لبنان يتلقى التحذيرات لا الدعوات

دنيز رحمة فخري

مصدر بالخارجية اللبنانية: لا يوجد تفهم غربي لما تطرحه الدبلوماسية اللبنانية في محاولاتها للجم التصعيد على الحدود مع إسرائيل
كان لافتاً تغييب لبنان عن “قمة القاهرة للسلام” التي عقدت السبت الماضي بحضور عربي وغربي واسع. وبرزت تساؤلات كثيرة في شأن أسباب عدم توجيه مصر دعوة إلى لبنان للمشاركة في قمة هو أحد المعنيين فيها، في وقت يتلقى يومياً عشرات الدعوات الدولية والعربية التي تطلب منه النأي بالنفس عن حرب غزة وعدم الانجرار إليها. وكشفت مصادر حكومية لـ”اندبندنت عربية” عن أن التبرير المصري الذي نقله سفير مصر في لبنان ياسر علوي إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عشية القمة، تمثل بوجود قرار باستبعاد دول الطوق مع إسرائيل عن القمة بما فيها لبنان وفلسطين وسوريا وإسرائيل، إلا أن ملك الأردن أصر على حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في وقت لم يجد لبنان من يطالب بحضوره، لكن مصادر دبلوماسية ذكرت أسباباً أخرى لها علاقة باشتراط الدول الغربية عدم مشاركة سوريا في قمة القاهرة، وتجنباً لمشكلة مع النظام السوري خرج الجانب المصري بهذه “التوليفة”. في أي حال تعددت الأسباب والنتيجة واحدة “لبنان ليس في حساب أحد” على حد تعبير مصدر رفيع في المعارضة الذي يعتبر أن عدم دعوة لبنان أمر طبيعي ما دام لا وجود فعلياً للدولة، ويتابع “ما دام قراره مصادراً فالتعاطي معه لن يتخطى كونه صندوق بريد للرسائل التحذيرية بدلاً من أن يكون على أي طاولة قد تبحث الحل”.
“لبنان مبادر وليس فقط متلقياً”
يرفض مصدر دبلوماسي في الخارجية اللبنانية تصوير لبنان الرسمي وكأنه على هامش ما يحصل وبأن دبلوماسيته معطلة أو صورية، ولا يتأسف في المقابل على عدم دعوته إلى “قمة القاهرة” التي لم تتمكن من الخروج ببيان موحد. ويؤكد المصدر الدبلوماسي لـ”اندبندنت عربية” أن هناك حركة استثنائية يقوم بها وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وكذلك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مشدداً على أن لبنان ليس فقط متلقياً، بل أيضاً مبادراً. ويذكر المصدر الدبلوماسي بأن وزير الخارجية شارك في قمة “مجلس التعاون الإسلامي” في جدة مع ممثلين عن 57 دولة والتقى أكثر من 14 وزير خارجية ويستقبل يومياً في مكتبه في بيروت دبلوماسيين ومسؤولين دوليين، والحوار مفتوح مع “حزب الله”، كما أن التواصل مستمر مع وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان، ومع الجانب الأميركي، على رغم استثناء وزير الخارجية أنطوني بلينكن لبنان من جولاته المكوكية في المنطقة.
أما الرسالة التي يحملها لبنان الرسمي إلى الموفدين الدوليين فتنص بحسب ما يكشف المصدر لـ”اندبندنت عربية” على رفضه المطلق الحرب وتبني ما اتفق عليه في جدة من نقاط، أهمها وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات بطريقة غير مشروطة وفورية إلى غزة، ورفض تهجير الفلسطينيين أو أي مشروع لنقلهم من أرضهم. وإذ يؤكد المصدر أن لا أحد يمكن أن يبرر ما فعلته “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لكن في الوقت ذاته على الدول أن تفهم بأن هناك أسباباً لما حصل، لذا يجب إيجاد حل سياسي يعالج الأسباب الحقيقية، وإلا فإن إنهاء “حماس” قد يليه تشكيل “حماس 2″ و”حماس 3”.
الضغط على “حزب الله”
يعترف المصدر الدبلوماسي في الخارجية اللبنانية بأن لبنان الرسمي غير قادر على إعطاء الموفدين الدوليين ضمانات بعدم الانجرار إلى الحرب الدائرة في غزة طالما أن الحرب مستمرة، لكن رئيس الحكومة ووزير الخارجية يطالبان الدول بالضغط على إسرائيل لوقف التصعيد في غزة حتى يتمكن لبنان من الكلام مع طهران و”حزب الله” لتجنيب الساحة اللبنانية حرباً قد تكون مدمرة.
ويكشف المصدر عن أن موفدي الدول الغربية الذين زاروا لبنان للضغط باتجاه عدم دخوله في الحرب، لم يقتنعوا بوجهة نظر الدبلوماسية اللبنانية، وهذه هي المشكلة بحسب رأيه، معتبراً أن الولايات المتحدة الأميركية لا تقوم بالدور الكافي لوقف “حفل الجنون” الإسرائيلي، ويتوقع أن تكون المنطقة بأكملها على حافة الانفجار، وبأن شظاياها لن تطاول فقط لبنان، بل أيضاً العراق وسوريا واليمن والأردن، فهل المطلوب تفجير المنطقة؟ يسأل المصدر. وفي السياق لفت الاجتماع الافتراضي الذي شارك فيه البابا فرنسيس مع رؤساء أميركا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، وخصص وفق ما كشف مصدر دبلوماسي أوروبي لـ”اندبندنت عربية” للبحث بتداعيات توسيع الحرب في الشرق الأوسط.
لماذا تخلت فرنسا عن واقعيتها تجاه لبنان؟
كل الرسائل الدولية التي تلقاها لبنان حتى الآن تفيد بأن أي تدخل لـ”حزب الله” في الحرب الدائرة بين إسرائيل و”حماس” سيجر دماراً على لبنان يفوق الذي حصل عام 2006، مما قد يهدد وجوده. ويجمع المسؤولون في لبنان أن الرسالة الدولية التحذيرية الأعنف كانت من الجانب الفرنسي، إن من خلال الاتصال الذي تلقاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو من رسائل الضغط المباشرة التي حملتها وزيرة الخارجية كاثرين كولونا إلى المسؤولين في لبنان وإلى “حزب الله”، وسط معلومات بأن القنوات الفرنسية المباشرة مع مسؤولي الحزب لم تنقطع. وفيما علمت “اندبندنت عربية” أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصل غداً إلى إسرائيل في إطار زيارة إلى المنطقة لم يعرف بعد ما إذا كانت ستشمل لبنان.
ويعتبر كثر أن الموقف الفرنسي يأتي رداً على إفشال “حزب الله” المبادرة الرئاسية الفرنسية في لبنان التي قامت أخيراً على استبعاد مرشح الحزب سليمان فرنجية ومرشح المعارضة جهاد أزعور. يشرح مصدر دبلوماسي غربي الموقف الفرنسي المتشدد بأنه يعود لحسابات داخلية وأوروبية، خصوصاً أن أكبر جالية يهودية في أوروبا موجودة في فرنسا، وهي من جانب آخر فرنسا مشاركة في القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، وتخشى على سلامة جنودها، مذكراً بأن الفترة الماضية شهدت حرباً باردة بين باريس وطهران انعكست في أفريقيا، حيث دعمت إيران الثوار الأفارقة. ويتابع المصدر بأن فرنسا تتبع منذ فترة السياسة الواقعية وهي في لبنان تعمل بملفين منفصلين، ففي ملف الاستحقاقات الدستورية تنطلق في مواقفها من الحرص على الحفاظ على التوازن مع جميع القوى في لبنان للحفاظ على الاستقرار الداخلي، أما في ما يتعلق بما يحصل بفلسطين، فيريد الفرنسيون الوصول إلى فصل كامل بين الملف اللبناني وملفات المنطقة في العراق واليمن وسوريا. وهم مع حثهم المسؤولين في لبنان ومسؤولي “حزب الله” على عدم التدخل بالحرب القائمة حملوا رسالة واضحة بأن أحداً لن يساعد لبنان هذه المرة. ويؤكد المصدر الغربي أن فرنسا تتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، وكذلك باسم “المجموعة الخماسية” كونها الأكثر اطلاعاً على الملف اللبناني.
المصدر: اندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى