عملية “طوفان الأقصى” لم تتوقف، ولا أظن أنها ستتوقف، سيبقى عداد القتلى والمصابين والأسرى من الجانب الإسرائيلي يتصاعد، وسيستمر العدو في قصف غزة واستهداف المدنيين ومحاولة القيام باجتياحات، وسنسجل المزيد من الشهداء، فهذا كله متوقع ومفهوم، وليس جديدا ما تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية، لكن في خضم هذه الحرب الباهرة هناك إصابات قاتلة من المهم متابعة حالتها والعمل على وصولها إلى نهاياتها الطبيعية وهي الموت، الموت الحقيقي:
** أولى هذه الإصابات وأبعدها أثرا هي تلك التي استهدفت الكيان الصهيوني ككيان، والمشروع الصهيوني كمشروع.
فقد أصابت “طوفان الأقصى” هذا المشروع إصابة قاتلة، أفقدته هيبته، ومشروعيته في نظر الفرد اليهودي داخل فلسطين المحتلة الذي جاء لينعم بأرض وثروة وموقع واعتماد وحماية غربية، مستقرة وآمنة. وكان يظن أنه بات في موطنه النهائي، غير عابئ بمشروعية أو إنسانية ما يقوم به، وغير منتبه ولا معتد بوهن بناء قام على كذبة كبرى عن أرض الميعاد. وعن أرض بلا شعب،
كما أفقدت “طوفان الأقصى” النظام الامبريالي الغربي” ثقته بهذا الكيان الذي أقامه، وارتكب في سبيل إقامته أبشع الجرائم وفي ظنه أن في مقدور هذا النظام أن يحقق ديمومة السيطرة الامبريالية على أمتنا. وليصحوا على حقيقة أن التصدي لهذا الكيان ممكن ومتحقق وأن في مقدور مئات من المجاهدين الصادقين، الذين يستندون إلى عقيدة راسخة، والذين توجههم وتقودهم قيادة صادقة وجسورة وعاقلة، أن يهزوا أركانه، ويظهروا هشاشته، وأن يوقعوا فيه من الخسائر ما لم يكن في حسبان أحد على الإطلاق، وهي خسائر غير قابلة للتعويض لأنها تمس أركان النظام كله، وفي المقدمة منه العنصر البشري. اليهود أنفسهم على اختلاف تصنيفاتهم، من محتلين إلى مستوطنين.
** وثاني هذه الإصابات القاتلة اختصت بمشاريع التسوية، والتطبيع، والتعاون الأمني، والاقتصادي والسياسي التي اندفعت إليها كثير من النظم العربية بتدخل مباشر من الولايات المتحدة والنظام الغربي، وبوهم بناء شرق أوسط جديد يكون “الكيان الصهيوني” أساسه وقائده، وتكون واشنطن عرابته وحاميته. وظنهم أن خضوع هذه النظم العربية لمشيئتهم يعني خضوع المنطقة كلها، بشعوبها وثرواتها وتاريخها وقيمها لهذا النظام الشرق اوسطي الجديد، ولم يستح الرئيس الأمريكي جون بايدن في إعلان أن بلاده باتت بلد الشذوذ الجنسي وحاميته على مستوى العالم ، في وقت تعتبر فيه “اسرائيل” قاعدة “الشذوذ الجنسي” في الشرق الأوسط، وسيكون هذا الشذوذ من أعلى القيم التي سيبنى عليها هذا الفضاء الجديد وأكثرها حماية.
“طوفان الأقصى”، أصابت إصابة قاتلة الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني، واتفاقات التطبيع والتسوية، ومشروع الشرق الأوسط الجديد وبنيته الاقتصادية والأمنية والأخلاقية.
لم يعد السلاح النووي الاسرائيلي يعني شيئا، ولم تعد الطائرات المتقدمة، والصواريخ الذكية، والقبب الحديدية ذات قيمة حقيقية، ولعلنا لا نبالغ إذا اعتقدنا أن العاقلين في النظام الغربي باتوا مطالبين بمراجعة أهلية وقدرة الكيان الإسرائيلي على الحفاظ عى أمن وسلامة هذه الأسلحة المتقدمة بما فبها النووي التي زود بها، أو أعين على تصنيعها.
ولم يبق إلا قليل حتى يدرك كثيرون الأبعاد الحقيقية ل”طوفان الأقصى”، وأن هذه الإصابة القاتلة لا يبرؤ منها مصاب.
أما الجروح القاتلة التي تلقاها “النظام العربي” جراء “طوفان الأقصى” فهي كثيرة، وقد تظهر آثارها في وقت لا يطول، وسيكون المطلوب الغربي من هذا النظام أن يدرأ تداعيات الطوفان على المنطقة كلها، لكن نصر الله آت لا محالة.