مشروع رؤية سياسية للثورة السورية

أحمد العربي  

               سوريا قبل الثورة  

ثالثا.الشعب السوري قبل الثورة.

اولا.نشأ اجيال تحت حكم عائلة الأسد.فكل مواطن عمرة تحت الخمسين.لا يعي في سوريا غير هذا النظام.وغير حزب البعث كحزب وحيد شرعي مع أحزاب الجبهة التقدمية (الرمزية). ويعي كل الناس ان المدخل لأي شأن في الحياة في التعامل مع السلطة يمر عبر الواسطة والمحسوبية وتعلم الناس أن  المدخل هو حزب البعث والارتباط به او بأحد الادوات الامنية الكثيرة التي تعد بالعشرات..

ثانيا.ان وعي المواطن ان السلطة الحقيقية في سوريا محتكرة على فئة محددة من الحزب (ظاهرا). ومرتزقة النظام كعصبة عائلية وطائفية (عمليا). جعل اغلب الناس تتهيب الدخول في العمل السياسي المعارض ومتاعبه. فعبر ما يزيد عن أربعين عاما تراكم عند الذهن الجمعي لشعبنا كوارث حياتية في كل سوريا من جراء النشاط السياسي ضد النظام. هناك الشهداء والمعتقلين والهاربين خارج البلاد بأعداد كبيرة، كذلك مآسي في الذاكرة عن مذابح و تنكيل واعتقالات متواصلة للأبناء جيلا بعد جيل ومن كل الانتماءات الفكرية والسياسية المعارضة….

ثالثا.ادى هذا التاريخ من القمع للاحجام عموما عن التفكير والممارسة السياسية الا ماندر.. وساعد ذلك منع النشاط لأي حزب بين الطلاب والجيش وحصر التوظيف بمن يملك عضوية في البعث . واعتبار هذه العضوية مقدمة لأي علاقة مع الدولة. فأصبح مثل الأوراق الثبوتية ومقدمة للصعود في سلم الانتهازية. واعتماد الخدمات المتبادلة بين الفرد والسلطة.. في كل المجالات ، خاصة الامنية كمخبر او طرف متعاون

رابعا.انعكس استحواذ السلطة والثروة بيد السلطة على الناس بفقر عام. فالأعمال نادرة والوظائف محتكرة على عصبة النظام. فالتفت الناس للعمل الزراعي والمهني .لتأمين لقمة العيش .وكانت بالكاد تسد الرمق. الزراعة بدائية ومتخلفة ولا يوجد مكننة حديثة تساعد المواطن. وعدم دعمه بل استغلاله من السلطة وأذنابها… وتم استغلال موارد المياه بشكل خاطئ في مزارع ومنتجعات السلطة .بحيث جفت اغلب الينابيع.. وانخفضت مستويات المياه الجوفية. وجفت كثير من الابار ووصلت في بعض المناطق لمرحلة الكارثة. حيث مساحات شاسعة من الأراضي اهملت زراعيا ويبست أشجارها وانعكست بكوارث على الفلاح… ونفس الحاله في مجال الصناعات التي أهملت لتكون متهلهلة ومتخلفة وغير منافسة مع المستورد. مما أدى لانهزامها أمام الصناعات الخارجية القادمة مع انفتاح النظام على العولمة. وانعكس ذلك على المعامل والعمال بقطع لقمة عيشهم…

خامسا.انعكس اهتمام السلطة بمصالح عصبتها على الواقع الحياتي للناس ومنها التعليم الذي كان تلقينا. وغير مجدي واغلب الجامعيين بلا وظائف وفرص عمل عام او خاص . حتى التعليم المهني كان شعارا أجوف. وصار التسرب من التعليم أمرا واقعا . والبحث عن عمل لمساعدة المعيل ظاهرة واسعة حتى من الاطفال .. وزادت الأمية في البلاد …

سادسا.ان هذا الوضع الاقتصادي المزري عكس نفسه على حياة كل الناس ودفعهم للتفكير بحلول فردية على طريقة الخلاص الذاتي. فمن عمل بالزراعة .او المهن اليدوية الدنيا .وكثير من الشباب اختار الغربة. وكان اغلبهم قد توجه إلى دول الخليج. بشروط عمل مهين وفي العمالات الدنيا. حصل ذلك عبر أجيال وبعضهم استقر هناك وأصبح يعود للبلاد في الصيف فقط.. اغلبهم استفاد من اختلاف صرف المال وقيمة العملة والتوفير اليسير. فعاد للبلاد ليبني بيتا. او يشتري قطعة أرض للدهر. او يشكل عملا تجاريا صغيرا يعتمد عليه بعد سنين غربة قد تأكل العمر كله.. ان ظاهرة السفر للعمل كانت منقذا لكثير من السوريين. وطريق حياة مقبولة لا يسكنها هاجس لقمة العيش وذلها..

سابعا.تساعد في الذهن الشعبي تاريخ قمع النظام. مع التركيز على البحث عن لقمة العيش .مع تراجع تواجد العمل السياسي المعارض لدرجة الغياب الكامل. مع القبضة الأمنية الشديدة التي تظهر بالاعتقالات والتنكيل بالمواطن في اي وقت ولأي سبب. حتى اعتبار العمل السياسي المعارض خط احمر يتوارثه الأبناء عن الآباء مع الحذر الشديد منه…

ثامنا.صادرت السلطة الحيز السياسي للناس من خلال التحزيب في البعث. و تدجينه ليكون حاضرا كقطيع عند الحاجة. خاصة الطلاب والموظفين. في المليونيات المذلة التي تظهر مدى بؤس السياسة في الدولة السورية الاستبدادية.. حيث صادرت الحيز الأهلي، النظام يرتبط بالمباشر بكل البنى الدينية والطائفية والعشائرية. وجعلها تابعة له ويستخدمها حسب الحاجة  معطيا بعض المغانم مكتسبات لبعض واجهات هذه البنى في طول البلاد وعرضها… ونفس الحالة تقال على المنظمات المهنية والمجتمع المدني التي أصبحت جزء من منظومة النظام تسبح بحمده وتستخدم لخدمته مفرغة من أي دور حقيقي لمصلحة من تعبر عنهم وغالبا تستخدم ضدهم أمنيا ضمن سلسلة الفساد والانتهازية والمحسوبية… بحيث أصبح دورها ضد مصلحة الناس وليس صوتا لهم…

تاسعا.ضمن سلسلة القهر هذه ومن خلال تغول السلطة كعصبة طائفية على الدولة والمجتمع أصبح الناس مهمشين ومرعوبين أمنيا ويركضون وراء لقمة العيش فقط… يتهيبون السياسة قولا وفعلا. وتحول الناس ليعيشوا تقية وازدواجية سياسية.لحماية النفس. وتحصيل أسباب العيش والمصالح الحياتية بأساليب انتهازية …

عاشرا.تعايش الناس مع تحول السلطة السياسية لتكون مالكة لكل شيء… من السياسة للاقتصاد فقد توسعت العصبة لتمتد في كل أجهزة الدولة. و بالتوظيف عموما . وتوسعت بمشاريعها التجارية والصناعية وخاصة ما يتعلق بالدولة ومشاريعها فكانت مركزا للفساد المقنن .الاتصالات ومشاريع الاعمار وكل شيء. ان كل مشروع أما لعصبة السلطة او شريكة به. وكذلك الثقافة المحتلة من السلطة . كذلك كل مناحي الحياة… الاقتراب من السلطة خطر والبعد عنها غنيمة…

.اخيرا هكذا الناس عشيّة الربيع السوري تغول السلطة كعصبة عائلية ممتدة طائفيا في كل مناحي الدولة والمجتمع. من مراكز السلطة والقرار للملكية للاقتصاد .للتحكم في كل مناحي الحياة… ومن الشعب قليل جدا من يدفع عمره او من عمره لتعاطيه السياسة. والباقي منغمس بالبحث عن لقمة العيش والكل يعيش احساس قاتل بالمظلومية ولكن لا أمل. يدفع الجميع للخنوع باستثناء بعض الحالات التي تؤكد أن في هذا الشعب السوري الميت سياسيا بعض الأحياء

حتى قام الشعب السوري المظلوم بثورة في ربيع ٢٠١١م.

١٠ . ٩ . ٢٠١٣م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى