قراءة في كتاب : أضواء كاشفة على الثورة السورية المغدورة ١من ٢

أحمد العربي

د. عبد الله تركماني مفكر سوري منشغل في القضية السورية بحثا ومتابعة منذ عقود. كتابه الضخم أكثر من ٥٥٠ ص أضواء كاشفة على الثورة السورية هو تجميع لأغلب ما كتبه حول القضية السورية من أوجهها المتنوعة، السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية… قبل ثورة السوريين في ربيع ٢٠١١م وبعدها. تفاعلات الثورة الداخلية والخارجية. أداء النظام وعنفه ووحشيته، كذلك حال داعميه روسيا وإيران والميليشيات الطائفية. المواقف العربية والدولية الداعمة للثورة، وإن على استحياء. كما كتب عن سوريا في اليوم التالي لسقوط النظام. الأفق الوطني الديمقراطي المطلوب لسوريا وشعبها…

نحن في قراءتنا هنا نطل بتركيز على بعض مفاصل الكتاب ونوضح أن أي قراءة لا تغني عن قراءته كاملا. ونعقب حيث يتطلب التعقيب مبدين رأينا الذي نرى ضرورة إيضاحه.

الأسباب العميقة للثورة السورية.

يعود  د. عبد الله بالزمن للحديث عن سوريا التي عانت من استبداد وقمع وانعدام أي أفق سياسي في عهد الأسد الأب ومحاولة الوريث الأسد الابن بعد عام ٢٠٠٠م أن يفتتح عهده بادعاء استعداده بالانفتاح ديمقراطيا على الشعب السوري وقواه السياسية المعارضة مع قوى المجتمع المدني . حيث حصل ما اسمي ربيع دمشق الذي أنتج منتديات وتجمعات ومنظمات مجتمع مدني ترجمت مطالب السوريين، سرعان ما التف عليها النظام واجهزته الامنية والغت جميع فعالياتها وأغلقت المنتديات تباعا. واعتقلت أبرز ناشطي الحراك الذي استمر سنوات. رغم أنها كانت فرصة برأي الكاتب وغيره كثير لتصحيح مسار الدولة السورية باتجاه الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ولو بتدرج…

لكن واقع حال النظام السوري لم يكن بوارد أن يقدم أي تنازلات للشعب السوري على أي مستوى سوى مزيد من القمع والاستبداد والتضييق المعيشي والعودة للعيش في ظل الانسداد السياسي الكامل…

كان نظام الأسد الابن قد ورث أدوارا إقليمية ودولية يراها أساس علاقاته مع العالم. دور النظام في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام ٢٠٠٣م في دعم الإرهاب وفي محاربته. كما استمر الأسد الابن حاضرا في لبنان كنظام شبه احتلال واستغلال وفساد. ولو أن إدارته فيه ورطته وفرض عليه الانسحاب منه بقرار دولي بعد مقتل الحريري الذي قام به النظام عبر حزب الله اللبناني وأجهزة النظام الأمنية  . انسحب النظام من لبنان لكن بقي حضوره مع مصالحه كاملا في لبنان…

واقع حال الشعب السوري في أسوأ حالاته سياسيا فلا معارضة حقيقية، والحالة الحياتية للسوريين في الحضيض. المظلومية المجتمعية وصلت إلى احتمال التفجير عند أي ظرف مناسب…

مسار وتعقيدات الثورة السورية .

ينتقل د . عبد الله للحديث عن حصول الثورة السورية بعد اندلاع الربيع العربي بدء من تونس الى مصر وليبيا واليمن وسرعان ما وصلت إلى سوريا. بسبب المظلومية المجتمعية والاقتصادية والسياسية وغياب أي أفق مستقبلي تجعلها حتمية. ولو أن رأس النظام تحدث قبل الثورة عن استحالتها في سوريا. ليس لعدم وجود المسببات بل لقناعته أن تاريخ القمع والوحشية في التعامل مع الشعب السوري وقواه المعارضة الذي خلف عشرات آلاف الضحايا أواسط السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. جعل رأس النظام يطمئن أن خوف السوريين يردعهم عن أن يثوروا. لكن الشعب السوري وقواه الحية وشبابه خرج في جميع أنحاء سورية مطالبا بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. وأن الثورة في بداياتها كانت سلمية وأن رد النظام الوحشي على المتظاهرين قتلا واعتقالات واتبعه مع الوقت بالاجتياحات والحصارات والقصف والتدمير والبراميل المتفجرة وبعد سنوات ضرب الكيماوي لعدة مرات. كان يزداد عنفا وبطشا. بحيث كان حصيلة عنفه الوحشي هو وداعميه الروس الذين دخلوا بقوة  منذ عام ٢٠١٥م. كذلك الإيرانيين وحزب الله والميليشيات الطائفية الحاضرة منذ الأيام الأولى لثورة السوريين. كل ذلك دفع الثوار السوريين  للتسلح ومواجهة عنف النظام بإمكانيات متواضعة ومحدودة. وهذا ما اعتبر مقتلا للثورة في عسكرتها. لكن ذلك لم يكن خيارا احتماليا كان حتميا اللجوء للعنف من قبل الثوار في مواجهة عنف النظام وداعميه…

 لم يكن مسار الثورة المسلحة السورية ناجحا بل أخذها الى حيث يريد النظام. فهو برر عنف الثوار ليصل الى مرحلة الحرب على الشعب السوري لدرجة حصول حصاد مر بعد مضي سنوات قتل حوالي المليون وأصيب مثلهم واعتقل مئات الآلاف وهجر الملايين، نصف الشعب السوري داخلا وخارجا ودمر نصف سوريا. تحت دعوى محاربة الإرهاب الجهادي الذي صنعه النظام في سجونه عبر سنوات طويلة ثم أطلقه من السجون ليصنع مجموعات مسلحة جهادية كان ذروتها بروز القاعدة ومن ثم الدولة الإسلامية داعش. وتدخل العالم ليحارب الإرهابيين وسكت عن النظام وما فعله واعتبر هذا دعم ضمني له…

توسع د. عبد الله كثيرا في الحديث عن كيفية دخول القضية السورية في نفق التصفية والقتل البطيء فعلى المستوى العسكري دعمت المجموعات المسلحة بحيث لا تسقط النظام ولا تنتصر ويزداد واقع السوريين سوء. وكذلك التدخلات الإقليمية والدولية لجميع الفاعلين للحصول على مكتسبات ومواقع. وأصبح السوريين من داعمي النظام والثوار وقود الحرب الذي تخدم اجندة الفاعلين الدوليين. ومعهم النظام الذي يريد الاستمرار بالحكم ولو على جثث الشعب السوري وخراب البلاد… وسرعان ما انسحبت الأطراف الداعمة للثورة من دعمها عسكريا بعد سنوات وترك السوريين لمصيرهم الموت والتشرد والمعتقلات.

كما تم العمل على خلق مسار دولي في جنيف من ١ حتى ٩  للبحث عن حل للقضية السورية ولم يصل إلى نتيجة بحيث تقلصت المطالب من تنفيذ القرار ٢٢٥٤ حيث الانتقال السياسي في سوريا وذهاب النظام القائم. الى الحديث عن دستور جديد ثم تعديل في الدستور القائم. حتى هذا المسار تم تجميده. النظام متعنت وروسيا تدعمه في مجلس الأمن وإيران وروسيا في الميدان… كما ابتدع مسار استانة وسوتشي برعاية روسيا وإيران وتركيا الداعمة للثورة السورية التي بقيت الوحيدة تتابع الملف السوري لكونها تكتوي بنتائجه سواء من تواجد حزب العمال الكردستاني جوارها في سوريا ويقوم بعمليات ضدها او بتدفق اللاجئين السوريين بالملايين وانها ترعى المناطق المحررة بالشمال السوري بتواضع، وروسيا وايران يمثلون مصلحة النظام. حتى هذا المسار وصل إلى طريق مسدود. ليس بسبب تعنت النظام فقط بل لأن الأطراف لم تستطع ان تلزم أمريكا وال ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا حيث يسيطرون على شرق الفرات بالبترول والموارد الزراعية، وعدم تقديم النظام أي تنازل حقيقي للشعب السوري ومطالبه العادلة والشرعية…

أما المعارضة التي تبلورت بداية بالمجلس الوطني ثم الائتلاف ثم هيئة التفاوض. ورغم انها لم تمتلك التمثيل الحقيقي للثورة والشعب السوري. فقد تم تهميشهم مع مضي الزمن من قبل كل الأطراف الى درجة عدم الالتفات لوجودهم الذي أصبح رمزيا جدا…

عبر اثنا عشر سنة من الثورة السورية. عاد النظام ليكون الحاكم المطلق لما تبقى في سوريا. تعطل المسار الدبلوماسي لأي حل. وسيطرت أمريكا وال ب ي د على شرق الفرات وأعلنوا شبه دولة كردية انفصالية. و تركيا ترعى المناطق المحررة في الشمال الغربي لسوريا مع ادلب.

 الحالة الآن أشبه بحالة سكون ، العجز عن التقدم لأي حل خاصة بعدما اصطدمت روسيا و أمريكا ومعها الغرب في أوكرانيا، أصبحت قضيتنا السورية في حالة موات له تداعياته السيئة على كل المستويات…

مستقبل سوريا بعد التغيير.

توسع د. عبد الله كثيرا في الحديث عن سوريا المستقبل. سواء سقط النظام او تم بالتوافق معه الانتقال الديمقراطي في سوريا. حشد نصوصا بالعشرات عن البناء الديمقراطي في سوريا. وكيفية ادارة المرحلة الانتقالية وحتى عن بناء السياسة في سوريا لامركزية جغرافية وإعطاء البنى المجتمعية حقوقها بكل تنوعاتها بما فيها القومية وخاصة الأكراد السوريين. وضرورة اعطائهم الحق بتمثيلهم القومي لكن على المستوى الثقافي في سوريا الواحدة. تداول لغتهم وثقافتهم في مناطقهم لكن مع أولوية اللغة العربية كلغة للدولة السورية في التعليم ودوائر الدولة. كما توسع في الحديث عن الآليات الديمقراطية. انتخابات ومجلس نيابي ومجالس محلية والتدرج في خلق الوعي الديمقراطي والممارسة الديمقراطية…

يبقى التساؤل المشروع أنه الى أي درجة يمكن لهذه الأماني والتصورات والمطالب أن تتحقق في سوريا الآن وفي المستقبل…؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى