ضمن سلسلة شهادات سورية الصادرة عن بيت المواطن للنشر والتوزيع، كتبت هيفاء بيطار الروائية السورية المنتمية لثورة الشعب السوري شهادتها : أن تكون إنسانا. كنت قد قرأت لها سابقا رواية الشحاذة، وكتبت عنها.
عنونت هيفاء بيطار شهادتها : ان تكون انسانا ، لكي تعلن من خلال العنوان والنصوص المتنوعة ضمن شهادتها أن انتماءها الأساسي هو الى الانسان أولاً وأخيراً، الانسان وحقوقه بالحرية والكرامة والعدالة، النصوص المكتوبة متنوعة حسب موضوعاتها، مكتوبة كلها في فترة ما بعد الثورة بسنوات، هواجسها هي قضية السوريين في ثورتهم وما حصل معهم ، محاولة شرح الحالة وتسليط الضوء عليها كما ترى هي بالطبع، طرح الواقع بتفاصيله، البحث عن الأسباب والتفكير بالمخارج…
هيفاء بيطار ابنة اللاذقية المسيحية دينا، التي درست الطب وتخصصت في طب العيون، كانت في الجامعة في ثمانينات القرن الماضي، عايشت الكثير مما حصل في سوريا سياسيا ومجتمعيا. لم تكن بعيدة عن الاهتمام بالشأن العام، فقد كانت أغلب صداقاتها مع الكثيرين من المعارضين للنظام الذين كانوا من حزب العمل الشيوعي، منذ دراستها الجامعية في ثمانينات القرن الماضي، والذين اعتقل اغلبهم، تستغرب عدم اعتقالها معهم ؟!. لم تكن منتمية تنظيميا لحزب العمل الشيوعي لكنها كانت تقرأ كتبهم وتتفاعل معهم. منذ بداية نضجها في الجامعة لفت نظرها القمع السياسي حيث اعتقل ثلاث أصدقاء لها في الجامعة من حزب العمل الشيوعي ومن الاخوان ، أدركت طبيعة السلطة القمعية والاستبدادية الفاسدة، الفساد في دوائر الدولة كلها، الواسطة والمحسوبية، هيمنة ازلام النظام على دوائر الدولة والمجتمع. عملت في مشفى اللاذقية لخمسة وعشرين عاما طبيبة عيون ورصدت كل أشكال التسلط والفساد والظلم والإثراء غير المشروع على حساب المواطن. تعلن مواقفها المعارضة للنظام والمظالم المجتمعية بشكل دائم. متألمة انها تحسب عند جماعة النظام على المعارضة وعند جماعة المعارضة على النظام والسبب عندهم صمت النظام عنها وتركها تتحرك بحرية ؟!، تعلن مظلوميتها، وانها ضحية متكسبين من الطرفين. النظام والمعارضة وأن الحال في سوريا خاصة بعد ثورة السوريين ربيع ٢٠١١م هو الاصطفاف الصراعي ولا تقبّل لأي موقف معتدل أو يطرح الحلول الوسط لما آل إليه وضع السوريين…
تنصب أغلب نصوص شهادة هيفاء بيطار حول الواقع الحياتي بعد الثورة السورية، نعم ترى أن حركة الناس للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة ورفض القهر والمظلومية حق مشروع وكان لا بد أن يحصل. وان ردة فعل النظام بالعنف الذي وصل إلى درجة استعمال السلاح الثقيل بحق الشعب والمدن وتشريدهم ومقتل مئات الالاف منهم ، كذلك اعتقال الكثير، مع ما صاحب ذلك من تدمير اغلب البنية المجتمعية، كما استعانة النظام بـ الروس والإيرانيين والميليشيات كل ذلك جعل الحال السوري يتأزم أكثر ويسير نحو اللاحل، ان مقولة الأسد أو نحرق البلد حرقت البلد ولم يعد الأسد حاكما فعليا للبلد. كما هناك تحفظات من هيفاء على المعارضة حيث تراها انتهازية و مصلحية رهنت نفسها للدول المانحة لها، ولم تعد ممثلة للشعب السوري الثائر… الشعب السوري عند هيفاء لا ممثلين حقيقيين له…
تنتقل هيفاء للتحدث عن حال السوريين في الداخل السوري في سنوات الثورة فرغم موقفها المعارض للنظام، فلم تُمنع من السفر ولم تحاسب على مواقفها النقدية للنظام. اللهم بعض الاستدعاءات التي تحمل في طياتها التهديد والوعيد والتخويف من تجاوز الخط الأحمر مع النظام…
تحدثت عن الاعتدال المفقود في سوريا وان الكل موالاة ومعارضة ضحية اصطفاف تناقضي يلغي الاخر وان ذلك لن يوصل سوريا الا لما وصلت اليه من دمار وموت وتهجير وتشبيح وخراب…
تحدثت عن أبناء حلب الشهباء الذين تعايشت معهم في شوارع اللاذقية بعد أن تهجّر لها أكثر من مليون ونصف انسان جراء العنف الذي حصل بين النظام وحلفائه وبين القوى الثورية السورية والمأساة التي عاشها هؤلاء الاطفال وعائلاتهم…
تحدثت عن سوريا التي منعت حرية التحزب والرأي واعتقلت المعارضين لسنوات مديدة، حياة هؤلاء المعتقلين وابناؤهم قبل السجن وبعده، تحدثت عن تحديثات السجن والمعتقل السوري بعد الثورة وكيف اصبح مسلخ بشري بكل معنى الكلمة…
تحدثت عن تصرف النظام مع مجموع الناس حسب قاعدة أخضع ترضع… يعني التسليم والذل وقبول واقع القهر والاستبداد والفساد والمحسوبية والانغماس به يجعلك تحصل على بعض المكتسبات وأهمها لقمة العيش…
تحدثت عن القطاع العام بصفته البقرة الحلوب لأعوان النظام للإثراء غير المشروع والنهب للدولة والشعب…
تحدثت عن صور التنكيل والمجازر والقتل الأعمى وكان نموذجها سيارة نقل عسكرية محملة قتلى قيل انهم ارهابيين من مدينة كسب يطوف بهم النظام في شوارع اللاذقية محتفلا بقتل الارهابيين وتعميم الفرحة على حاضنته الشعبية الطائفية…
تحدثت عن المدرسة السورية التي لم تعد تقوم بدورها لصالح المدرسين الخاصين هذا غير برامج التحفيظ وعدم خلق التفكير العلمي التفاعلي… وعن الكهرباء المقننة والتي تعطى حسب تصنيف ديني أو طائفي والمسؤولين وبيوتهم… تحدثت عن الانتصارات التي يفتخر بها الأطراف وهي مزيد من القتل والتشريد للسوريين والتدمير لبلادهم. وأن سوريا اصبحت اقرب الى العصفورية حيث الكل يعادي الكل ويتشنج ويزداد تطرفا في مواجهة الآخر. وتحدثت عن الافتخار عند النظام بالموت الموزع على جنوده الذين يزفون لاهلهم بصفتهم أبطالا وشهداء… الفساد والقضاء المرتشون والمظليين المبتعثين الذين سيعودون ليكونوا بناة سورية الغد… مخربيها في الحقيقة…
وفي البحث عن الحل ترى هيفاء ضرورة مواجهة الاستبداد بالوعي والتثقيف والتنوير وخلق جيل جديد يتجاوز كل ما حصل في سوريا عبر خمسين عاما وخاصة ما حصل فيها في العشرية الأخيرة…
هنا تنتهي شهادة هيفاء بيطار.
في التعقيب اقول:
لا استطيع الا ان احترم صدق هيفاء مع نفسها أولا ومع من تكتب لهم شهادتها هذه. وهي التي سلمت – استثناء – من كثيرين من المعارضين السوريين الذي سجنوا لسنوات طويلة والذين قضوا في السجون والمعتقلات سابقا، والذين في المعتقلات بعد الثورة لمجرد أنهم شاركوا في التظاهر في ثورة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية في سوريا. كيف لم يمنعها النظام من السفر؟. وكيف سمح لها أن تتحدث في كتبها وفي منافذها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، هل لانها معتدلة كما تنادي، ام لانها تظهر رمادية تارة تلوم النظام وتارة تلوم المعارضة، هل لانها مدللة كما الأقليات السورية كلها وهي المسيحية… ؟!!.
اعتقد ان السبب الاهم لمعاملة النظام هيفاء البيطار بهذا الشكل، هو لانها وفي كتاباتها لم تتحدث عن أصل المشكلة في سوريا التي جعلت الشعب عبيد والنظام إله ظالم يعيش على اكل الشعب عبر عقود خمسة ويزيد…
كل ما كتبته هيفاء أقرب إلى مسرحيات دريد لحام نقد السلوك لبعض او اغلب المسؤولين ولكن لا يصل النقد الى رأس النظام ولا بنيته… لذلك يبقى هناك قول أن المشكلة بوجود فساد ومحسوبية وواسطة واستغلال منصب وسرقة ولعب في الانتخابات والخ… لكن لا حديث عن أصل المشكلة: وجود نظام طائفي علوي يستثمر الطائفة وقودا لنظامه، يغطي نفسه قوميا بحزب البعث يهيمن بالمطلق على الجيش والأمن وكل مراكز الدولة الاساسية، يعيد توزيع المناصب والحصص لأعوانه من كل الفئات المجتمعية لكن مفاصل الدولة الحقيقية بيد النخبة العسكرية الامنية حول رأس النظام منذ الأسد الأب وابنه بعده… لذلك كان استئصاله لكل من يختلف معه حسب درجة خطورته على النظام كما يحلل هو كل ذلك منذ انقلاب آذار ١٩٦٣م أصبح نهجا مدروسا منذ انقلاب ١٩٧٠م…
استئصال الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة والبعث العراقي في الثمانينات، زج المعارضين اليساريين بالسجون من كل الالوان شيوعية وقومية وليبرالية ومنظمات مجتمع مدني وحقوق إنسان في كل فترات حكمه. وفي أيام الثورة السورية المعاصرة بعد ربيع ٢٠١١م انتقل بطشه لدرجة الإفناء للناشطين في المعتقلات والسجون والشوارع والمدن والبلدات ووصل الى مستوى استدعاء جيوش روسيا وإيران وميليشيات حزب الله الطائفي، وأعطاهم ما تبقى من سوريا ليبقى الحكم بيد هذه العصبة ولو على جثة خراب سوريا واحتلالها وقتل شعبها وتشريده . مقتل مليون سوري وأكثر ومثلهم مصابين ومعاقين، تشريد نصف الشعب السوري داخل سوريا وخارجها. من سببه ؟. الجواب النظام وأن تحمل المعارضين بعض المسؤولية فهو تحصيل حاصل…
لكل هذه الأسباب بقيت هيفاء في سورية معارضة مقبولة لأنها لم تطرح الحقيقة في وجه النظام سواء جهلا أو تقية…