مع بدء توريث حافظ بشّار الأسد

غازي دحمان

مسلسل، قديم جديد، سيشاهده السوريون والعالم في المرحلة المقبلة. يحفظ السوريين سيناريو الأحداث المنتظرة عن ظهر قلب، حيث سيحصل حافظ بشّار الأسد على درجة الدكتوراه، وربما في أكثر من تخصّص، وسيبدأ بالحصول على ترقيات فلكية في مؤسّسة الجيش، وسيتم اختيار مجال ما، ربما يكون الذكاء الاصطناعي ليهتم به، وسيجرى توفير بعض الأدوات وإنشاء مؤسّسات تشكل الحيّز الذي سيتحرّك فيه حافظ، كأن يجري إنشاء مؤسّسة لتنمية الذكاء الاصطناعي ورعايته في سورية. في الوقت نفسه، سيتم تشكيل فريق مساعد من اختصاصيين أكاديميين، ومن عسكريين، يدورون في فلكه ويشكّلون رافعة مشروعه، سيطلق عليه شعراء النظام وكتاتيبه “حافظ الأمل”، حيث سيجرى تصويره منقذ سورية الذي سيأخذ بيدها إلى عصر الذكاء الاصطناعي، ويرفعها إلى مستوى النجوم. وفي الأثناء، سيراه السوريون، إن توفرت لهم الكهرباء، مرّات عديدة على شاشات التلفزيون، يتابع قضايا التطوير والتحديث ويناقشها، وسيتفقد بعض المؤسّسات، ربما للاطلاع على سوية الإنترنت فيها ومدى صلاحية أجهزة الكمبيوتر، وذلك كله في إطار التهيئة للقرن السوري، أو لسورية 2040

ستكون الأدوار التي سيقوم بها حافظ لافتة، سيبدأ بشار بإرساله ليمثله في مناسباتٍ معيّنة ولدى الدول والأطراف التي أعادت العلاقات معه، سيحمل رسائل بشّار إلى قادة هذه الدول، وسيحضر مناسبات مثل الأعياد الوطنية وربما زفاف أبناء السلطة، وسيتم إيجاد مسار له في السياسة، حيث سينضم الى جوْقة منتقدي أداء الوزارات، وسيكتشف فساداً في بعض المؤسسات، وعند اقتراب استلامه السلطة سنة 2028 ستتم التضحية برئيس الوزراء في ذلك الوقت، كأن ينتحر مثلاً أو ربما يودع السجن.

سيلقنه رجال الأمن دروساً مكثفة في أساليب مسك زمام السلطة والقبض على الأجهزة الأمنية حتى لا تتفلت، وسيعرف هؤلاء أن هذا العمل سيكون آخر أدوارهم، إذ سيحالون الى التقاعد بعد أن يجرى تكريمهم، لذا لن يبخلوا عليه بأيّ معلومة، وسيشون بزملائهم المرشّحين المستقبليين لاستلام مناصب عليا، سيعطونه البيانات الضرورية عن الأشخاص الواعدين والموثوق بهم في الأجهزة، وسيحذّرونه من آخرين. وفي كل الأحوال، ستجرى في السنوات المقبلة تغيّرات في هيكليات القيادات الأمنية بما يتناسب وتغيّر رأس السلطة.

على الجانب الآخر، ستجهد وزارة خارجية الأسد في تلقين حافظ دروس الإتيكيت الدبلوماسي، وسيتم التركيز على الحركة وطريقة الجلوس والمصافحات وتعابير الوجه، سبق أن اشتغل السلك الدبلوماسي على بشّار الذي يبدو أنه حفظ عن ظهر قلب طريقة فك أزرار سترته “الجاكيت” وربطها عند الجلوس والوقوف، لكنه لم يتعلّم ألا يستخدم يديه لدى الحديث مع الزعماء والقادة، وهذا خطأ جسيم في الإتيكيت، كما لم يُشذب ضحكته الغريبة.

مؤكّد أن ميزانية كبيرة ستُرصد لهذه العملية، عملية صناعة شرعية حافظ بشّار الأسد وتأهيله، سيُصرف قسم منها على شكل ترويج وإعلان، وخصوصاً في الإعلام الإقليمي والعالمي، الذي سيقوم بصناعة ألقاب وتحليلات تصفه بأنه الخيار الأفضل، بل والخيار الصائب لحكم بلدٍ ينطوي على تعقيداتٍ إثنية وطائفية وأزمات اقتصادية واجتماعية، حتى إن حافظ سيتحوّل إلى شرط أساسي للاستقرار، وربما تعافي سورية من أزمتها، فمن سيحكُم إن لم يكن هو؟

ليس سرّاً أن جزءاً من الميزانية سيُخصص لإصلاح الكوارث التي سيجرى ارتكابها في أثناء تجريب حافظ ممارسة السلطة. ولأن البلد خربان بالأصل، سيُضاف الخراب الجديد إلى قائمة المُخرّب وضمّه مشاريع إعادة الإعمار، التي ستكون في عهده، والتي يجب أن يجهز لها، وبمساعدة والدته أسماء الأسد، عبر المكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري. حينها سيعلن بشّار الأسد أنه أوصل شعبه إلى برّ الأمان، وأنقذ البلاد والعباد من مؤامرة كونية وحكم المتطرّفين، وأنه ربما سيعود إلى التدرّب في عيادة طبّ العيون، على أمل أن يستطيع، في وقت ما، إن توفرت الإمكانات، افتتاح عيادة في الأحياء الشعبية لعلاج المحتاجين بأجور رمزية.

كان خبر حصول حافظ على شهادة الماجستير في الرياضيات من جامعة روسية بمثابة إعلان عن مرحلة جديدة سترافق السوريين في السنوات الخمس المقبلة، ويبدو أن عائلة الأسد “الدائرة الصغيرة” المتشكّلة من بشّار وأسماء، باتت تدرك أن إمكانية بقاء الأسد سنوات أخرى بعد انتهاء المدّة الحالية (حتى عام 2028) سيكون غير ممكن، في ظل تصاعد حدّة العقوبات الدولية وثبات الغرب على مواقفه، والأهم انفجار القضايا التي يجرى رفعها ضد بشّار في المحاكم والهيئات الدولية، ومشاريع القوانين التي يتم تحضيرها في واشنطن وغيرها.

ولكن، ثمّة أمور لم ينتبه إليها صُنّاع هذا المسار، الذي يبدو أنه غير واقعي أبداً، وتحرّكه بدرجة كبيرة العواطف والرغبات، ذلك أن البيئة التي سيجرى تكرار صناعة رئيس سورية المستقبلي فيها، مثلما حصل مع بشّار في بداية القرن، اختلفت بشكلٍ جذري، متغيّر الثورة وما حصل في سورية في العقد السابق وما زال يحصل، معطى يصعب تجاوزه، وما سيتم بناؤه من وقائع وصناعة مسارات في المستقبل، سيتأثر بدرجة كبيرة بهذا المعطى، من جهة أخرى، لا روسيا ولا حتى الدول الإقليمية سيتوفّر لها المبرّر للانخراط بهذه العملية وتأييدها، خصوصاً أن هذه الأطراف ارتكزت على أسطورة شرعية بشّار الأسد والحفاظ على مؤسّسات الدولة، وهو ما لا يتوفر عند حافظ جونيور، وعندما سيدرك بشّار وأسماء هذه الحقيقة سيجدان أن الخيار الأفضل تكثيف تجارة الكبتاغون وسرقة كل ما يقع تحت يديهما للتجهيز للعيش في بلادٍ تستقبلهما ويصنعان فيها مسارات سلالتهما المستقبلية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى