أولوية حماية انتفاضة السويداء وتصعيد الحراك الثوري السوري

 يمور المشهد السوري بأحداث وتطورات فارقة، مع اندلاع انتفاضة السويداء المجيدة، والتفاعل  الواسع مع حراكها المشبوب في أوساط السوريين التواقين للخلاص من النظام الأسدي، وتحرير بلدهم من قوى الاحتلال والهيمنة الخارجية. إذ تشخص الأبصار والقلوب نحو  ساحة الكرامة في قلب السويداء، التي أعادت إحياء الأمل الكبير  باستمرار  ثورة الحرية والكرامة، بل وفي اتساع نطاقها الشعبي، وتجدّد روحها الثورية التحررية،  بعد ما يزيد عن إثني عشر عاماً ونصف العام، من قيامة الشعب السوري ضد أعتى نظام دموي وقمعي وفاسد ومتآمر.

إذ لا مبالغة في وصفها بالموجة الثورة الثانية، بدلالة تعبيراتها الوطنية الناصعة، واندغام وتماهي حراكها المتصاعد، مع المطالب العادلة والمشروعة للشعب السوري، منذ الصرخة الأولى لثورة العام 2011، التي طالبت بالحرية والكرامة لجميع السوريين. جاءت انتفاضة السويداء لطمةً مدويةّ في وجه النظام، بعد أن توهم بقدرته على إسكات السوريين، إثر حروب التدمير  والتهجير والتجويع التي مارسها بكل صلف وعنجهية ضد ملايين السوريين، من ضحاياه وضحايا حلفائه الروس والإيرانيين. أعادت الهتافات التي صدحت بها حناجر أحفاد سلطان باشا الأطرش، الأمل الكبير لدى السوريين، بأن ثورتهم باقية وتتمدد رغم محطات اليأس والخذلان والآلام، وبأن رباط الوطنية السورية، وأواصر التاريخ والمصير المشترك التي تجمع بينهم، ووحدة همومهم وتطلعاتهم في زمن خروجهم للحرية، أقوى وأبقى من كل محاولات النظام الغاشم زرع الفتنة والشقاق بينهم.

على وقع المطالب الواضحة والحاسمة للمتظاهرين في يوميات انتفاضتهم، والتي أبرزت حرصهم الواعي والشديد على انتمائهم لأرضهم ووطنهم وثورة شعبهم الأبية، ورفضهم القاطع لمشاريع التقسيم والتفتيت، التي حاول إعلام النظام الغمز من قناتها علانيةً أو تلميحاً، ونجاح خطابهم الوطني الديمقراطي في تجريد النظام من كل مزاعمه حول حماية “الأقليات” من بعبع ” الأكثرية “، فقطعوا بذلك كل حبال الأكاذيب، وأماطوا اللثام عن حقيقة  وظيفته السلطوية البغيضة، في إخضاع السوريين بكافة مكوناتهم ومناطقهم، وقهر إرادتهم وتركهم نهباً للخوف والجوع والقهر.

أظهر بدوره  تفاعل السوريين الأحرار في الداخل والخارج، مع انتفاضة أهلهم في السويداء، تجذر مشروع التغيير والخلاص في عقول ونفوس أبناء الوطن الواحد، وإعادة التفكير في تشبيك الجهود والطاقات بين مختلف المناطق السورية الثائرة، وتحفيز البيئات المجتمعية الواقعة تحت سيطرة النظام على الانتفاض في مواجهته، بهدف مواصلة معركة إسقاط النظام، بوصفها معركة حياة أو موت لا بديل عن خوض غمارها مهما كانت الأثمان والتكاليف. ما رأيناه من حفاوة وحرارة في استقبال أهالي السويداء للوفد الشعبي الذي جاء من درعاً، يتجاوز معنى التضامن بين أبناء الجبل والسهل في حوران، إلى ما يعضد بينهما من شعور  جمعي بضرورة العمل والتحرك المشترك، كأصحاب مصلحة متبادلة في منع النظام من التفرد بالتعامل مع السويداء ودرعا كمنطقتين منعزلتين عن بعضهما البعض.

فيما أكدت المظاهرات الحاشدة في الشمال السوري مع انتفاضة السويداء، كرسائل وفاء ومحبة متبادلة، على المشتركات الوطنية الصلبة التي زرعتها الثورة في الأجيال الشابة، كأحد الردود المجتمعية المتمسكة بوحدة الشعب السوري، دون أن تغير ظروف التهجير القسرية التي يعانون منها، من أصالة انتمائهم الوطني الأوسع، والعابر لكل مناطق النفوذ والوصاية، وفي هذا مؤشر كبير على فشل محاولات تطييف الثورة، وعزل بيئاتها وإغراق كل منها بمشكلاتها المناطقية والمحلية، لحرف أنظارها عن موجبات التحرر الوطني بصورته الكليّة.

في حين عبّرت المظاهرات المتنقلة التي تداعى لها السوريون الأحرار في ساحات المنافي ودول اللجوء، عن شوقهم وحنينهم إلى استعادة نبض الثورة، كما أحيته انتفاضة السويداء مجدداً، فكانت الاعتصامات والوقفات التي قاموا فيها، فرصةً للتفكير بدور الخارج في دعم حراك الداخل، وكيفية استنهاض واقع اللاجئين، كأصحاب مصلحة في سقوط النظام والعودة إلى ديارهم، والمشاركة في بناء سوريا الجديدة.

على وقع تلك الحقائق والمعطيات المستجدة، التي أحدثتها انتفاضة السويداء وماتزال، تأتي الأصوات الغاضبة التي خرجت من الساحل السوري مؤخراً، تعبيراً  عن حالة الاحتقان المتنامي في الشارع السوري، إزاء توغل نظام القتل والنهب الأسدي، في إهدار كرامة السوريين، وتحويل حياتهم إلى جحيم لايطاق، ما يضعنا أمام فرصة سانحة لا سابق لها، منذ دخول الثورة السورية في دوامة الاستنزاف والإنهاك طيلة السنوات الماضية، لاستعادة روح وزخم ثورة الحرية والكرامة، وجمع وتنظيم صفوف أبناء الثورة في كل مكان،  من خلال إعادة بناء بديل وطني ديمقراطي عن المؤسسات الفاشلة التي احتكرت تمثيل قوى الثورة والمعارضة زوراً وبهتاناً، وأصبحت عبئاً ينبغي التخلص من ممارساته المُشينة، كحفلة الانتخابات/ المهزلة، التي شهدها الائتلاف مؤخراً.

اليوم تشتد الحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى لولادة قيادات وطنية وسياسية صادقة، وقادرة على قيادة الحراك الثوري بمختلف أشكاله ومجالاته في الداخل والخارج، والعمل على توسيع مداياته لتصل إلى البيئة الحاضنة للنظام، وهي الآن في أشد مراحل تذمرها وغضبها من استثماره المفضوح بدماء أبنائها. هي لحظة سورية ينضج فيها العامل الداخلي على نارٍ ملتهبة، للفظ النظام إلى حتفه المحتوم، وهي المهمة الوطنية الكبرى التي تستوجب التفاف قوى الثورة والتغيير في سورية، على برنامج عمل وطني محدد برؤيته وأهدافه ومهامه المرحلية والاستراتيجية.

تبقى المهمة الراهنة والأولوية المُلّحة الآن، هي حماية انتفاضة السويداء، وتصعيد الحراك السوري في مختلف ساحات الداخل والمنافي، لاسيما أن قيام شبيحة النظام وحزب الله، بإطلاق النار من مقر حزب البعث في السويداء، على المتظاهرين يوم 13 /9/2023، ما يشير بوضوح إلى لجوء النظام وحلفائه، إلى أساليب القتل والقمع والتنكيل، لإسكات صوت المنتفضين العزل من أحرار السويداء، كما فعل مع ملايين السوريين الذين ثاروا عليه، وقد جاء تعليق الشيخ حكمت الهجري على هذه الواقعة، جلياً في تعبيره عن الضمير الوطني لأهالي السويداء، وقد لاقى حديثه الشجاع والعقلاني، وحرصه على حقوق ومصالح ودماء كل السوريين، وفضحه لعقلية النظام الإجرامية، والدور  الاحتلالي البغيض لإيران وحزب الله في سورية، الاحترام والتقدير الكبيرين لشخصه ودوره في تأصيل خطاب وطني جامع، يضع سورية في قلب السويداء، ويضع مصير السويداء من مصير سورية برمته.

أخيراً: نحيى باسم “تجمع مصير” ثورة شعبنا السوري الحر في كل مكان ينتفض فيه الأحرار على مظالم عصابة الأسد وحلفائها الأشرار، وكل من يواجه مشاريع الاحتلال والتقسيم والانفصال والتبعية في سورية. كما نحيى كل الأصوات الحرة التي تكافح من أجل خلاص سورية وبناء دولة القانون والمواطنة لجميع السوريين.

المصدر: موقع مصير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى