بعد ساعات على هجوم “كزيلاي” الإرهابي صباح الأحد المنصرم والذي استهدف مبنى المديرية العامة للأمن بوزارة الداخلية التركية في أنقرة كشفت التحقيقات عن وقوف “حزب العمال الكردستاني” وراء هذا العمل، وذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفاد صبر تركيا ملوحا بالتحرك العسكري الواسع ضد مواقع هذه المجموعات في سوريا والعراق.
ما قاله وزير الخارجية التركي هاقان فيدان كان أكثر وضوحا ربما “الإرهابيان دخلا تركيا من الأراضي السورية وتلقيا تدريبات فيها.. جميع البنى التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة التابعة لتنظيم بي كي كي الإرهابي في سوريا والعراق باتت من الآن فصاعدا أهدافا مشروعة لقواتنا الأمنية والعسكرية والاستخبارية”.
تطورات ومؤشرات قد تساعد في الإجابة على أكثر من سؤال يتقدمه من المستفيد من اشتعال الجبهات السورية والعراقية على هذا النحو وبينها:
– انطلاق التحرك العسكري التركي باتجاه مواقع حزب العمال على شكل غارات متواصلة طيلة الأيام الماضية وزاد عددها حتى اللحظة عن الثمانين غارة في قنديل وسنجار ومحيط السليمانية.
– تفعيل عمليات المداهمة والتوقيف في العديد من المدن التركية ضد خلايا نائمة للتنظيم الإرهابي أسفرت عن اعتقال العشرات، والعثور على كميات كبيرة من الأسلحة وأدوات التخريب.
– وصول وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي إلى أنقرة بدعوة من نظيره التركي يشار غولار في محاولة لإقناع الأتراك بالتخلي عن عملية برية جدية واسعة النطاق في إقليم كردستان، وبحث سبل طرح بدائل وخطط جديدة ترضي تركيا وتعطيها ما تريد في حربها مع الإرهاب هناك.
– انعقاد اجتماع أمني – عسكري في مقر وزارة الدفاع التركية شارك فيه وزراء الدفاع والداخلية والخارجية، إضافة إلى رئيسي هيئة الأركان العامة وجهاز الاستخبارات، أعقبها خطوات انطلاق العمليات الجوية ضد مواقع حزب العمال في سوريا والعراق وقرار توسيع رقعة العمليات العسكرية التركية وسط تحليلات تركية تقول إن الرد سيصل إلى العمق السوري والعراقي، وحيثما تواجدت مواقع حزب العمال وقسد وغيرها.
– دخول هجوم حمص الذي استهدف حفل تخريج في المدرسة الحربية التابعة للنظام على الخط بشكل مفاجئ، ليلفت الأنظار نحو مكان آخر ويفجر جبهات قتالية ساكنة بطريقة مدروسة ومعدة جيدا.
– مجاهرة بافل طالباني “المناور الملك” الذي ينسق مع أميركا وإيران وبغداد على السواء جامعا التناقضات في ساحة السليمانية لمواجهة أنقرة وأربيل في الآونة الأخيرة، وبعد اجتماع حزبه الأخير بتحركات التنسيق العسكري مع قسد وفتح أبواب شمال العراق أمامها لمنح مجموعات حزب العمال المنتشرة في مناطق نفوذه المزيد من المشروعية والتوسع على مرأى ومسمع الجميع. ثم رفع مستوى الجهوزية والتدريبات القتالية باستخدام المسيرات والمظلات والتكنولوجيا العسكرية المتطورة وتسهيل تنقلات قيادات قسد عبر مطار السليمانية إلى الخارج، بعد تفعيل تفاهمات تمت خلال زيارة زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في كانون الأول 2022 إلى الحسكة للقاء مظلوم عبدي الذي قام بعملية رد الزيارة مع كوادره قبل أشهر.
كنا نتحدث عن رد تركي قريب على أكثر من جبهة ضد حزب العمال وعناصره حتى ولو كانت تحتمي بقوات التحالف الدولي وورقة داعش، فجاء خبر إسقاط قوات التحالف الدولي لمسيرة تقول إنها تركية في حين رفضت أنقرة أن يكون لها أي علاقة بها. تواصل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن سريعا مع نظيره التركي يشار غولار للحؤول دون المزيد من التوتر والتصعيد بين أنقرة وواشنطن، كما بحث رئيس هيئة الأركان التركي الجنرال متين غوراك، مع نظيره الأميركي الجنرال تشارلز براون، التطورات الراهنة في اتصال مماثل.
تمرير الرسائل العسكرية والأمنية كان صعبا على الطرفين حتما وسط كل هذا التوتر والتصعيد السياسي، حتى ولو تحدث أوستن عن عزم بلاده العمل مع تركيا من أجل ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وأكد الوزير غولار استعداد تركيا لمكافحة داعش بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
سقط العديد من الإصابات في صفوف القوات التركية المتواجدة في ريفي إدلب وحلب إثر استهدافها من قبل قوات النظام و”قوات سوريا الديمقراطية”. وحيدت القوات التركية عشرات المسلحين المحسوبين على قسد ووحدات الحماية ردا على استهداف مواقع عسكرية تركية من قبل هذه المجموعات.
بالمقابل أعلنت واشنطن التي أسقطت المسيرة التركية “كإجراء مناسب لحماية القوات الأميركية في سوريا”، تمسكها بالوقوف إلى جانب تركيا في حربها ضد التنظيمات الإرهابية، وهي تقر بهواجس تركيا الأمنية المشروعة.
لم تشأ تركيا تكبير مسألة إسقاط مسيرتها حتى ولو تحدثت واشنطن عن تدبير احتياطي أدى إلى هذه النتيجة رغم عدم رغبتها في وقوعها. لكن السؤال بعد هذه التطورات في غاية البساطة: هل تستطيع القوات التركية مهاجمة مناطق يرفع فيها العلم الأميركي في سوريا؟ الإجابة ليست معقدة أيضا: إذا كانت بعض المجموعات التي تحاول الاحتماء بالعلم هي إرهابية حسب التوصيف التركي فلن تتردد أنقرة كثيرا والدليل أنها واصلت استهداف هذه المجموعات في شمالي سوريا.
سؤال آخر يتعلق بالموضوع ذاته: هل تبتعد القوات الأميركية عن المواقع التي تستهدفها القوات التركية بعدما دعت أنقرة الطرف الثالث ليكون خارج دائرة الأهداف هناك؟ هذا يعود لواشنطن ومدى رغبتها في مواصلة الدفاع عن مصالحها حتى ولو وجدت نفسها وسط مواجهة عسكرية مباشرة مع القوات التركية.
تستفيد طهران أكثر من غيرها عندما تتحرك قوات النظام ومجموعات “قسد” والمقاتلات الروسية لاستهداف الفصائل السورية والقوات التركية المتواجدة في منطقة إدلب وجوارها. وتستفيد أيضا من التوتر والتصعيد التركي الأميركي على أكثر من جبهة واتساع فجوة العلاقة بينهما أكثر فأكثر. المستفيد الثاني هو قسد وشركاؤها في سوريا. بينما يعتبر النظام المستفيد الثالث هو ومن يدعمه إقليميا.
لماذا لا تتوحد مصالح قسد وبشار الأسد في سوريا ضد تركيا إذا؟ هجوم “كزيلاي” صنيعة حزب العمال وامتداداته هو أبعد من التخطيط لعملية إرهابية تستهدف أجهزة الأمن التركية أو تمرير رسالة سياسية مرتبطة بانطلاق أعمال دورة البرلمان. إقحام حمص في المعادلات الجديدة محاولة تقريب بين دمشق ومجموعات قسد وحيثما التقت المصالح والأهداف ضد تركيا.
من يخطط لعرقلة العمليات العسكرية التركية في سوريا والعراق ضد مواقع حزب العمال، هو نفسه الذي يخطط لتوحيد مواقف النظام في دمشق ومجموعات قوات سوريا الديمقراطية. سيناريو يذكرنا بحالات مشابهة في المشهد العراقي أيضا. من قرب بين فصائل أهل الحق وحزب العمال وقسد في شمال العراق هو الذي يريد تكرار التجربة في سوريا اليوم.
المتضرر هو المنزعج من تفاهمات تركية إقليمية تتعارض مع مصالحه في سوريا والعراق والقوقاز ونتيجة التقارب التركي الصيني والتركي الروسي، والفرح لتدهور العلاقات التركية الأميركية والتركية الأوروبية وعلينا أن نبحث عنه بين سطور المواقف والرسائل التي يوجهها منذ أيام.
المحرك في حمص هو من شعر أن بين أهداف تركيا اليوم إسقاط مشروع ربط الجغرافيا السورية والعراقية بمشروع أمني وسياسي واقتصادي انفصالي جديد، يوفر له تحقيق حلمه القديم بتغيير الخارطة على طريقته والوصول إلى سواحل البحر المتوسط.
وسعت أنقرة دائرة عملياتها خارج حدود اتفاقياتها وبروتوكولاتها مع دمشق وبغداد. وهي تعلن عن تدمير عشرات الأهداف العسكرية والحيوية لمجموعات حزب العمال وقسد في شمالي سوريا، بما يتماشى مع حقها المشروع بالدفاع عن النفس النابع من المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، من أجل القضاء على الهجمات الإرهابية وضمان أمنها. لا حدود للعمليات العسكرية التركية كما نفهم والسبب إلى جانب إسقاط ورقة الإرهاب هو إسكات المجموعات الإرهابية ومحاولات تحريك الأقليات والجغرافيا والتحالفات العرقية والمذهبية كلها دفعة واحدة ضد تركيا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا