عن رحيل حافظ الأسد: التمهيد للوريث الأكبر والانتقال إلى الوريث الثاني

حامد الكناني

تقرير استشرافي سري مرسل من قبل السفارة البريطانية في دمشق يستعرض سيناريوهات محتملة لخلافة الرئيس السوري السابق.

يتحدث تقرير استشرافي سري مرسل من قبل السفارة البريطانية في دمشق إلى مرجعيتها في لندن (وزارة الخارجية والكومنولث إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا) في فبراير 1993 عن دراسة استشرافية وسيناريوهات محتملة الحدوث في سوريا في حال غياب الرئيس السوري حافظ الأسد بعد تدهور حالته الصحية، نهاية عام 1992، حيث تزايدت التسريبات وكثرت الإشاعات حول قرب رحيل الرئيس وكثر الحديث بين العامة والخاصة عن خليفته.

فترة ما قبل الخلافة

جاء في الصفحة الأولى من التقرير الاستشرافي البريطاني ما نصه: “عاش الأسد” هو الشعار الذي يمكن رؤيته مرفوعاً على التلال المطلة على المعسكرات العسكرية السورية التي لا تعدّ ولا تحصى، بصرف النظر عن عدم جدواه، يحتوي الشعار على غموض غير مقصود، يتحدث عن أي أسد؟ كما يشاع حول الحالة الصحية للرئيس، فإن ابنه باسل وشقيقه الأصغر رفعت هما من المرشحين الرئيسيين لخلافته، يدرس هذا التقرير كيف يمكن أن تتطور الأحداث، شهد العام الماضي عودة رفعت وبذل جهود أكبر لرعاية باسل وتقارير موثوقة عن اعتلال صحة الرئيس. التسريبات تشير إلى أنه كان يعاني من مشكلات في القلب في ديسمبر (كانون الأول) 1992، هناك أيضاً أدلة على أن جدوله الزمني قد تم تخفيفه، نحن الآن في فترة ما قبل الخلافة، إذا مات الأسد فجأة، سيصبح (عبد الحليم) خدام، بموجب الدستور، رئيساً بالوكالة. يجب إجراء استفتاء لرئيس جديد في غضون 70 يوماً. ومع ذلك، فإن الجيش هو مفتاح السلطة في سوريا، البلد الذي يثبت تاريخه أنه لا يمكن حكمه إلا بالقوة، تسيطر فرق الجيش الأربع بالقرب من دمشق على العاصمة: من يسيطر على دمشق سيسيطر في النهاية على سوريا، وبما أن الجيش يدار فعلياً من قبل العلويين، فإن السؤال المركزي هو كيف سيكون ردّ فعل جنرالات العلويين في الجيش والأمن على وفاة الأسد”.

الخوف من التآمر منع الأسد عن تعيين خليفة له

ويتحدث التقرير في صفحته الثانية عن عدم وجود خليفة للرئيس حافظ الأسد، لكن هناك دلائل تشير إلى أنه كان يعدّ نجله الأكبر باسل ليكون خليفته “لا يوجد خليفة، لا شك أن الأسد، المتآمر حتى النهاية، يهدد (نفسه ومرشحه) في حال الإعلان عن خليفة له رسمياً، ومع ذلك، هناك دلائل واضحة على أنه يسعى إلى إعداد ابنه الأكبر باسل خلفاً له. في أواخر عام 1991، أعلن الرئيس أنه من الآن فصاعداً يشار إليه باسم أبو باسل (والد باسل) وهو مؤشر ضعيف ولكنه لا لبس فيه لجمهوره المحلي، وخلال العام الماضي، تم تكليف باسل، البالغ من العمر الآن 30 سنة، ويعتقد أنه لا يزال رائداً في الحرس الرئاسي، بمسؤوليات متزايدة والتعرض للشؤون الحكومية، ويشتهر بأنه أعطي بعض المسؤوليات القيادية في الحرس الرئاسي، ويقال إن ضباطاً أمنيين وعسكريين رئيسيين يتقاعدون حتى يمكن تعيين أنصار باسل في أماكنهم، ويشترط الدستور أن يكون عمر الرئيس 40 سنة، ولكن في سوريا، يمكن تنحية ذلك جانباً، العائق الحقيقي لا يكمن في شباب باسل بقدر ما يكمن في حكم زملائه بأنه يفتقر إلى الصفات القيادية. في رأيهم، لن يكون شيئاً من دون والده، وبالتالي، لن يكون لبعض الوقت على الأقل خليفة موثوقاً به، ولكن يمكن استخدامه كواجهة لمجموعة من الجنرالات الذين يسعون إلى الشرعية”.

الشقيق الأصغر سيئ السمعة وقد يكون هو الوصي

تتحدث الفقرة الخامسة من التقرير عن رفعت الأسد الذي يصفه التقرير بسيئ السمعة. جاء في هذه الفقرة ما نصه: “أصبح الأخ الأصغر للرئيس، سيئ السمعة الذي لا يزال يبلغ من العمر 55 سنة فقط، عاملاً مهماً بعد عودته من المنفى بعد وفاة والدته في يوليو (تموز) 1992. وعلى رغم أنه لا يزال رسمياً نائباً للرئيس للشؤون الأمنية، إلا أن رفعت عومل منذ عودته على أنه شخص غير مرغوب في وسائل الإعلام السورية. ومع ذلك، فهو يجدد بنشاط اتصالاته الشخصية في جميع أنحاء النظام. كثيرون من السوريين يخشونه ولا يثقون به، لكن يعتقد أن لديه أتباعاً أقوياء بين العلويين، وعلى رغم جانبه المظلم، إلا أنه يتمتع بنوعية القيادة المهمة جداً في الشؤون العربية، مشكلته هي أنه لا يقود أي قوات وأن أولئك الذين يفعلون ذلك هم الجنرالات أنفسهم الذين منعوا محاولته الانقلابية قبل نفيه في عام 1984. يقال إن رفعت وابن أخيه باسل تربطهما علاقات شخصية جيدة. أنا لا أستبعد بأي حال من الأحوال أن حافظ، الذي يدرك أن وقته قد يكون محدوداً وأن ابنه لم يستطع بعد الحصول على دعم الجنرالات العلويين، سمح لشقيقه بالعودة حتى يكون في متناول اليد كنوع من الوصي إذا دعت الحاجة، يشك المتشائمون في أن باسل لن يتخلص من وصاية عمه”.

اللواء علي دوبا واللواء الشهابي مرشحان محتملان

“مرشح محتمل آخر هو اللواء علي دوبا رئيس الاستخبارات العسكرية. لقد كان شخصية قوية للغاية لما يقرب من عقدين. وقد يفسر ذلك “ترقيته” الأخيرة إلى منصب نائب رئيس الأركان وتقاعد ستة أو أكثر من ضباطه الرئيسيين في الاستخبارات العسكرية، ويبدو أن هذا دليل آخر على أن الرئيس يمهّد الطريق لابنه، لكن في الوقت نفسه، يضعف أحد أعداء رفعت الرئيسيين سواء كانت هذه هي النية أم لا. مرشح آخر جدير بالذكر هو اللواء الشهابي، رئيس الأركان. الشهابي سني! ويدير الجيش، الذي يستوعبه النظام، ويتمتع بمكانة شخصية كبيرة، ومع ذلك، فهو رجل مريض وبالتالي منافس غير محتمل. هناك أيضاً علي أصلان نائب العلويين والسلطة وراء العرش، وتحته يمكن أن يكون هناك عقيد طموح ينتظر في الأجنحة، وعلى استعداد للاستفادة من إحباط العديد من العلويين (حتى في الجيش) الذين لا يستفيدون من الفساد الهائل الذي يثري القلة المفضلة”.

ويطرح التقرير سيناريوهات محتملة لخلافة الرئيس حافظ الأسد ولتطور الأوضاع ما بعد رحيل الأسد. جاء في ختام التقرير ما نصه:

أ- خدام كقائم بالأعمال

لا يمكن أن يكون هذا سوى حل موقت لأن خدام ليس له أتباع في الجيش ويشعر بالاستياء الشديد من مجتمعه السني، ومن شأن وفاة الرئيس الأسد أن تؤدي إلى صراع على السلطة بين مراكز القوى الحقيقية التي لم يستطع وصول خدام أن يخفيها إلا لفترة من الزمن.

ب- تحدّ مبكر للسلطة

سيعرف منافسو العلويين الرئيسيين أن هناك علاوة على السرعة، واحد منهم على الأقل قد يقدم نفسه على الفور مع القوات الداعمة ويقدم مطالبة بالرئاسة. دمشق في هذه الظروف ستكون منطقة قاسية، من تأخر قد لا ينجو، إذا كان هناك مرشحان أو أكثر، فمن الواضح أنه ستكون هناك مواجهة ولكن هذا لن يؤدي بالضرورة إلى قتال، للعلويين تاريخ في تقويم ميزان القوى من دون عناء المعركة، بعد فترة من المناورة، سيصبح ميزان القوى بين العائلات والقبائل العلوية واضحاً وقد يكون أي قتال محدوداً في نطاقه، على الأقل في هذه الفترة الأولية، ويمكن أن يكون للمجلس الأعلى للعلويين، وهو هيئة غامضة ولكنها مؤثرة للغاية، دور رئيس في مثل هذه الظروف.

وفي ختام التقرير يأتي الحديث عن إسرائيل وتداعيات رحيل الأسد على عملية السلام في تلك الفترة:

“إسرائيل، بشكل عام، أعتقد أنه من المرجح أن يتمكن السوريون من احتواء الوضع، ومع ذلك، فإن فقدان هيبة الأسد والتوتر بين خلفائه سيضعف بالتأكيد سوريا كقوة للاستقرار في الشرق الأوسط، ستكون علامة الاستفهام الرئيسية حول عملية السلام، هل سيكون القائد الجديد قادراً على اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة؟ هل سيكون لدى الإسرائيليين أي ثقة في التعامل معه؟ هل يفضلون الانتظار حتى تستنزف القوة السورية بسبب الشقاق الداخلي؟ إن الرغبة السورية في السلام تكاد تكون عالمية، شريطة أن تكون شريفة، لا يمكن لحكومة سورية جديدة أن تطالب بأقل من الأسد، العودة الكاملة للجولان، وقد لا تكون لديها الثقة لتقديم التنازلات المضادة الواسعة التي ستكون ضرورية، لا تزال إسرائيل مكروهة وغير موثوق بها في سوريا، لقد تطلّب الأمر كل هيبة الأسد لفتح مفاوضات مباشرة معها. في النظام اللاحق، سيحتل الفصيل المتشدد دائماً مكانة عالية في الرأي العام ورأي النظام”.

وينتهي التقرير بهذه الفقرة: “من الممكن أن يثبت رفعت الأسد أنه أكثر تأييداً من غيره لعملية السلام إذا نجح في الوصول إلى السلطة، ولطالما فضّل السلام مع إسرائيل وزيادة التركيز على المشكلات الاقتصادية في سوريا، بما في ذلك نهج السوق الأكثر حرية، لديه صلات مع السعوديين الذين يحثون على الاعتدال. ومع ذلك، كان حافظ الأسد المدافع الرئيسي عن عملية السلام، والتوقع الواقعي الوحيد هو أن خسارته المبكرة ستكون نكسة خطيرة، سيضيع وقت أكثر قيمة في عملية هي بالفعل في ورطة كافية”.

مقتل الخليفة المحتمل بدل وفاة الرئيس الأسد

على عكس التكهنات والإشاعات التي انتشرت، لم يمت الرئيس حافظ الأسد عام 1993، بل قتل نجله الأكبر وخليفته المحتمل، باسل الأسد في حادث سير عام 1994، تتحدث وثيقة بريطانية أخرى تحمل تاريخ 18 مارس (آذار) 1993 عن تعافي صحة الرئيس حافظ الأسد على رغم وجود الإشاعات. جاء في الوثيقة:

‏”لقد حان الوقت لإجراء هذه المراجعة لأن الكثير في سوريا يتوقف على الرئيس ورحيله في نهاية المطاف، عاجلاً أم آجلاً، لا يمكن إلا أن يترك فجوة في هيكل السلطة التي هيمن عليها لمدة 20 عاماً، ويبدو أن صحته، التي كانت دائماً موضع تكهنات، قد تراجعت في ديسمبر لكنها تعافت منذ ذلك الحين. في الوقت الحالي لا يزال مسيطراً إلى حد كبير، في هذه المرحلة الخلافة غير مؤكدة حتماً، جميع المتسابقين في المقدمة لديهم نقاط ضعف، وعلينا أن ننتظر ونرى كيف ستتطور الأمور، وفي غضون ذلك، فإن أفضل ما يخدم مصالحنا هو أن يحافظ الأسد على سياسات سوريا الأكثر اعتدالاً في السنوات الأخيرة”.

عودة مفاجئة إلى دمشق

بعد مقتل باسل النجل الأكبر للرئيس السوري، تم استدعاء بشار الأسد إلى دمشق وذلك لتولي دور باسل كوريث للحكم الجمهوري في سوريا، كان بشار حينها في بريطانيا لتكميل دراسته في طب العيون حيث التحق بالدراسات العليا في العاصمة البريطانية لندن، بشار الذي وصفه زملاؤه بـ “رجل غريب الأطوار” خلال فترة وجوده في لندن كان يفتقر لأي تطلعات أو طموح سياسي لكن والده الذي تبخرت آماله وضاعت جهوده في إعداد نجله الأكبر باسل، اضطر مجبراً لإعداد بشار بديلاً لخلافته.

بعد العودة، سرعان ما بدأ الإعلام الحكومي في سوريا في تلميع صورة بشار للعامة وعلى أنها “أمل الجماهير” لإعداده ليكون الوريث القادم المسؤول عن سوريا، لمواصلة حكم ‏‏سلالة الأسد‏‏ وذلك على رغم افتقار بشار إلى الخبرة العسكرية والسياسية، ولتعزيز مكانته مع الوكالات العسكرية والاستخباراتية القوية في البلاد، تدرّب طبيب العيون في أكاديمية عسكرية وحصل في النهاية على رتبة عقيد في الحرس الجمهوري النخبة، بعدها تولى مسؤولية الوجود العسكري السوري في لبنان عام 1998، وبعد ثماني ساعات فقط من وفاة والده الذي توفي ‏‏في 10 يونيو (حزيران) 2000‏‏، تم ترشيح بشار الأسد رئيساً لسوريا من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي، وفي 10 يوليو (تموز) فاز الأسد بنسبة 97.29 في المئة في الاستفتاء ليصبح رئيساً لسوريا.

في البداية، نُظر إلى بشار الأسد من قبل العديد من الدول على أنه مصلح محتمل لسوريا، لكن بعد أن أمر بالقمع وفرض الحصار العسكري على الأحياء والمدن السورية المنتفضة وقصفها بالبراميل، دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغالبية جامعة الدول العربية إلى استقالة الأسد من الرئاسة، وخلال الحرب الأهلية، أفاد تحقيق أجرته الأمم المتحدة بالعثور على أدلة تورط الأسد في جرائم حرب. في يونيو 2014، أدرج اسم الأسد في قائمة لوائح اتهام بارتكاب جرائم حرب ضد مسؤولين حكوميين ومتظاهرين تم تسليمها إلى المحكمة الجنائية الدولية، رفض الأسد الادعاءات بارتكاب جرائم حرب وانتقد التدخل بقيادة الولايات المتحدة في سوريا ومحاولة تغيير النظام.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى