مُقارَبةٌ في انفتاحِ (فَجْوَةِ الوُجود) بينَ أُفُقِ المُمكِن، والموقفِ العدَميِّ/ أو نفي الأُفُق

د. مازن أكثم سليمان

يُعلِّقَ البعضُ مُشكِّكينَ بمُمكناتِ (الأُفُق) المُنفتِح أحياناً، وقائِلينَ: بعدميَّةِ حدثٍ ما، وعدمِ جدواه..

أُرى من جهتي:

أوَّلاً: (الأُفُقُ) يأتي من التَّجربة والتَّجريب على مُستوى الأفراد والجماعات، لا من المُسَبَّقات المُنجزَة والمُتعالية والنِّهائيَّة، وهذهِ قاعدة وُجوديَّة وكيانيَّة ناهِضَة على منطق (الحُرِّيَّة)، مع نسبيَّة وُجود/ وضرورة وُجود تلكَ المُسَبَّقات، وهذا من طبيعة الحياة أيضاً.

ثانياً: الأُفُقُ يأتي من تراكُمِ الخِبرات، والخِبراتُ تأتي من الفعلِ وإطلاقِ الحدَثِ و(المُبادَرة) حسب مفهوم (ريكور)، وهذا ما يقودُ إلى إيجاد الصِّيَغ، مع وُجود أُسُسٍ قَبْليَّةٍ لتلكَ الصِّيَغ على نحْوٍ نسبيّ، فالعلاقة تبقى جدَليَّة إلى حدٍّ ما.

ثالثاً: من (يُصادِرُ) حدثاً ما، ويقولُ بعدميَّتِهِ، فضلاً عن كونِهِ (يُعدِمُ) الوُجودَ والحُرِّيَّة والاختيارَ الإنسانيّ الطَّبيعيّ أيَّاً يكُن، يُسقطُ هوَ نفسُهُ في موقفٍ عدميّ بحُكمِهِ (النِّهائيِّ المُغلَق) على حدَثٍ ما بعدمِ الجدوى والعدميَّة، مُتجاهِلاً، أيضاً، سِياق التَّاريخ المُركَّب والمُتراكِب، ومكرَهُ المُعقَّد، واستحالةَ حيازتِهِ المُطلَقة بالحتميَّاتِ و(العلل) المضبوطة والمُتحكَّم بها، وناسياً أنَّ كيفيَّاتِ انفتاحِ (فجَواتِ) العالَم تتمُّ خارجَ ثنائيَّةِ (الوُجود/ العدم)، أيَّاً كانتِ النَّتائج المُتوقَّعة.

رابعاً: هذا المُشكِّكُ العدميُّ المُدَّعي إمَّا النُّخبويَّة أو العقلانيَّة أو…….، يتطابَقُ تفكيرُهُ وتقييمُهُ، تماماً، مع التَّفكير المُحافِظ السُّكونيّ الجامِد، الذي سادَ في (ميتافيزيقا) الفكر البشريّ طويلاً، ذلكَ الفكرُ الذي لطالَما ادَّعى أنَّ (الماهيَّة) تسبقُ (الوُجود)، في حين نظَرَ الفكرُ الحديث (السَّارتريّ مثلاً) إلى أنَّ (الوُجود) يسبقُ (الماهيَّة)، وفي أقلّ تقدير رأى (هايدغر) وتلامذتُهُ أنَّ (الدَّازاين: الموجود البشريّ في العالَم) يُحقِّقُ ماهيَّتَهُ في عيْنِ وُجودِهِ الاستباقيّ، هذا إذا استثنينا، هُنا، الكلام عن تيَّارات كثيرة مُعاصِرَة، ومنها (التَّفكيكيَّة مثلاً) نفتْ أيَّ وُجودٍ مُتعيِّنٍ للماهيَّة أصلاً، وحتَّى (مدرسة دمشق للمنطق الحيويّ) رأتْ أنَّ الوُجودَ (شكلٌ/ طريقةُ تشكُّلٍ) لا تمايُزَ فيها بينَ ماهيَّةٍ وأعراضٍ.

أخيراً، أقولُ: إنَّ هذا الكلامَ لا ينفي أبداً (الضَّرورةَ الفاعِلَةَ) في تخليقِ الأفكارِ والرُّؤى المُواكِبَةِ لمآلِ الأُفُقِ، والسَّعي إلى تأصيلِ كينونتِهِ الحُرَّة التي انفتحتْ فَجْوَتُها قدرَ المُستطاعِ، بدَلاً من الوُقوفِ على قارعةِ (اليأس)، والرَّدح بمَقولاتٍ عدَميَّةٍ مَهزومة…….

المصدر: صفحة الدكتور مازن أكثم سليمان على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى