من شأن فتح ممر إنساني منخفض التكلفة من جنوب سوريا نحو الأردن أن يقطع شوطاً طويلاً نحو دعم الدروز ومنع الأسد من محاصرتهم وتجويعهم.
في 20 آب/أغسطس، تحركت أغلبية من الأقلية الدرزية التي كانت هادئة سابقاً في سوريا نحو تمرد علني. وانتشر آلاف المتظاهرين في الساحة الرئيسية في عاصمة محافظة السويداء وفي معظم البلدات والقرى الدرزية، ورددوا شعارات تطالب بإسقاط الحكومة ودمروا تماثيل بشار الأسد ومزقوا صوره المرفوعة على اللوحات الإعلانية، كما رددت الحشود في يوم عيد ميلاد الأسد، في 11 أيلول/سبتمبر هتاف: “سنراك في لاهاي” (في إشارة إلى محاكمته بتهم جرائم حرب في المستقبل).
وبذلك، أصبح الدروز أوّل أقلية في النسيج الطائفي المعقّد في سوريا تطالب بإسقاط الأسد.
وشكل دروز سوريا ما يقرب من ثلاثة في المئة من سكان البلاد قبل اندلاع الحرب الأهلية، وهم متركزين في محافظة واحدة في جنوب غرب البلاد، هي محافظة السويداء (التي سمّيت على اسم أكبر مدنها)، والمعروفة تاريخياً باسم جبل الدروز. ويقدَّر عدد سكانها حالياً بحوالي نصف مليون نسمة بعد أن كان 770 ألف نسمة عند اندلاع الحرب الأهلية في آذار/مارس 2011.
ولطالما كان دروز سوريا موالين لحزب “البعث” السوري الحاكم، وأثار الطابع الجهادي الذي اتخذه على نحو متزايد التمرد المسلح السنّي بأغلبه، قلق الدروز بشدة. وبالنسبة لهم، شكّل سقوط النظام البعثي احتمال مواجهة حكومة إسلامية متطرفة، وبالتالي اختاروا البقاء على الحياد من خلال عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية والامتناع عن بدء المواجهة. إلا أن ثورة أواخر آب/أغسطس من هذا العام شكّلت خروجاً دراماتيكياً عن هذا الحياد نحو ما قد يكون انفصالاً نهائياً عن النظام.
مخاوف الدروز
أدت خيبة أمل الدروز من الأسد، وشكوكهم من الميليشيات المدعومة من إيران و”حزب الله” المتمركزة على أطراف منطقتهم، والصعوبات الاقتصادية المتزايدة إلى تأجيج نيران الثورة. وفي الأوساط الدرزية السورية، يدور حالياً نقاش علني حول “الحكم الذاتي”، على سبيل المثال استبدال المكاتب والخدمات الحكومية بهيئات درزية بديلة محلية.
ومن المثير للاهتمام أن من أوائل الذين دافعوا عن الحكم الذاتي الدرزي هو العميد السوري المتقاعد نايف العاقل، الذي يعتبره نظام الأسد بطل حرب لأنه رفع، كما ادُّعي، العلم السوري على قمة منشأة المخابرات الإسرائيلية في جبل الشيخ التي استولى عليها الجيش السوري لفترة وجيزة في حرب عام 1973. وخلال الأسبوع الثاني من الاحتجاج في آب/أغسطس، رفض (الزعيم الروحي) شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، اقتراحه بإنشاء مجلس جديد يتألف من جميع الفصائل الدرزية لإدارة المحافظة. ومع ذلك، لا تزال فكرة المطالبة بشكل من أشكال الحكم الذاتي تحظى بالدعم.
وبحلول أوائل أيلول/سبتمبر، كان الشيخ الهجري يعلن عبر شريط فيديو عن “الجهاد” ضد ميليشيات إيران و”حزب الله” التي وصفها بـ”المحتلّين”. وهاجم أيضاً حزب “البعث” الحاكم واستنكر مقتل ثلاثة متظاهرين أمام مكاتب الحزب في السويداء. وقدم الهجري مباركته للمحتجين وحثهم على التمسك بمطالبهم. (تجدر الإشارة إلى أن أحد الزعيمين الروحيين الدرزيين السوريين الآخرين، وهو الشيخ جربوع، لا يزال يقف إلى جانب الأسد، مع أن عدد أتباعه أقل بكثير).
وبدأت مجموعات درزية مسلحة مختلفة في السويداء بتسيير دوريات في المحافظة، وتجنيد متطوعين يأتون تحديداً من صفوف الجنود العشرين ألف المنشقين عن جيش الأسد، وأبرزهم حركة “رجال الكرامة” التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس في عام 2012، والذي اغتاله عملاء الأسد في عام 2015. ورُفعت في كلّ تجمّع وبشكل بارز صور سلطان باشا الأطرش، قائد تمرد الدروز ضد الفرنسيين في عشرينيات القرن الماضي. وفي هذا الإطار، يتضاءل عدد الميليشيات الدرزية الموالية للنظام بشكل مطرد، على الرغم من أن بعض العشائر المحلية تتعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة للأسد لعرقلة الاحتجاجات، ولا يزال عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام يعتمدون على الرواتب الحكومية المتأثرة بالتضخم المتصاعد وتسارع انخفاض قيمة العملة.
وعلى الرغم مما شهدته محافظة درعا المجاورة المتاخمة لإسرائيل من تاريخ حافل من الاحتكاك بين الدروز والعرب السنّة، قام بعض الزعماء السنة من درعا مؤخراً بزيارة السويداء للتعبير عن دعمهم. وتم تنظيم مظاهرات صغيرة النطاق في عدة بلدات في محافظة درعا (المعروفة تاريخياً بمنطقة حوران). وفي هذه المحافظة يتكثف التواجد العسكري مقارنة مع المحافظات الأخرى وتتكرر فيها المناوشات بين الشبكات السرية للمتمردين السابقين وعناصر الأمن السوريين.
وقد دفعت هذه الأوضاع، فضلاً عن التهريب الهائل للمخدرات، بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى التعليق مؤخراً بأنه غير متأكد ما إذا كان الأسد يتولى المسؤولية الكاملة عن المناطق الخاضعة اسمياً لسيطرته. وفي خطوة غير مسبوقة، دعا مؤخراً اللواء الأردني المتقاعد، مأمون أبو نوار، وبشكل علني، الأردن إلى إنشاء حزام أمني بطول خمسة كيلومترات على الحدود بين الأردن وسوريا داخل سوريا.
ولا يزال نظام الأسد يحجم حتى الآن عن استخدام القوة النارية لقمع الاحتجاجات الدرزية، محاولاً بدء الحوار، واستخدام التهديدات بقطع الإمدادات وغير ذلك من وسائل الضغط. ومن جانبهم، يتجنب الدروز رفع السلاح في وجه الجنود السوريين أو مهاجمتهم.
كيفية عدم التخلي عن دروز سوريا؟
هل هناك طريقة مقبولة سياسياً لمساعدة الدروز ومنع النظام من إعادة احتلال جبل الدروز بالعنف؟
الجواب نعم. وهذا سيتطلب من الأردن فتح ممر إنساني قصير عبر قرية “العانات” الواقعة في أقصى جنوب المنطقة الدرزية، على بعد أقل من ثلاثة كيلومترات من الحدود بين سوريا والأردن، ومن هناك تستطيع الشاحنات الدرزية إيصال الإمدادات عبر طريق يمتد على مسافة 55 كيلومتراً نحو الشمال. وتجدر الإشارة إلى أن الدروز كانوا يبحثون سراً عن ممر ليتخلصوا من اعتمادهم على دمشق. وينطوي هذا الاعتماد بشكل أساسي على تسليم الطحين والوقود، ويخدم تهديدات الأسد بتجويع المحافظة.
هناك سجل طويل من التقارب بين الهاشميين والدروز (وزير الخارجية الأردني الحالي هو عضو في الطائفة الدرزية القوية في ذلك البلد والتي يبلغ عدد أبنائها حوالي 35 ألف نسمة). ولكن العاهل الأردني متردد في التدخل بنفسه في الصراع الداخلي في سوريا، مفضلاً التمسك بالأمل في توقف تدفق المخدرات (الأمفيتامين “الكبتاجون”) والأسلحة من سوريا إلى الأردن بطريقة أو بأخرى. ولكن هذا الموقف الأردني لا يمنع الأسد وحلفائه من إلقاء اللوم على الأردن وتحميله مسؤولية إثارة المشاكل بين الدروز. فعلى سبيل المثال، في 9 أيلول/سبتمبر وجّهت صحيفة “الأخبار” الناطقة بلسان “حزب الله” تحذيراً صريحاً إلى الأردن من “المضي قدماً في تأمين الظروف التي تمنع الدولة السورية من استعادة سيطرتها الكاملة” على الأجزاء الجنوبية من البلاد.
ولم تتخذ إدارة بايدن سوى خطوات متواضعة بشأن التمرد الدرزي، وتمثّلت هذه بالإعراب عن مخاوفها بعد مقتل المتظاهرين في السويداء، والسماح لقائد “الجيش السوري الحر” في منطقة التنف الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة، فريد القاسم، بإعلان دعمه للدروز. كما أجرى عضو مجلس النواب الأمريكي من الحزب الجمهوري، فرينش هيل، محادثة هاتفية مع الشيخ الهجري، قبل أن يتصل نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إيثان غولدريتش بالهجري أيضاً.
ويتطلب إنشاء ممر للدروز إجماعاً واسعاً بين الدول الغربية ودول الخليج العربي، التي علّقت حالياً عملية التطبيع مع الأسد. ولكن من المؤسف أن احتمالات سماح روسيا بإصدار قرار بهذا الشأن في مجلس الأمن الدولي ضئيلة للغاية.
ولن تكون تكلفة هذه العملية مرتفعة مقارنة بالممرات الإنسانية العاملة حالياً في شمال سوريا. ويمكن تطويرها على مراحل، وربما تشمل في نهاية المطاف، إذا لزم الأمر، تزويد الدروز بالأسلحة للدفاع عن أراضيهم. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنه خلال هجوم تنظيم “الدولة الإسلامية” على محافظة السويداء في عام 2018، أظهر الدروز قدرة على جمع حوالي 50 ألف رجل من الميليشيات بين عشية وضحاها تقريباً.
وأخيراً، من الواضح أن تشغيل الممر سيتطلب مظلة عسكرية لتأمين الشحنات الإنسانية. ومن غير المرجح أن يكلّف الرئيس الروسي بوتين ما تبقّى من قواته الجوية في سوريا بإحباط هذا المسعى، الأمر الذي سيتطلب وجوداً متواضعاً لبعض الطائرات الأمريكية والأردنية، والإسرائيلية (إذا لزم الأمر)، التي تقوم أساساً بدوريات في المنطقة. ويجدر بالذكر أن الدروز قادرون على حماية الطريق ميدانياً بما أن الأسد لا ينشر سوى عدد صغير من القوّات في المناطق المجاورة.
وكما اقتُرِح في مقال سابق في “منبر القدس الاستراتيجي”، من الضروري اتخاذ موقف أكثر استباقية للتعامل مع اختلال محور الأسد-إيران. ولا ينبغي ترك التمرد الدرزي لمصيره.
إيهود يعاري هو “زميل ليفر الدولي” في معهد واشنطن وكبير المعلقين لشؤون الشرق الأوسط في “القناة 12” التلفزيونية الإسرائيلية.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى