليبرمان الذي يحمل الجنسية الروسية ومسؤول كتلة إسرائيل بيتنا وقد كان وزير خارجية ودفاع في حكومة نتنياهو، إذا روسيا تعمل من مبدأ استعادة هؤلاء اللاجئين اليهود الروس الذين هاجروا أيام الاتحاد السوفييتي للاستفادة منهم تقنيا وسياسيا للضغط على الأيباك من أجل تخفيف المشكلات التي تواجههم مع الأميركيين..هم غير معنيين بإعلان دولة فلسطينية”.

الأيباك: (منظمة أميركية يهودية، تعد أقوى جماعات الضغط (لوبي) في الولايات المتحدة، وأكثرها تأثيرا على الكونغرس الأميركي، تهدف إلى ضمان دعم أميركي متواصل لإسرائيل، تأسست عام 1953).

الروس والمصالحات في سوريا.. تقريب إيران من إسرائيل

عاد الروس إلى المنطقة لتأمين نفوذهم، وعندما بدأت عمليات المصالحة في سوريا، انطلقت من الجنوب لأن روسيا تهتم بأمن إسرائيل، “ويهمها أن تقول لتل أبيب يجب عليكم التفتيش عن بديل لأن الولايات المتحدة ستخرج من المنطقة.. وهذا البديل هو روسيا العائدة إلى أصدقائها في الشرق الأوسط، وستحل بنفوذها الجديد مكان واشنطن”، يوضح العزي لموقع تلفزيون سوريا.

ويضيف “من هنا نرى أن هناك توازيا بين الروس في تعاطيهم مع إسرائيل من جهة وتعاطيهم مع إيران من جانب آخر”. إذ يسمح الروس لإسرائيل بضرب إيران في سوريا، ومن جانب آخر يسمحون لإيران “بالتمختر” في سوريا وتهديد إسرائيل، ويتابع العزي :”الروس سعوا لتسجيل موقف معاكس لموقف واشنطن ويحاولون القول إن ما جرى في الشرق الأوسط هو نتيجة لغياب توازن الأقطاب”.

“بوتين أراد مناكفة الأميركان؛ لذلك دعا وفدا من حماس التقى ببوغدانوف وهو ممثل بوتين الشخصي.. زاخاروفا ولافروف وبيسكوف كلهم كانوا وفق توجه بوتين بانحياز واضح لحماس باجتماع الجمعية العامة في محاولة للقول إن روسيا تملك هامشا وشركاء في الشرق وهي مرجعية ويمكن أن تكون في أي حل قد يقدم..”.

وتابع العزي: “تسعير الحرب في غزة يساعد على تدفق الأموال والدعم العسكري ويوجه انتباه الإعلام إلى تل أبيب.. وستبدأ روسيا بقضم المناطق الحدودية في أوكرانيا، لأن العالم لن يشهد حاليا ما سترتكبه من مجازر لأنه ملته بالأحداث والحرب في غزة”

النفط الروسي

يشير د. العزي إلى أن النقطة الأهم في المصلحة الروسية، هي توسع مشكلات الشرق الأوسط، لأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع سعر النفط وفق ثلاثة سيناريوهات، الأول: ارتفاع سعر البرميل لـ 97 دولارا، والثاني فإن تواصل الحرب واستهلاك القدرات اللوجستية سيرفع سعر برميل النفط إلى 105 دولارات، وثالثا: تداخل الجبهات وحدوث فوضى سيوصل سعر برميل النفط إلى 157 دولار.

ويوضح أن روسيا هي المستفيد الأول في بيع نفطها وغازها إلى العالم، من خلال التهريب، أو من خلال الأسعار في السوق السوداء، أو حتى الأسعار الجديدة في السوق، وهذه الأموال في حال استمر العدوان على غزة لشهرين أو ثلاثة أشهر، ستمول الحرب في أوكرانيا وتساعد الروس في شراء أسلحة من الصين وكوريا الشمالية، وسيجعلها في حالة جاهزية اقتصادية لأن “دول السبع” حددت سقف تصدير النفط الروسي بـ 60 دولارا، ما يقلل المجهود الحربي ويؤدي لإخفاقات اقتصادية بالداخل فالفارق في السعر سيذهب للتمويل الحربي.

هل ستنجح موسكو في  لعب دور الوساطة في غزة؟

ويتابع “أما عن الوساطة.. فروسيا لن تستطيع أن تكون وسيطا نزيها وإسرائيل لن تقبل بالوساطة، لقد حدد وسيطان للتفاوض في ملف الرهائن هما قطر وتركيا.. أما من سيفاوض على المرحلة المستقبلية في غزة فستكون مصر بمساعدة تركيا.. روسيا تبحث وتحاول.. لكن هناك ادعاءات من محور الممانعة وهي ادعاءات خطيرة تقول إن حماس نفذت الطوفان بتدريب ومال روسي  فإذا كانت هذه المعلومات صادقة فإن روسيا ستكون هدفا لإسرائيل.. توجيه المسؤولية نحو روسيا يعني أنهم في موقف حرج وهناك استدعاءات للسفير الروسي في تل أبيب، وتوتر العلاقات مع موسكو سيعني لاحقا ذهاب الدعم الإسرائيلي المباشر إلى أوكرانيا.. روسيا ستفقد إسرائيل عاجلا أم آجلا.. كما أن إسرائيل ستكون مدينة لأميركا وستفرض واشنطن شروطها عليها بالنسبة لأوكرنيا وقد بدأ الفتور الإسرائيلي بين أبيب وموسكو”.

ومؤخرا، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف أن إسرائيل لم تعد تحذر موسكو قبل هجماتها التي تشنها على سوريا، مشيراً إلى أن بلاده “تعلم بالضربات بعد وقوعها”.

وفي وقت سابق، كشفت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، أن إسرائيل أوقفت الخط الساخن مع روسيا بشأن هجماتها في سوريا، معتبرة ذلك “تحولاً رئيسياً في السياسة الإسرائيلية”.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حرب غزة أو #طوفان_الاقصى حاولت القيادة الروسية الاستفادة منها بعد العزلة من حربها بأوكرانيا ، لذلك انتقدت الموقف الغربي بقيادة أمريكا ودعمها اللامحدود للكيان الصهيوني ولكن الرأي العام الروسي والبيلاروسي والأوكراني كان مؤيدا للكيان الصهيوني ورفعوا شعار على وسائل التواصل “تحيا إسرائيل لتعيش” وسببه وجود ضحايا من حاملي هذه الجنسيات.” لتأخذ روسيا موقف الحياد لتكون وسيط بين طرفي الصراع بحرب غزة ، فهل ستنجح ؟.

زر الذهاب إلى الأعلى