يخلق تصعيد النظام السوري المتواصل على محافظة إدلب ومحيطها، شمال غربي سورية، واقعاً استثنائياً في مناح عدة، لا سيما على صعيد القطاع الطبي والصحي في المحافظة، مع ارتفاع حالات الإصابة جراء القصف المتواصل باستخدام الطيران والمدفعية وراجمات الصواريخ.
وارتفعت حصيلة القصف إلى أكثر من 49 قتيلا، بالإضافة لحوالي 279 مصابا معظمهم من النساء والأطفال، ما جعل “مديرية صحة إدلب” التابعة للمعارضة السورية تعلن عن خطة طوارئ للتعامل مع الوضع القائم حاليا جراء التطورات.
وقالت مديرية صحة إدلب في بيان، يوم السبت، إن “منشآتنا الصحية تستجيب بأقصى طاقتها لمصابي القصف، حيث تعمل المديرية بالتعاون مع الشركاء لتزويد المشافي بما تحتاجه من أدوية ومستهلكات ضرورية لاستمرار عملها في إسعاف المصابين”، مضيفة: “تم التعميم على المنشآت الصحية، وخاصة الموجودة في المناطق المستهدفة، للعمل بخطة الطوارئ وإيقاف استقبال الحالات الباردة وتركيز الجهد على الخدمات الاسعافية”.
وتقضي خطة الطوارئ، وفق ما أعلنت المديرية، بأن يتم تجهيز أقسام الإسعاف وغرف العمليات والعنايات في المشافي والمنشآت والمراكز الصحية، لاستقبال جميع الحالات التي ترد إليها نتيجة القصف.
كما أوقفت المديرية عمل العيادات الخارجية التي تستقبل الحالات الباردة، وعلقت كذلك عمل الكوادر الإدارية للقطاع الصحي، وقالت في تعميم: “حفاظا على سلامة الكوادر وتجنبا للتجمعات والازدحام، يعلق الدوام للكوادر الإدارية في مراكز الرعاية الأولية والتي طبيعة دوامها لا تتعلق بحالات الطوارئ”، وطلبت كذلك من “الكوادر الطبية التوجه إلى المشافي القريبة”، مع “استمرار العمل في أقسام الإسعاف في مراكز الرعاية الأولية في حال توفرها”.
وقصد “العربي الجديد” مديرية صحة إدلب للحديث إلى مديرها الطبيب زهير قراط، للسؤال عن الوضع الطبي الطارئ في إدلب ومحيطها، لكن القراط كان في مشفى إدلب الجراحي يجري بعض العمليات لمصابين جراء القصف، وذلك بسبب الحاجة الملحة للأطباء، وعقب انتهائه، قال لـ”العربي الجديد” إنه “لليوم الرابع، يستمر التصعيد والقصف في شمال غرب سورية، وإدلب تحديداً”، مضيفا أن “تعليق العمل في القطاع الصحي للتعامل مع الحالات الباردة يأتي نتيجة تخفيف الضغط على المشافي والمراكز وعدم حدوث تجمعات كبيرة، علما أن هذا التعليق شمل بعض المناطق التي تتعرض للقصف وليس كل مناطق المحافظة البعيدة عن القصف نوعا ما، فهناك لا تزال الخدمات الصحية كاملة لاستقبال كل الحالات من معاينات وغيرها تلبية لحاجة السكان للخدمات الطبية”.
وحول توفر الإمكانيات في المشافي والمراكز الصحية، من معدات وأدوية وتجهيزات بالإضافة إلى الكوادر، أشار قراط إلى أنه “لا يزال الوضع ضمن السيطرة، فلا زلنا قادرين حتى الآن على استيعاب الحالات التي ترد إلى المشافي، لكن لدينا بعض النقص في الأدوية والمستهلكات الطبية والمعدات العظمية، وتم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بهذه الاحتياجات، وسيقومون بتوفير المستلزمات للمشافي والمراكز التي تستقبل الإصابات بحسب ما بلغنا منهم، لكن في حال استمرار وتصاعد وتيرة العنف، فقد نضطر لإنشاء نقاط ميدانية طبية، أو تفعيل منشآت إضافية وغرف عمليات ونقاط إسعاف للقدرة على الاستيعاب”.
وطاول القصف حوالي أربعة مشافي في إدلب، بالإضافة لمركزين للدفاع المدني، إذ يركز القصف على التجمعات ومنع المصابين من الوصول إلى المشافي بعد قصف أولي على الأحياء والمراكز السكنية.
من جهته، يقول الطبيب عادل الدغيم، وهو مدير مشفى إدلب المركزي التابع للمنظمة الطبية السورية – الأميركية “سامز”، إنه نتيجة للوضع الحالي، تم توقيف أقسام العيادات الخارجية والعمليات البادرة في المشفى، وتفعيل أكبر لقسمي الإسعاف والعمليات الجراحية للحالات الواردة نتيجة القصف، للتمكن من استقبال الحالات الكثيرة التي ترد إلى المشفى متأثرة بالقصف.
ولفت الدغيم، الذي تحدث لـ”العربي الجديد” في قسم الجراحة العامة بالمشفى، إلى أن “الإمكانيات في المشفى أضعف في الوقت الحالي مقارنة بحجم الضغط الحالي، فالقصف لا يكاد يتوقف على المحافظة ومحيطها، لا سيما مدينة إدلب، مركز المحافظة الذي يشهد اكتظاظا سكانيا نتيجة كثرة النازحين بالإضافة للسكان المحليين”.
وأكد الدغيم أنه “إذا استمر القصف عدة أيام أخرى، فسوف نعاني من نقص في المستلزمات، وشح في المواد الطبية اللازمة للاستجابة، لا سيما أدوية التخدير والمستلزمات الإسعافية، فنحن نتعامل يوميا مع حالات كثيرة ومتنوعة تستلزم الكثير من المستهلكات الطبية”.
وحول أسرة العناية المركزة في المشفى، أشار إلى أن “هناك فقط عشرة أسرة للعناية المركزة، وهي تختص بالأقسام الداخلية والجراحة العامة، لذلك نعمد على تحويل الحالات التي تحتاج إلى عناية مركزة إلى مشاف أخرى، لكي يتسنى لنا استقبال عدد أكبر من الحالات في المشفى هنا”.
وفعّلت بعض المنظمات الإغاثية والتنموية، التي تهتم بالشأن الصحي، عيادات متنقلة لمواكبة حالة النازحين، مع تزايد حالات النزوح نتيجة القصف، وأرسلت إلى بعض المخيمات وأماكن النزوح عيادات متنقلة لإجراء الفحوصات والمعاينات، لا سيما للأطفال والنساء وكبار السن، الذين يعدون عرضة للأمراض مع انخفاض الحرارة مع بداية دخول الشتاء.
جمعية عطاء الإغاثية، العاملة في شمال غرب سورية، أرسلت عيادة متنقلة إلى أحد مراكز الإيواء المستحدثة شمال إدلب لاستيعاب النازحين، ويقول طبيب العيادة فداء الحامض إنه “نتيجة التصعيد، هناك موجة نزوح كبيرة إلى شمال المحافظة، وهدفنا في العيادات المتنقلة تخفيف الضغط على المرافق الطبية التي تستقبل حالات القصف، وتقديم الرعاية الأولية للنازحين من فحص طبي وأدوية بالإضافة إلى أدوية الأمراض المزمنة، وكل هذه الخدمات بشكل مجاني”.
وأشار الحامض إلى أن “هناك نقصا كبيرا في الأدوية، خاصة حليب الأطفال، أي الأطفال النازحين الذين خرج بهم أهاليهم تحت القصف”، مشيرا إلى تحويل الكثير من الحالات التي تجرى معاينتها إلى المشافي لكونها تحتاج رعاية أكبر من تلك التي تقدمها العيادة المتنقلة.
ويأتي التصعيد الحالي على إدلب ومحيطها بعد حادثة مقتل عدد كبير من ضباط النظام أثناء حفل تخرجهم في الكلية الحربية في حمص، ووجه النظام اتهامه للمعارضة باستهداف الحفل، لكن إلى الآن لم يثبت استهداف المعارضة للكلية، ولا يزال الهجوم غامضا.
المصدر: العربي الجديد