لا تبدو استعادة السيطرة التي أعلنت عنها أول من أمس الأربعاء “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، على معظم المناطق التي خسرتها لصالح مقاتلي العشائر في المواجهات الأخيرة التي اندلعت بين الطرفين منذ حوالي أسبوع شرقي سورية، استراتيجية وحقيقية، نظراً إلى تجدد المواجهات يوم أمس الخميس، لا سيما في بلدة ذيبان، معقل شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم الهفل، الذي تصدر هجوم العشائر على “قسد”.
تجدد الاشتباكات بين “قسد” والعشائر
ويوحي تجدد الاشتباكات، أو الهجمات الخاطفة من قبل مقاتلي العشائر على حواجز ونقاط “قسد” التي ثبتتها في بعض المناطق التي سيطرت عليها، بعدم استكانة العشائر للوضع الراهن، لا سيما مع إراقة الدماء من صفوف المقاتلين العشائريين الذين لا تقبل قبائلهم بإهمال “الثأر” لها بحسب المعطيات، إلا في حال المصالحة، وقبولها، مع ديات مُرضية، بحسب العادات العشائرية السائدة.
ويطرح انسحاب الهفل من معقله في ذيبان وتمترسه في مكان غير معلوم، سيناريوهات عدة، منها ترتيب صفوف قواته التي انتفضت أساساً بشكل غير منظّم وشنّت الهجوم على “قسد”، لتعاود الهجوم من جديد، أو التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض بين “قسد” والعشائر بقيادة الهفل، ربما بواسطة “التحالف الدولي”.
ويدرك التحالف والولايات المتحدة تحديداً، مكانة عشيرة العكيدات في المنطقة، وهما لا يريدان مزيداً من التوتر في شرقي سورية، لا سيما أن العشائر لا تزال ورقة ربما تستخدمها واشنطن مستقبلاً ضد مليشيات إيران المنتشرة بكثرة في شرقي البلاد. وفي تسجيل صوتي تسرّب للهفل أول من أمس، أعلن أنه متخفٍ في مكان آمن، وأنه سيدير المعركة إعلامياً، وطلب مواصلة ما سمّاها “الثورة العشائرية التي يريد البعض تفشيلها”، ونفى تلقيه أي دعم خارجي.
وتجددت الاشتباكات صباح أمس، بين “قسد” من جهة، ومقاتلي العشائر العربية و”مجلس دير الزور العسكري” من جهة أخرى، في ريفي دير الزور الغربي والشرقي، شرقي سورية.
وقالت “شبكة عين الفرات”، وهي وسيلة إعلامية محلية تنشط في المنطقة الشرقية، إن قوات العشائر استعادت معظم بلدة ذيبان في ريف دير الزور الشرقي بعد اشتباكات مع “قسد”، مضيفة أن عناصر “قسد” انسحبوا من بلدة ذيبان نحو قرية الحوايج بعد اشتباكات عنيفة مع مقاتلي العشائر. ويأتي ذلك بعد نحو 24 ساعة من إعلان “قسد” السيطرة على كامل بلدة ذيبان.
“التحالف” في ذيبان والهفل في مكان مجهول
وكشفت مصادر للشبكة، دخول رتل لـ”التحالف الدولي” إلى بلدة ذيبان، توجه إلى منزل إبراهيم الهفل وسط أنباء عن بدئه مفاوضات بين “قسد” والعشائر، فيما لا يمكن التأكد من دقة هذه المعلومات التي أوردتها الشبكة.
من جهته، أكد الناشط وسام العكيدي، وهو من ريف محافظة دير الزور، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الاشتباكات تجددت بين مقاتلي العشائر إلى جانب عناصر “مجلس دير الزور العسكري” ليل الأربعاء، في بلدة ذيبان بريف دير الزور الشرقي، وفي ناحيتي أبو خشب والكسرة، وبلدتي الكبر، وجزرة البوشمس، وجزرة البوحميد بريف دير الزور الغربي، شرق البلاد.
وأكد العكيدي، أن مقاتلي العشائر لا يزالون يسيطرون على حي اللطوة القريب من نهر الفرات في ذيبان من جهة بلدة الطيانة بريف دير الزور الشرقي، موضحاً أنهم شنّوا هجوماً معاكساً ليل الأربعاء على حواجز “قسد” المنتشرة وسط ذيبان، بالتزامن مع مهاجمة حاجز “السرب” على الطريق الواصل بين بلدتي ذيبان والطيانة، ما أسفر عن سيطرة أبناء العشائر عليه. وتلا ذلك وفق شرحه هجوم لـ”قسد” على بلدة الطيانة من جهتين.
