المعارضة السورية تطارد السراب

آلان حسن

لطالما كانت رهانات أطراف الحروب من أكثر ما أوقعتها في سبلٍ تنتهي بنهايتها، وبالتالي فهي كانت فخاخاً أكثر من كونها خيارات، وكم من قوةٍ كانت متفوقة في الجانب العسكري، وخسرت كل ما جنته في أحلافها السياسية أو في المفاوضات. في الحالة السورية، كانت المعارضة من أكثر الأطراف التي تبدل ميزان قوتها من حال إلى حال، وكانت تمنّي نفسها بحكم سورية، وتسلُّم مفاتيح العاصمة دمشق خلال أسابيع، وتكرار التجربة الليبية التي انتهت بإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، واستلام المعارضة المدعومة من حلف شمالي الأطلسي (الناتو) الحكم منذ عام 2011. اختارت المعارضة السورية الدرب الأصعب في طريق التغيير المنشود من غالبية الشعب السوري، فاختارت الحل العسكري المتقاطع مع خيار الحكومة السورية، وهو ما دفعت ثمنه غالياً، عبر تخلي عدد من حلفائها عنها، وبالتحديد الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، وباتت تركيا وقطر الوحيدتين اللتين تتبنيانها، حتى تحولت إلى راع لمصالح أنقرة، وباتت تخوض الحروب في سورية وليبيا خدمة للمصالح التركية وحسب، وهو ما تجلى في عملية “درع الفرات” عام 2017 لقطع الطريق أمام وصول المشروع الفيدرالي الكُردي (آنذاك) إلى البحر المتوسط، وكذلك عملية “غصن الزيتون” عام 2018 لمحاربة وحدات حماية الشعب (الكُردية) لتفتيت مشروع الإدارة الذاتية، وأخيراً، وليس آخراً، عملية “نبع السلام” عام 2019 للقضاء على الإدارة المعلنة منذ مطلع العام 2014. وفي ليبيا، تدخلت لصالح الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، في مواجهة اللواء المنشق خليفة حفتر المدعوم من السعودية والإمارات ودول غربية، وباتت تسمية المرتزقة السوريين مرادفةً لهذه الفصائل مذ ذاك.

راهنت المعارضة السورية على الفصائل المتشدّدة في سعيها إلى إسقاط نظام بشار الأسد، وهو ما أفقدها جزءاً كبيراً من الرصيد الشعبي الذي كسبته في صفوف المعارضين والمتضرّرين من سياسات الحكومات السورية، منذ انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963. وكانت الحركات الدينية المتشدّدة الأكثر تنظيماً، وذلك نتيجة الخبرة المتراكمة في العمل العسكري ضد الاحتلال الأميركي للعراق، وكذلك في المعارك المذهبية التي جرت فيه في الفترة التي تلت العام 2003.

الدعم الخليجي للتيارات الطائفية داخل المعارضة السورية، وإيجاد أخرى موالية لها بالكامل، زاد من علوّ كعبها في نادي معارضي الحكومة السورية، وهذا ما شكّل عاملاً إضافياً لتوجس الدول الأوروبية من إمكانية وصول المعارضة إلى السلطة، خصوصا بعد وضع بعضها في لوائح الإرهاب الدولية، ومنها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سورية).

وقد شكّل التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية عام 2015 علامةً في مسيرة الصراع فيها، وهو ما ترافق مع استحواذ تركيا على ملف المعارضة السورية، بشقيها العسكري والسياسي، والجفاء المتعاظم بين أنقرة وواشنطن، وانفراط العقد الخليجي المعارض للحكومة السورية، وهو ما فتح الباب واسعاً للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتثبيت أقدامه في الميدان السوري طرفا لا يمكن لأي حرب أن تُشَنّ رغماً عنه، أو أن يتم التوصل إلى حل سياسي من دون مشاركة منه.

تخلت المعارضة السورية مذ ذاك عن صفتها الأساسية كيانا معارضا للحكومة السورية، وتحولت إلى فصائل موالية للحكومة التركية وحسب، وهي في مسلسل هزائم مستمر منذ ذلك التاريخ، ومنعتها أنقرة من شنّ أي عمليةٍ هجوميةٍ ضد الجيش السوري وحلفائه، واكتفت بدور المدافع تارة عن مناطق سيطرتها (حين تسمح لها أنقرة)، وتارّة أخرى بتسليم مناطق نفوذها للحكومة السورية مقابل السماح لها بمشاركة الجيش التركي في حروبها مع القوات الكردية وحلفائها من مكونات شمال وشرقي سورية ممن تعتبرهم أنقرة تهديداً لها.

التطورات الأخيرة في المشهد السياسي والاقتصادي السوري منح أملاً آخر للمعارضين السوريين للوصول إلى السلطة، وباتوا يأملون بتغيير ما في الموقف الروسي من الرئيس السوري، والعمل على مقاربةٍ أخرى للملف السوري، ونجاح أنقرة في إحداث تقاربٍ مع الجانب الروسي، يكون بديلاً عن الحكومة السورية، معتمدين بذلك على التقارير الإعلامية من موسكو، والتي تشكك في قدرة الرئيس الأسد وحكومته على قيادة البلاد مستقبلاً، وكذلك الوضع الاقتصادي شبه المنهار في البلاد، في ظل عجز الحكومة السورية عن التدخل لمواجهة هذا الواقع، خصوصا بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، والخلافات العلنية أخيرا بين الحكومة وعدد من أقطاب المال المحسوبين عليها، وفي مقدمتهم الملياردير النافذ رامي مخلوف.

يبدو رهان ما تبقى من المعارضة، هذه المرّة، لن يختلف عن سابقاته، وما الضغوط التي تمارسها موسكو على القيادة السورية سوى لحثها على إبعاد التدخل الإيراني الفج في شؤون الحكم، ومنافسته الدور الروسي في سورية، ومنعه من استفزاز الدول الفاعلة في الشأن السوري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل. فالأكيد أنه وبعد سنوات من الثمن الذي دفعته موسكو في الحرب السورية، وبعد الكم الهائل من الاتفاقات بين روسيا والحكومة السورية، ووضوح توجهات المعارضة وارتباطاتها الإقليمية، الأكيد أن الروس ليسوا في وارد التخلي عن منظومة الحكم السورية، أو عن أركانها الرئيسيين، والاستعاضة عنهم بآخرين من المعارضة، وهي التي بينها وبين موسكو ما صنع الحداد.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى