توافقت معظم الأحزاب السياسية اللبنانية على رفض الانزلاق إلى مواجهة مع إسرائيل لا سيما في الظروف الصعبة التي تواجهها البلاد.
على رغم من التوتر الشديد وأجواء القلق والقصف المتبادل بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، إلا أن الأمور لم تنزلق حتى اللحظة إلى مستوى الحرب الشاملة، إذ يحبس الجميع أنفاسه بانتظار قرار الحزب بشأن إمكانية انخراطه في عملية “طوفان الأقصى”.
وفي ظل الصمت الرسمي وعدم اجتماع الحكومة اللبنانية بوضع استراتيجية لمواكبة الحدث الأمني وارتداداته على لبنان، باستثناء تصريح خجول لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يؤكد فيه رفض الانزلاق إلى الحرب، إلا أن المواقف لمعظم القوى السياسية اللبنانية تبدو رافضة لتدخل “حزب الله” في المعركة، وسجل لأول مرة شبه إجماع بين الأحزاب الفاعلة في البلاد على مطالبة الحزب بمراعاة الظروف السياسية التي يمر بها لبنان وعدم قدرته على تحمل مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل.
ويبدو أن حالة الحذر والخوف من اندلاع حرب تسللت بقوة إلى بيئة الحزب لا سيما في القرى الجنوبية حيث غصت الطرقات المؤدية إلى بيروت بسيارات النازحين الذين غادروا منازلهم متوجهين إلى صيدا وبيروت وبعض القرى البقاعية.
“عزلة” سياسية
ويجمع المحللون بأن اتساع المواقف الرافضة في لبنان لأي مغامرة عسكرية قد يقدم عليها “حزب الله” تقلقه، لا سيما أنه لم يسبق أن وجد نفسه سابقاً في “عزلة” سياسية كالتي يواجهها بهذا الظرف، في ظل غياب حد أدنى من التأييد من الطوائف اللبنانية.
وكان لافتاً موقف الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي طالب “حزب الله” ضبط الجنوب أكثر من أي وقت مضى، منتقداً تصريحات قادة الحزب عن أنه “آن الأوان لزوال إسرائيل”، وقبله كان هناك مواقف واضحة من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي رفض “توريط اللبنانيين بتحمّل ما ليس بطاقتِهم، بعد كل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها”.
في حين لم يصدر موقف علني عن “التيار الوطني الحر” الحليف الاستراتيجي للحزب، إلا أن مصادر أكدت أن التيار يرفض أن يتفرد أي فريق لبناني بقرار الحرب والسلم في البلاد، إلا أنه اعتبر “أن من حق الحزب الدفاع عن لبنان” في حال تعرض لهجوم إسرائيلي.
وحدة الساحات
وفي السياق رفض القيادي في حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سليم الصايغ، “مبدأ توحيد الساحات واستعمال لبنان كساحة أو منصة لتحرير فلسطين في ظل غياب رئيس للجمهورية الذي يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة”، لافتاً إلى أنه “في حال أراد الحزب مساعدة الفلسطينيين، عليه الذهاب إلى غزة والقتال معهم من هناك وعدم جر لبنان إلى مزيد من المآسي”.
بدورها رفضت “كتلة تجدد” النيابية إقحام لبنان في معادلة “وحدة الساحات”، مؤكدة على “الوقوف الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله لتحقيق هذه الأهداف المشروعة”، مشددة على “ضرورة إبعاد لبنان المنهك بالأزمات والفساد وتفكك دولته ومؤسساته عن هذا الصراع، إذ لم يعد للبنانيين قدرة على تحمل أوزار الحرب ودمار ما تبقى من بنى تحتية في بلدهم”، وترفض الكتلة بالتالي رفضاً قاطعاً أن يقحم “حزب الله” لبنان بالمباشر أو بالواسطة، في معادلة “وحدة الساحات، التي تدار من إيران الساعية إلى بسط نفوذها على حساب لبنان وفلسطين والعراق واليمن وسوريا والعالم العربي برمته، في حين عاصمة المركز في هذه المعادلة، أي إيران، لم تدخل يوماً في أي مواجهة مع إسرائيل”.
ولم تقتصر المواقف الرافضة لجر لبنان إلى مواجهة مع إسرائيل على مستوى المواقف السياسية، إنما اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصل الرفض إلى حد التهديد بمنع النازحين من مناطق “حزب الله” من اللجوء والاحتماء في مناطق أخرى كما حصل في حرب يوليو (تموز) 2006 حيث فتح اللبنانيون حينها بيوتهم لأهالي المناطق التي تتعرض للقصف الإسرائيلي.
ورأى البعض أن “الحزب ينفذ أجندة الإيرانية غير عابئ بمصالح اللبنانيين وما يعانونه من تزامن أزمات سياسية واقتصادية وأمنية”.
“رسالة نارية”
في المقابل وصف عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم أن “مساحة الصراع مع إسرائيل مفتوحة على مساحة الوطن العربي والأساس فيه احتلاله”، لافتاً إلى أن ما حصل في غزة ليس عملية عادية إنما نسخة جديدة وتطوّر نوعي عن حرب أكتوبر (تشرين الأول) الـ 1973.
ورأى أن ما حصل في الجنوب “رسالة نارية تضامنية” من لبنان مع الشعب الفلسطيني، وقال “صحيح إن لبنان لا يحتمل أي حرب في ظل الأزمة القائمة، ولكن يجب أن نكون واقعيين في التعامل مع إسرائيل”، مضيفاً بأن “قرار فتح الجبهة مع إسرائيل مرتبط بتقديرات المقاومة والتطورات الميدانية”.
الخطوط الحمراء
ويرى المحلل السياسي المقرّب من “حزب الله” فيصل عبد الساتر، أن تدخل “حزب الله” مرهون بالتطورات الميدانية ومدى التزام إسرائيل بعدم تجاوز الخطوط الحمراء، “يعني أن يكون هناك اجتياح بري للدخول إلى قطاع غزة، فهو حكماً لن يكون فيها على الحياد، وبالتالي الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات”.
ورفض مطالب بعض القوى السياسية بالنأي عن النفس والوقوف على حياد، معتبراً أن لبنان هو جزء مما يحدث في المنطقة.
وعن جهوزية “حزب الله” لخوض حرب شاملة مع إسرائيل، اعتبر عبد الساتر أن “الحزب يدعو الله بأن تكون اللحظة أقرب من أي وقت مضى، كونه بأقصى درجات التأهب والاستعداد للحرب الكبرى”.
عائدات النفط والغاز
من ناحيته رأى الناشط السياسي المحامي أمين بشير، أن اللبنانيين غير مستعدين للنزوح أو فقدان منازلهم جراء حرب لا تصب بمصلحتهم إذ سيتحولون إلى وقود لأجندات خارجية، مطالباً الجميع بالضغط على الحكومة اللبنانية لتحمل مسؤولياتها.
وأكد أن دخول “حزب الله” بالحرب سيجلب الويلات والدمار للبنان، موضحاً بأن الشعب اللبناني بمختلف أطيافه يتضامن مع القضية الفلسطينية لكنه لا يريد الدخول بالحرب، مشيراً إلى أنه وعلى رغم من التوترات على الحدود، لا مصلحة لإسرائيل أو “حزب الله” الانخراط بحرب وإجهاض نتائج الترسيم البحري وعائدات استخراج الغاز من البحر الأبيض المتوسط.
ووصف المناوشات الجارية على الحدود بمحاولات “تسجيل المواقف وحفظ ماء الوجه أمام القواعد، بعد الخطابات المتكررة من القيادات بالوقوف وراء المقاومة في غزة، التي تبين أنها مجرد شعارات”.
اللعب على حافة الهاوية
ويستبعد المحلل السياسي علي الأمين، أن تتطور الاشتباكات بين “حزب الله” وإسرائيل إلى حرب شاملة، إذ من مصلحة الطرفين الحفاظ على الاستقرار مع إعطاء مجال لحفظ ماء الوجه أمام القواعد الشعبية، لافتاً إلى أن الحزب يستخدم “التوتير المضبوط” مع إسرائيل لتوجيه رسائل دعم معنوية لبيئته والفصائل الفلسطينية.
وبرأيه هناك غض نظر وإعطاء مساحة للحزب ضمن قواعد الخطوط الحمر، بالتصرف الميداني بما لا يشكل تهديداً خطيراً، والأمر نفسه بالنسبة لإسرائيل التي لا ترغب بفتح جبهتين في الوقت نفسه.
ويشير إلى أن القرار الإيراني حتى الساعة يقضي بعدم الدخول في الحرب، وبالتالي الحزب سيلتزم بهذا القرار، لافتاً إلى أن التصريحات الأميركية التي ترفض إدانة إيران بعملية “طوفان الأقصى”، معتبراً أن “الحزب سيستفيد باللعب على حافة الهاوية من دون التورط بحرب شاملة مع إسرائيل”.
المصدر: اندبندنت عربية