وأشار العكيدي، إلى أن مقاتلي العشائر، إلى جانب مقاتلي “مجلس دير الزور العسكري”، هاجموا فجر أمس حاجزين لـ”قسد” داخل ناحيتي أبو خشب والكسرة، وحاجزاً عسكرياً آخر في بلدة الكبر، ونقطة تتحصن فيها “قسد” في بلدة جزرة البوحميد، بالإضافة إلى نسف حاجز عسكري لـ”قسد” في بلدة جزرة البوشمس بريف دير الزور الغربي، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى ضمن المواقع المستهدفة.
وشهدت أرياف دير الزور الشرقي والغربي، أمس، تحليقاً مكثفاً لطائرات “التحالف الدولي”، ترافق مع إلقاء قنابل ضوئية عدة في بعض المناطق التي تشهد اشتباكات.
وقلّل الناشط أبو عمر البوكمالي، الذي يتحدر من مدينة البوكمال شرقي دير الزور، من أهمية استعادة “قسد” السيطرة على مناطق خسرتها لصالح العشائر، وضرب مثالاً وجود منطقة واسعة، هي منطقة الشعيطات خارج سيطرة “قسد”. وأوضح البوكمالي في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذه المنطقة إذا انتفضت ستشكل أزمة كبيرة لـ”قسد”، لا سيما أنها تضم العديد من القرى والبلدات، وفيها احتقان شعبي كبير ضد “قسد”.
وأشار البوكمالي إلى أن سيطرة “قسد” على معقل الشيخ الهفل في ذيبان ليست كاملة، و”بالتالي الأمور قابلة للتغير في أي لحظة”. واعتبر أن “قسد إذا أرادت السيطرة على المنطقة، عليها الاستجابة لمطالب المكون العربي، فالناس هناك تريد الاستقرار وليس القتال، لكن في الوقت تريد حقوقها، ولا تفضّل دخول قوات النظام إلى مناطقها”. ورأى أن “قسد على كل أخطائها وتجاوزاتها أفضل من النظام، لكن عليها أن تبادر إيجابياً تجاه العشائر والمكون العربي، وأن تجد نقطة تلاقٍ مع الشيخ الهفل، الذي يُعتبر رمزاً بين العشائر، لا يمكن تجاوزه”.
احتقان متواصل في شرقي سورية
من جهته، رأى مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، أن أسباب استعادة “قسد” السيطرة وتفوقها، تعود لعدم التكافؤ في التسليح بين الطرفين ودعم “التحالف الدولي” لـ”قسد” على الأقل سياسياً، إضافة إلى عدم اشتراك جميع العشائر بالانتفاضة ضد “قسد”. لكن علاوي أكد في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المنطقة هشة أمنياً”، وبالتالي لا يمكن برأيه “الحديث عن هدوء كامل”. وأضاف: “أساساً كان الناس ولا سيما من انخرطوا من أبناء العشائر في قتال قسد، ضمانة لعدم تمدد عناصر تنظيم داعش، فهم قاتلوا التنظيم في السابق، ومعظمهم مطلوبون لداعش بعكس رواية قسد التي تشير إلى أنهم يتعاملون مع التنظيم”.
ولفت علاوي إلى أن المنطقة تفتقر للبنية التحتية والخدمات، ومع استمرار المعركة ستزيد نقمة الأهالي والعشائر على “قسد”. وتوقع علاوي بالتالي أن تشهد الفترة المقبلة تحركات سلمية عن طريق التظاهرات والاحتجاجات، بالإضافة إلى هجمات ضد نقاط “قسد” من قبل مقاتلي العشائر، إن لم يكن هناك حل معين.
من جهته، توقع المحلل السياسي باسل معراوي، أن يلجأ “التحالف الدولي” لتقوية العشائر، وإعادة هيكلة “مجلس دير الزور العسكري”، وإن رُبط اسمياً بـ”قسد”، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن الولايات المتحدة تعمل على تحجيم “قسد”، إرضاء لتركيا. وبرأيه فقد بدا ذلك واضحاً من خلال تواصلها مع قوات “الصناديد” العشائرية، ومع الشيح الهفل في وقت من الأوقات. ورأى معراوي أن “واشنطن لن تتخلى عن العشائر، ولا عن قسد بعد إضعافها وتحجيمها، وهي تسعى أيضاً إلى إرضاء تركيا ضمن هذه المعادلات”.
المصدر: العربي الجديد