قراءة في كتاب : ارض السنافر  – شهادات سورية –

أحمد العربي

ضمن سلسلة شهادات سورية التي نشرها بيت المواطن للنشر والتوزيع، التي توثق خبرات شخصية لسوريين نساء ورجال مع واقع القمع والقهر واستبداد النظام السوري بأشكال مختلفة، شعر او شهادة مباشرة أو مقاطع نثرية، ترصد الخبرات او منعكساتها النفسية والمجتمعية على صاحب الشهادة.

تناول في هذه القراءة شهادة الناشط السوري عمر الجباعي التي اسماها ارض السنافر وهي عبارة عن مجموعة نصوص منفصلة ذات طابع انطباعي مليئة بسخرية مرّة نشرها الكاتب عبر سنوات عدة، و بعضها نشر في هذا الكتاب لأول مرة…

عمر الجباعي شاب درس في المعهد العالي للفنون المسرحية. تخرّج عام ٢٠١٠م. قرر ان يلتحق في الخدمة العسكرية قبل أن يخوض في الحياة العملية حيث كان يطمح لأن يكون مخرجا مسرحيا…

تم فرزه الى المسرح العسكري في دمشق، وهناك اكتشف أن اهتمامات الضابط المسؤول عن المسرح أبعد ما تكون عن المسرح، فهي منصبة على مجموعة سلوكيات تؤكد الولاء والانتماء للنظام بطابعه الطائفي ورأسه الأسد الابن…

لم تمض أشهر على التحاق عمر بالجيش حتى قامت الثورة السورية، التي كانت استجابة لحاجة عميقة عند السوريين و توق للحرية واستعادة الكرامة والعدالة والديمقراطية، وسرعان ما واجه النظام الثورة بالعنف المسلح. مما جعل المسرح العسكري في دمشق ثكنة عسكرية تحصن نفسها وتنشر حراستها وتعلن حربها على الشعب السوري كما كل المواقع العسكرية للنظام السوري في سوريا…

يتوسع عمر بالتحدث عن حراسته الليلية هو وغيره من الجنود وصف الضباط، حيث يتناوبون على الحراسة على مدار الساعة، بصحبته راديو صغير وسخانة ماء كهربائية لتسخين إبريق ماء مع كأس ومصاصة متّه، المشروب الشعبي لأهلنا في جبل العرب، عمر من هناك. كانت حراساته مناسبة ليعود في ذاكرته لحياته السابقة وحياة المحيطين به، و يدرك بعد تأمل أن ما حصل يجب ان يحصل ولكن لم يكن يأمل كثيرا بنجاح الثورة، فهو يعلم بطش النظام وعمق حضوره في الدولة والمجتمع السوري، كما يدرك ضعف المعارضين وتشتتهم وتلاعب الدول بهم…

تحدث عمر عن الاله المعلن لسوريا الاسد الاب اسماه “السنفور القائد” وابنه السنفور الابن، الذين جعلوا حضورهم المادي والمعنوي كما حضور الله في كل صغيرة وكبيرة. الله الرحيم والسنافر الاب والابن اعداء الناس رمز الظلم والبطش والقتل المعلن…

لم تمض أشهر على الثورة حتى تم اعتقال عمر لصالح فرع مخابرات المنطقة  في الريف ثم في المدينة ثم اعتقل في فرع الأمن العسكري. بتهمة التخابر مع العدو الصهيوني والعمل لإسقاط النظام… تلقى تعذيبا كثيرا، الضرب والشبح والكهرباء… الاسوأ من كل ذلك كانت اجواء الاعتقال ذاته. غرف ممتلئة بالمعتقلين، لا يستطيع الوقوف على قدميه، ولا يستطيع الجلوس. ينام وهو واقف. يموت المعتقل ويترك في الغرفة ليحصل من حوله على حصته من الطعام الضئيلة جدا، ينقلون الموتى تحت التعذيب ومن نتاج التعذيب الى مرحاض الفرع، وبعد ذلك تُحمل و توضع في سيارات وتخرج لترمى في مكبات مجهولة… عاش عمر في هذه الأجواء ثلاثة أشهر وتم إخلاء سبيله بعد ذلك ليعود ويتمّ خدمته الالزامية. التي من المقرر ان تكون سنة ونصف، ومددت في أجواء الثورة سنة ونصف أخرى. نعم النظام في حالة حرب على الشعب السوري لذلك لا تسريح من الجيش…

لم يستطع عمر التحرر من تجربته في المعتقل ابدا، استمرت تحضر في مناماته على شكل كوابيس، ولا حل امامه الا اعادة تجرع مرار التجربة المؤلمة التي عاشها وتتكرر في كوابيسه المتتابعة…

عمر يتحدث عن قضية أهلنا في السويداء وموضوع الثورة السورية وأن خيار قادتهم الروحيين هو ان يكونوا على الحياد، في معركة طرفها النظام الظالم وضحيتها الشعب السوري كله وخاصة غالبيته السنية. قرروا عدم إرسال أبنائهم للخدمة العسكرية، وأن ينتظروا القادم من الأيام. لم يقبلوا ان يكونوا طرفا في مواجهة ثورة اهلنا في حوران درعا وهم اهل السويداء، سهل حوران وجبل العرب السويداء متجاورين للابد، وكذلك التعايش بين اهلنا في حوران والسويداء. كما سلط النظام بعض المخترقين من المجموعات المسلحة المدعية انتسابها للثورة السورية وخاصة جبهة النصرة على أهل السويداء، حتى تورطهم بصراع مع أهل حوران لصالح النظام، ومع ذلك لم يقبل أهل الجبل التنازل للنظام كما استطاع اهلنا في حوران استئصال النصرة وداعش في مناطقهم بعد ذلك…

خرج عمر من المعتقل وسرح من الجيش بعد أكثر من ثلاث سنوات خدمة. خرج إلى لبنان ومن هناك حاول ان يذهب الى اوروبا ليتابع شغفه المسرحي، كان لا بد له ان يجدد جوازه، حاول عن طريق السفارة السورية في لبنان، ماطلت السفارة لأشهر طويلة ولم يحققوا مراده، وخسر فرصته… هكذا هو النظام ضد الشعب السوري داخل سوريا وخارجها…

توقف عمر عند واقع اللجوء السوري خارج سورية بعد سنوات على حرب النظام على الشعب السوري. مدن تفرغ من أهلها، تدمر وتسرق محتوياتها تتحول الى مدن منكوبة تبكي أصحابها. مئات آلاف الضحايا ومثلهم مصابين ومعاقين وملايين المهجرين الهاربين من الموت، هذا هو الحساب الختامي لحرب النظام على الشعب السوري…

ينهي عمر شهادته بالحديث عن سوريا ٢٠٣٢م يعني بعد مايزيد عن عقدين من ثورتها، ليوثق لنا استمرار النظام ممثلا بالحفيد حافظ، ويتابع المهجرين حياتهم حيث هم في بلاد الغربة…

صورة مأساوية متشائمة عن مستقبل سوريا والسوريين ولكنها أقرب للحقيقة مع الاسف…

في تعقيبنا نقول:

نحن بحاجة لهكذا شهادات في ثورتنا السورية تلقي الضوء على ما حصل، تعلن تمرد الدم الذي نزف والشهداء الذين سقطوا ضحية ظلم النظام، البلاد الخراب اليباب المطالبة بعودة أهلها…

 وأننا لن ننسى ولن نغفر وان حريتنا قادمة ولو بعد حين…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى