شيء واحد بسيط للغاية يحتاجه الإسلام لينتشر كما ينتشر الضوء : فُسحة بينه و بين الناس ، هذا كل ما أراده رسول الإسلام من قوى الكفر و الطغيان في ذلك العصر : ( خلّوا بيني و بين الناس ) ، غير مكترث بالعروض الخرافية التي عُرضتْ عليه !
و بالمقابل فإنّ حجب الإسلام عن البشرية أمر صعب ، يتطلّب منظومة كاملة للحصار الكامل :
حصار فكري و فطري ، حصار سمعي و بصري ، حصار روحي و عاطفي ، و أدوات صرف وإغراق كثيرة و كبيرة عليها أن تتعاضد معاً حتى تحجب الإسلام كما يُحجَب الضوء !
و قد كشفتْ حركة التاريخ عبر قرون طويلة و تحوّلات كثيرة ؛ أنّ الإسلام قويّ بذاته مهما بلغ ضعف المسلمين و قادرٌ بذاته على استدعاء العقول الكبيرة و الوفود الكريمة لاعتناقه و الخضوع لحقائقه التي لا مفرّ منها ..
كما كشف هذا العصر الأخير بكل ما أحرزه من إفساد كبير و طغيان كبير ، أنّ الإسلام لا يزال قادراً على التأثير برغم تجريده من كل أسباب التأثير !
غدا هذا متواتراً و جلياً بفعل الكشوف العلمية تارة ، و التجرّد العقلي و العاطفي تارة ، و تلمّس الفطرة الإنسانية سبيلها السويّ تارات كثيرة !
بينما بقية المذاهب و الأديان لا تزال تتصدّع و تنهار ، بازدياد الفجوة بينها و بين العلم و العقل و الفطرة !
لقد أدركتْ قوى الشرّ و الطغيان ذلك السرّ الغامض المثير ، فجنحتْ إلى سياسة الحصار الكامل ، و قطع الإمداد من كل الجهات !
فتسارعتْ وتيرة القتل و الاغتيال بالتزامن مع وتيرة العزل و الاعتقال ، كما تسارعت حركة التحريف و التزييف للدين و التاريخ و المناهج و أعلام الرجال ..
إن سياسة الحصار الكامل في كل حقل و ميدان ، و المراقبة الكاملة لكل فُسحة و مجال ، و الأفق المسدود في عالمنا العربي ؛ يفرض قَدْراً من مسؤولية المرحلة على المسلمين في العالم الغربي ، ليسدّوا الثغور التي تُركتْ عُنوة ، و يملؤوا الفراغ الهائل الذي يتمدّد كل لحظة ، و يجبروا الكسر الأليم الذي أقعد الشرق و أعجزه عن القيام كما يجب !
على المسلمين في بلاد الحرية ، و دعاة الإسلام في آفاق الغرب ، أنْ يقوموا مقام الذين حملوا الراية في العالم العربي فكان مصيرهم التغييب ؛ بين مقاصل الاغتيال و غياهب الاعتقال ، أو التغريب بين طمس الهوية أو وحشة الانعزال .
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ
فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ
ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون }