سلم التصعيد لدى “حزب الله”

ماثيو ليفيت

منذ العملية التي قامت بها  “حماس” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، قد تحمل كلمات الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، قدراً كبيراً من التهديد وخطوة محتملة على سلم التصعيد، ولكن هناك مصلحة للحزب في تجنب حرب شاملة.

بعد مرور شهر تقريباً على بداية الحرب التي أشعلتها “حماس” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تكشف هجمات “حزب الله” التي تستهدف إسرائيل عن نمط من التصعيد المنضبط. وحتى الآن عمل “حزب الله” ، المتحمس لمحاربة إسرائيل، لكنه يشعر بالقلق من تأثير مثل هذه الحرب على لبنان، على حصر هجماته الصاروخية وبالطائرات بدون طيار ضمن أهداف عسكرية في الغالب على بعد حوالي ميل واحد من “الخط الأزرق” الذي يرسم الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وبدوره، يتعرض “حزب الله” للتهكم عبر الميمات والأغاني الساخرة التي تهزأ من هجمات القنص التي ينفذها والتي تستهدف أبراج الاتصالات الإسرائيلية باعتبارها مساهمات متواضعة في المجهود الحربي. فخلال الأسبوع الماضي، أصدر الحزب مقاطع فيديو قصيرة تمهيدية ترقباً لأول خطاب علني للأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، منذ مجزرة “حماس”، والذي ألقاه في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر (أثناء كتابة هذه السطور). وفي حين أن نصر الله سيصعّد خطابه بالتأكيد، إلّا أنه لم يتضح بعد ما إذا كان ذلك سيشير بتسارع وتيرة عمليات الحزب، والتي قد تشمل إطلاق الصواريخ على أهداف مدنية في عمق الأراضي الإسرائيلية.

الخلفية: تغيير قواعد اللعبة

على مدى السنوات الثلاث الماضية على الأقل، كان “حزب الله” يحاول ببطء تغيير قواعد اللعبة غير الرسمية القائمة منذ وقت طويل والتي ترعى الهجمات بين الجماعة الشيعية المتمركزة في لبنان وإسرائيل. وكانت الخطوط الحمراء السابقة لـ “حزب الله” تقضي بأنه لن يشن هجوماً مباشراً على الأراضي الإسرائيلية إلا إذا شنت إسرائيل هجمات على الأراضي اللبنانية أو قتلت عناصر من “حزب الله” في لبنان أو خارجه. لذا قد يُظهر الحزب ضبط النفس طالما التزمت إسرائيل باستهداف شحنات الأسلحة في سوريا، على افتراض أن تلك الهجمات لن تؤدي إلى مقتل عناصر “حزب الله”. ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية، أعاد “حزب الله” رسم خطوطه الحمراء في محاولة لضرب إسرائيل بأساليب لا تثير ردّاً إسرائيلياً شرساً، تشمل على سبيل المثال إطلاق طائرة بدون طيار على منصة غاز “كاريش” البحرية الإسرائيلية في تموز/يوليو 2022 أو تسلل أحد العناصر الإرهابية للحزب إلى مسافة ستين كيلومتراً داخل إسرائيل في آذار/مارس 2023.

إن نجاح “حزب الله” في توسيع قواعد اللعبة من خلال عمليات جديدة استهدفت إسرائيل قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، قد شجع الحزب على التصرف بأكبر قدر ممكن من العدوانية دون تكبد رد فعل قوي، مما يؤدي إلى حرب واسعة النطاق. أما الآن، في الشرق الأوسط ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإن “حزب الله” يسعى إلى إعادة صياغة قواعد اللعبة مجدداً وإعادة رسم خطوطه الحمراء بينما يصعد انتهاكاته على طول الحدود الشمالية لإسرائيل.

قواعد اللعبة في زمن الحرب

من خلال تقييم الأسابيع القليلة الأولى من الحرب التي شنتها “حماس”، يرى المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أنه قد تم ردع “حزب الله” إلى حد كبير عن الانخراط في تصعيد واسع النطاق، لكنه ملتزم بإظهار الدعم لـ “حماس” من خلال مهاجمته أهداف عسكرية إسرائيلية عبر الحدود والسماح لجماعات أخرى بمهاجمة إسرائيل من المناطق التي يسيطر عليها “حزب الله” في جنوب لبنان. ومع ذلك، لا تزال السلطات الإسرائيلية تشعر بالقلق من أن الحزب قد يتسلق بسرعة سلم تصعيد منظم يمثل أكبر تهديد لإسرائيل خارج نطاق “حماس” في هذه المرحلة من الصراع.

واستناداً إلى تحليل أولي لتقارير الجيش الإسرائيلي التي تغطي الحدود الشمالية، حتى 2 تشرين الثاني/نوفمبر، شن “حزب الله” و “حماس” وجماعات مسلحة أخرى حوالي ثمانية وثمانين هجوماً ضد إسرائيل من لبنان وسوريا، بما في ذلك هجمات بالصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، ونيران الصواريخ وقذائف الهاون، وهجمات الطائرات بدون طيار، وإطلاق النار (انظر الرسم البياني، “الهجمات ضد إسرائيل على حدودها الشمالية”).

ووفقاً لتقييمات الجيش الإسرائيلي فإن قواعد اللعبة الجديدة التي وضعها “حزب الله” في زمن الحرب تقوم على سلّم تصعيد ثلاثي المستويات. ويبقى احتمال سوء التقدير، أو شن هجوم يصيب هدفاً حساساً عن طريق الخطأ، مرتفعاً على نحو خطير. وحتى الآن، بقي “حزب الله” عند المستوى الأول من استراتيجيته، التي تتضمن استهداف مواقع عسكرية، وليس مدنية، في شمال إسرائيل، على بعد حوالي ميل واحد من “الخط الأزرق” (انظر هجمات “حزب الله” في الخريطة أدناه). وفي حالات قليلة، أصيبت أهداف مدنية – مثل السيارات الخاصة الفارغة – بصواريخ “حزب الله”، لكن السلطات الإسرائيلية تقدر أنها كانت ضربات خاطئة، وليست استهدافاً متعمداً للمدنيين. ومن غير المرجح أن يتعرض المدنيون للأذى في مثل هذه الهجمات، حيث قامت إسرائيل بإخلاء 42 تجمعاً سكانياً في شمال البلاد، بما في ذلك من مدينة كريات شمونة. وقد استهدفت نيران “حزب الله” تقريباً كل موقع للجيش الإسرائيلي على طول “الخط الأزرق”، وغالباً أكثر من مرة واحدة. وقد برز استعمال الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات بشكل كبير في هجمات “حزب الله” حتى الآن، لكن هذه الصورايخ هي أسلحة قصيرة المدى تكون فعالة فقط عندما يتم إطلاقها ضمن خط رؤية واضح لهدفها. وحتى الآن، أعلنت “حماس”، وليس “حزب الله”، مسؤوليتها عن الهجمات التي استهدفت كريات شمونة. ومن خلال السماح بمثل هذه الهجمات وتسهيلها على الأرجح، والتي تنفذها جماعات أخرى وتعلن مسؤوليتها عنها، يأمل “حزب الله” في الحد من طبيعة الرد الإسرائيلي.

ويمكن أن تؤدي الحملة الموسّعة (المستوى الثاني) إلى إطلاق “حزب الله” صواريخ على مسافة ثلاثة إلى خمسة أميال (بين 5 و8 كيلومترات) داخل الأراضي الإسرائيلية، بدلاً من ميل واحد. ويمكن أن يستمر التنظيم في استهداف القواعد العسكرية ضمن هذا النطاق بشكل رئيسي، لكن التصعيد الكبير قد يستلزم ضرب منشآت عسكرية أكبر تستضيف مئات الجنود، بدلاً من المواقع الصغيرة على طول الحدود. وتقع هذه المرافق في كثير من الأحيان بالقرب من المدن، مما يزيد من خطر إصابة هدف مدني بصاروخ خاطئ. ويمكن لـ “حزب الله” أيضاً أن يقرر تجاوز الأهداف العسكرية والبدء في استهداف البنية التحتية الحيوية والمدن والبلدات في شمال إسرائيل. كما يمكن لـ “حزب الله” أن يسهّل هجمات أكثر عدوانية ضد المدنيين من قبل جماعات أخرى تعمل في المناطق التي يسيطر عليها الحزب.

وأخيراً، يمكن لـ “حزب الله” أن يتسلق سلم التصعيد (المستوى الثالث) من خلال شن هجمات على عمق يتراوح بين عشرة وأربعين ميلاً داخل إسرائيل. وبينما قد تكون إسرائيل قادرة على التسامح مع استهداف مسافة ثلاثة إلى خمسة أميال، إلّا أنها لا تستطيع أن تتسامح مع التوسع الذي يمتد نحو حيفا.

استباقاً لخطاب نصرالله

بينما ظل نصر الله صامتاً بشكل مخيف منذ مذبحة “حماس”، إلّا أن مسؤولين بارزين آخرين في “حزب الله” سعوا إلى تصوير الحزب وكأنه يقف على الخطوط الأمامية. وكان نائب نصر الله، نعيم قاسم، قد أكد في 24 تشرين الأول/أكتوبر، أن “حزبُ الله في قلب معركة المقاومة للدفاع عن غزَّة وفي مواجهة الاحتلال وعدوانه في فلسطين ولبنان والمنطقة، ويده على الزناد بالمدى الذي يُقدِّرهُ مطلوباً في المواجهة”. ومع ذلك، ارتفعت أصوات مسؤولي “حماس” من خلال تعبيرهم عن خيبة أملهم إزاء المشاركة المحدودة لـ “حزب الله، حيث قالت شخصيات مثل غازي حمد إنهم “يتوقعون المزيد” من الحزب.

وسيحاول نصر الله على الأرجح في خطابه (خلال كتابة هذه السطور)، توخي الحذر في ظل هذا الموقف الحساس، باستخدام الخطاب الناري والتحذير من تدخل غير محدد إذا تابعت إسرائيل حقاً هدفها المعلن المتمثل في إنهاء حكم “حماس” والملاذ الآمن للإرهابيين في غزة. وفي غضون ذلك، من المرجح أن يكثّف “حزب الله” أنشطته العملياتية على طول “الخط الأزرق”، وربما يتوسع إلى نطاق ضربات يتراوح من ثلاثة إلى خمسة أميال. وقد يقوم أيضاً بتجنيد مقاتلين شيعة آخرين لتنفيذ هجمات من سوريا، مما يفتح فعلياً جبهة ثالثة مع إسرائيل.

ولكن في غياب حدث مثير، لا يزال من غير المرجح أن يسعى “حزب الله” إلى شن حرب واسعة النطاق مع إسرائيل. ويدرك الحزب أن الجيش الإسرائيلي استعد على نطاق واسع لـ “الحرب القادمة” بين إسرائيل و”حزب الله”، والتي ستكون ذات حجم مختلف تماماً عن حرب عام 2006. وتدرك عناصر الحزب أن لا أحد تقريباً في لبنان يريد مثل هذه الحرب، وخاصة في سياق الأزمة الاقتصادية والسياسية الحالية التي تعيشها البلاد. كما تدرك هذه العناصر، من خلال موجة من الرسائل العامة والخاصة – وتمركز مجموعتين من حاملات الطائرات الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط – أن الرئيس بايدن كان يعني ما قاله عندما حذر أطرافاً مثل “حزب الله” من فتح جبهات جديدة في حرب “حماس”. وأخيراً، يدرك “حزب الله” أن إيران تريد الاحتفاظ بالغالبية العظمى من ترسانة الحزب الصاروخية احتياطياً لردع إسرائيل أو أي جهة أخرى عن مهاجمة برنامجها النووي.

لقد فاجأت مجزرة “حماس” إسرائيل والعالم، الأمر الذي يعني أنه يتعين على المحللين أن يعيدوا النظر في جميع افتراضاتهم ونماذجهم السابقة حول ما إذا كانت جماعات الرفض في المنطقة قد تنفذ هجمات مذهلة ومتى. ولا يزال من الممكن أن يؤدي سوء التقدير والتصور الخاطئ إلى قيام “حزب الله” بتغيير موقفه الحالي وجر إسرائيل إلى جبهة ثانية في الشمال. وسيتمثل التحدي في تفسير خطاب نصر الله في فصل لغته التحريضية عن الخطط المحتملة للحزب.

ماثيو ليفيت هو “زميل فرومر ويكسلر” ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن. كما يستضيف برنامج “كسر القاعدة الذهبية لـ «حزب الله»”، وهو برنامج صوتي حول الأنشطة الإجرامية والعسكرية والإرهابية التي يمارسها الحزب في جميع أنحاء العالم.

المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تصعيد منضبط يمارسه حزب الله على الجبهة الجنوبية ، تصعيد لا يحقق سوى بروباغندا المقاولة والمماتعة بنصرة حليفتهم المقاومة الفلسطينية بغزة ويخفي خذلانهم لها . إن #طوفان_الاقصى سيعيد حسابات القوى حول إمكانية جماعات الرفض في المنطقة لتنفيذ هجمات مذهلة ، متى تستطيع .

زر الذهاب إلى الأعلى