هل هي موجة ثانية من الربيع السوري؟

أحمد مظهر سعدو

تتمظهر بواعث الحراك الشعبي السوري المنتفض تباعًا كموجة جديدة ومتجددة من موجات الربيع السوري المتواصل منذ ما يزيد على ١٢ عامًا خلت، وتأتي اليوم ديناميات أنساق الهبة الشعبية الكبيرة التي لم تنحصر هذه المرة في بيئة شعبية سورية معينة، أو جغرافية، أو مناطقية، بل راحت تمتد وتكبر لتشمل السويداء كمحافظة بكليتها وجماهيرها الواسعة، بالإضافة إلى الكثير من نقاط التحرك في محافظة درعا، وصولًا إلى الشمال السوري، والساحل السوري كذلك، ضمن تجليات واتساع العديد من البؤر، التي بدأت تململاً ليس إلا، نتيجة الحالة المعيشية الصعبة والخانقة، التي لم تعد تطاق.

ومن يقرأ طبيعة وامتداد الحراك الوطني السوري في ربيعه الجديد، يلحظ ويقف أمام العديد من المؤشرات التي طفت على السطح، وخلقت جوًا موضوعيًا متحركًا، من مسألة إعادة بث الأمل في أتون دينامية المجتمع السوري، الذي سبق أن شغلته كثيرًا وأسهمت في تيئيسه نسبيًا، حالة الاستنقاع الذي يعيشه الواقع السوري في سنواته الأخيرة، بعد أن تخلت العديد من الدول التي كانت تسمى صديقة للشعب السوري الثائر، حين تخلت عنه وتركته لقمة سائغة في فم الوحش الطغياني، والدولة المتوحشة التي تحكمها وتقودها عصابة الأسد، وليست مؤسسات دولة، وهي نفسها (أي هذه العصابة) التي وضعت كل سيادتها السورية المفترضة، في أحضان إيران/ الملالي تارة، والاتحاد الروسي تارة أخرى.

ومن المؤشرات الآنية التي يمكن لحظها في سياق الهبة الشعبية السورية الكبيرة مؤخراً:

– أنها لم تعد محصورة ضمن بقعة طائفية معينة، ولا ضمن مكون أثني سوري بعينه، بل تعدت ذلك بما حملته من رؤيا جديدة وشعارات عملانية، تشير إلى وحدة الشعب السوري وآليات عمله القادمة.

– كما يمكن لحظ ماهية واتساع الرقعة الشعبية، ووطنية وثورية رافعيها، خاصة في محافظة السويداء لتكون المشاركة كما تابعناها، أكبر بكثير مما سلف في تلك المحافظة، عبر سنوات خلت.

– علاوة على وضوح جذرية الطروحات التي بانت في هذه الحراكات، والتي تشير أيضًا إلى امتلاك وعي حقيقي، لما يمكن فعله في مواجهة نظام كم الأفواه، والفساد والإفساد، وهي لم تكن تريد حصر المسألة في قضية لقمة العيش رغم أهميتها للناس، والحالة الاقتصادية الصعبة التي تضيق أكثر وأكثر على الناس، بل تصاعدت الرؤيا لتدرك أهمية وعي مسألة التغيير الكبرى المطلوبة في الوطن السوري.

– تجاوز الحراك السوري الأخير كل الأيديولوجيات والتموضعات السياسية، التي كان من الممكن أن تعيق وتثبط الهمم، وتكون حجر عثرة في طريق توسع وامتداد الحراك.

– مشاركة رجال الدين وشيوخ العقل في الهبة الشعبية في السويداء وهو ما أعطى المسألة بعدًا أكثر قوة واتساعًا وقدرة على حماية الثورة والانتفاض الشعبي، وتشجيعًا على التصعيد بالمطالب ليطول كل رؤوس الفاسدين وعلى رأسهم نظام القمع الفاشيستي الأسدي.

ولعل واقع تحرك هذه الموجة الجديدة من الانتفاض السوري من السويداء إلى القريّا إلى طفس وجاسم وكل درعا، وريف حلب وريف إدلب وريف الحسكة يؤكد من جديد أنه لا بد من الاستفادة الجدية من كل أخطاء موجات الربيع السوري التي سبقت، والتي شابتها الكثير من العثرات حتى أضحت عبئًا كبيرًا يحول دون انتصارها، بل يؤخر كثيرًا إمكانية كنس الاستبداد، الذي خرجت قوى الشعب السوري لإنهائه والانتقال إلى دولة المواطنة والعدل.

بحيث يتم الانتباه والوعي إلى أهمية عدم الانجرار وراء دعوات ليست بصائبة، تنحو باتجاه العسكرة من جديد، بل لعل خط (الثورة السلمية) كان وسوف يبقى الأكثر جدوى نحو مصير أفضل ومنتصر لهذه الانتفاضة الجديدة.

إضافة إلى أن القطيعة الكلية مع إمكانية وضع البيض كله في سلة الخارج باتت ضرورية، وهي من أولويات هذه المرحلة الجديدة، فما حصل في السابق لا يجب أبدًا أن يتكرر، وقد عرف وأدرك الجميع كيف أن تلك السياسات التي اتبعتها الكثير من قوى الثورة والمعارضة السورية قد أودت بنا إلى مآلات لم تكن محمودة.

ويبدو أن من أهم ما يمكن استنتاجه اليوم في سياق متابعة الموجة الجديدة من الانتفاض، هو أن الثورة وإعادة إنتاجها من جديد لم تعد وهمًا، وأن اليأس لم يصل إلى وجدان الإنسان السوري رغم كل ما حصل، ورغم كل حالات العوز والفقر التي أوصل النظام السوري الحاكم عبرها الناس إلى أن يصبح خط الفقر في سوريا يتجاوز حافة التسعين في المئة، وأن ما ينوف عن 65 في المئة من البنية التحتية قد تم تدميرها من قبل نظام الأسد، وأن ما ينوف عن 900 ألف معتقل أُدخلوا سجون الطاغية منذ أواسط آذار/ مارس 2011 وحتى الآن، بالرغم من كل ذلك ما برح الشعب السوري مصممًا على المضي قدمًا في مسيرة تغييره الضرورية لهذا النظام الإجرامي الفاقد للشرعية الدولية والإقليمية والشعبية.

إن الانتشار الكبير اليوم لمساحات الجغرافيا السورية بنقاط لم تحصل منذ سنوات نتيجة الدعوات الشعبية، وكذلك من النخب أيضًا لتشمل هذه الثورة الشعبية الآن جل الساحة السورية، وتلبية النداء بشكل عملي وجدي وفاعل على امتداد الساحة السورية، يعيد إلى الأذهان البعد العميق والأثر الأكبر تساوقًا مع حجم وضخامة الألم والعسف والهدر والاستلاب الذي أنتجه نظام بشار الأسد القمعي، وأن الخلاص من الاستبداد والفساد والنهب والإفقار ما يزال من أولى أولويات الأهداف والغايات الشعبية السورية.

وإذا كانت مدينة ومحافظة السويداء أمسكت بدفة الحراك اليوم، فإن كل السوريين على امتداد الجغرافيا السورية ما زالوا في حالة إصرار حقيقية على الوصول إلى بر الأمان ضمن هدف إنتاج دولة المواطنة، وسيادة القانون، وإنتاج دستور سوري عصري جامع، وعقد اجتماعي جديد يعيد المسألة إلى بداياتها وضروراتها، ويمسك بناصية الحق والحقيقة، ويجمع السوريين بكل أثنياتهم وطوائفهم وتكويناتهم، من أجل سوريا الموحدة وهو ما لاحظناه وعشناه يوم الجمعة الفائت عبر الشعار المرفوع والموحد لجمعة الشعب السوري واحد المتفق عليها شعبيًا وتعدديًا نخبويًا.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى