يكشف مصدر مسؤول ومطلع لـ”المدن” عن أحدث أرقام متقاطعة مع البيانات العامة، حول عمليات التصدي والترحيل التي ينفذها الجيش اللبناني بحق اللاجئين السوريين، الذين يدخلون إلى لبنان عبر المعابر البرية غير الشرعية، وداخل المخيمات.
فعند الحدود الشمالية للبنان، في وادي خالد، ارتفعت عمليات التصدي والترحيل بنسبة عالية، حيث بلغت في شهر آب وحده، ما لا يقل عن نحو 6 آلاف شخص سوري، تم ترحيلهم أو إعادتهم عبر الحدود البرية، ما يرفع مجموع الأشخاص السوريين الذي أعادهم أو رحلهم هناك في العام 2023 حتى تاريخه، إلى نحو 11 ألف سوري.
أما في منطقة البقاع، وحسب المصدر المسؤول عينه، فمنذ 8 أيلول حتى تاريخه، نفذ الجيش اللبناني ما لا يقل عن 120 مداهمة في مخيمات غير رسمية يعيش فيها اللاجئون. وأسفرت المداهمات عن مصادرة ممتلكات بعض اللاجئين، واعتقال ما لا يقل عن 85 لاجئًا، غالبيتهم من الرجال. ومن المرجح وفق معطيات ميدانية، أنه تم ترحيل نحو 60 شخصًا، منهم 30 على الأقل مسجلين رسميًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR).
بمعنى أن القوى الأمنية والعسكرية ما عادت تميّز بين اللاجئين لأسباب أمنية وسياسية منذ نهايات عام 2011 والمتسللين عبر الحدود أو ما يسمونهم “اللاجئين الاقتصاديين” الذين يشكلون راهناً موجة النزوح الجديدة.
الحل الأمني؟
في الإطار العام، ترتبط هذه العمليات التي ينفذها الجيش بقرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر في 15 نيسان 2019، والقاضي بترحيل السوريين الداخلين خلسة إلى لبنان. لكن الوقائع العملية على الأرض، تشي بمخاطر عديدة وحالة فوضى تسود عمليات الاعتقال والترحيل، في ظل واقع حدودي معقد للغاية، وعجز الجيش عن بسط كامل سيطرته على المعابر غير الشرعية. في حين، يستمر نشاط السماسرة والمهربين وشبكات التهريب، التي شكل عملها اقتصادًا رديفًا تتحرك فيه مئات آلاف الدولارات، يستفيد منه “كبار” ومسؤولون أمنيون في طليعتهم “الفرقة الرابعة” التابعة للجيش السوري.
وسبق أن كشفت “المدن” في تقارير سابقة خلال هذا العام، عن تولي سماسرة في سوريا بالتنسيق مع سماسرة في لبنان، تجميع السوريين الذين يرغبون بالدخول إلى لبنان عند نقطة محددة في سوريا للانطلاق بالحافلات، بالتنسيق مع ضباط وعساكر من الفرق الرابعة السورية، الذين يسهلون عبورهم مقابل تلقي رشى مالية، ويبلغ معدلها على الفرد السوري نحو 150 دولارًا، يتقاسمها السمسار مع المهرب بين البلدين وسائق الحافلة وعسكر الحواجز.
وبينما تشير معلومات ميدانية إلى تنفيذ عمليات الترحيل والاعتقال بأسلوب عشوائي، يهدد مصير شريحة واسعة من السوريين، فإن لبنان الرسمي الذي يتوارى راهنًا بالحلول الأمنية، لا يجرؤ سياسيًا -وفق مراقبين- على مطالبة النظام السوري بموقف صريح وواضح لجهة تسهيل عبور السوريين إلى لبنان عبر المعابر البرية غير الشرعية، ولا يُسائله عن دور الفرقة الرابعة في هذا الإطار، والتي راكم عدد كبير من عناصرها الرشاوى المالية، بينما يتعامل لبنان مع السوريين كفئات متروكة بلا نظام أو دولة مسؤولة عن مصيرهم.
وللتذكير، فإن الأمن العام اللبناني منذ كانون الأول 2021، علق وصول المفوضية الأممية للاجئين إلى الحدود البرية. الأمر الذي يجعل التحقق من المعلومات المتعلقة بالتحركات عبر الحدود مسألة صعبة للغاية.
التلاعب السياسي
في السياسة، من اللافت أن عمليات المداهمات والترحيل غالبًا ما تتزامن مع توترات أمنية واجتماعية يشهدها لبنان. وهي جاءت هذه المرة أثناء انشغال لبنان بأحداث “عين الحلوة”، كما سبق أن شهد حملات مماثلة أثناء أزمة الخبز والأفران العام الماضي، وكذلك في نيسان الفائت حين تصاعدت الحملات الإعلامية والبلدية والسياسية والحزبية الداعية لترحيل السوريين، وبلغت مستوى الدعوات للتظاهر.
وبينما يحمل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ملف اللجوء السوري راهنًا إلى المحافل الدولية في نيويورك، وبينما يبدو لبنان عاجزًا عن صوغ اتفاق ثنائي مع النظام السوري لتنفيذ خطة عودة السوريين، في ظل عدم إبداء الأخير أي رغبة صريحة بعودتهم من دون ثمن سياسي، يبقى السؤال: من هي الأطراف التي تتجاوز قوتها الجيش اللبناني عند المعابر البرية بين البلدين؟
وما يفاقم حالة الفوضى بإدارة ملف تدفق السوريين عبر المعابر البرية غير الشرعية، وما تشهده من عمليات ترحيل واعتقال، هو أن السوريين الذين يدخلون لبنان عبر المعابر الشرعية، ويسجلون أسماءهم لدى الأمن العام اللبناني، لا يوجد أي آلية تلزم الأخير بإبلاغ المفوضية عنهم، خصوصًا أنها توقفت رسمياً عن تسجيل السوريين منذ العام 2015، بقرار من الحكومة اللبنانية.
فوضى ومال
وتفيد مصادر حقوقية لـ”المدن”، بأن عمليات الترحيل الراهنة لا تمر بالمسار القانوني الملزم، والذي يستوجب أن يعطي السوريين مهلة زمنية، وأن يتم اتخاذ قرار ترحيلهم قضائيًا بعد المثول أمام القاضي. إضافة إلى الشكوك حول ما إذا كانت عمليات الترحيل تشمل بعض الأشخاص السوريين غير المتهمين بالدخول عبر المعابر غير الشرعية لأسباب اقتصادية، ما يفاقم القلق حول مصيرهم.
لكن معلومات أخرى تفيد “المدن” بأن بعض من يتم ترحيلهم بوضعهم على الحدود اللبنانية السورية، يقومون بدفع المال للدخول مجددًا إلى لبنان بواسطة المهربين.
عمليًا، ووسط كل ما يشهده لبنان من تخبط وفوضى في إدارة ملف اللجوء السوري، يبقى حل هذه الأزمة التي ترددت أصداؤها في نيويورك، وفي كل الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين، مرهون بحل سياسي شامل بين ثلاثية المجتمع الدولي والبلد المضيف والدولة السورية. في حين، يرى كثيرون أن لبنان يواصل تعامله مع القضية خارج سرديتها ولتحييد النظر عن الأطراف التي تتحمل المسؤولية الحقيقية لما وصل إليه لبنان.
توازيًا، وبعد الإعلان سابقًا عن موافقة المفوضية تسليم الحكومة اللبنانية الداتا المتعلقة باللاجئين السوريين، تفيد معلومات “المدن” بأن الجانبين حاليًا في المرحلة المباحثات التقنية لكيفية استلام لبنان للداتا. وهي مسألة يبقى تحققها محكوماً بمدى التزامه بالمعايير الدولية بموجب عقد رسمي يحمي اللاجئين السوريين من مشاركة بياناتهم مع أي طرف ثالث.
المصدر: المدن