يبدو أن كلمة (نحتفظ بحق الرد) قد خُلقت من قبل نظام العسف الأسدي وعلى الدوام، من أجل تبرير صمته وخنوعه عن الإيتيان بأي رد تجاه كل الاعتداءات الإسرائيلية على الوطن الذي يحكمه بالحديد والنار منذ مايزيد غن خمسين عامًا يوم خطف حافظ الأسد بانقلاب سيء الذكر، الوطن السوري ومن فيه عام 1970، ثم أورث الحكم من بعده لابنه بشار حافظ الأسد.
وقد دأب هذا النظام الطغياني مؤخرًا على إعادة إنتاج وتصدير هذه الجملة (الاحتفاظ بحق الرد) في محضر ردّه على أي سؤال يوجه إلى أحد أركانه في سياق إحراجه جراء مواقفه الكثيرة والصامتة والمخزية، حيث يتعامل فيها عبر مواجهة الاستهدافات المتواصلة والمتكررة بالطائرات تارة أو الصواريخ، أو المدفعية الإسرائيلية، حيث تمارس ذالك إسرائيل منذ سنوات طويلة من خلال استهداف قوات وأسلحة مليشياوية إيرانية، أو تابعة لإيران، ممن تم استقدامهم من الباكستان ولبنان وأفغانستان والعراق، وبالضرورة هذه الاستهدافات تصيب من هم في محيط تلك النقاط المليشياوية، من عسكريتاريا أمنية تابعة للنظام الأسدي ولجيشه، وهو لم يألُ جهدًا كل يوم من الحديث ضمن أسطواناته المشروخة والخشبية، التي تشعر من يتابعها أن هذا النظام مايزال يحمل داخل استراتيجياته وخططه مبدأ مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري، وبشكل أكثر مزاودة شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
واقع الحال يشير إلى أن نظام المجرم بشار الأسد وعبر دوره الوظيفي المعروف مازال ممن لا هم له سوى تثبيت أركان حكمه واستعداء شعبه، وضرب كل من يتحرك في معارضته، أو يثور عليه وبكل أنواع السلاح، وجل مايمتلك من قوة عسكرية، وصولًا إلى كم الأفواه وإلغاء السياسة من المجتمع السوري، وزج المعارضين له في ظلام أقبية ومعتقلات وسجون كان قد صنعها وأكثر من تنويعاتها، فتوالدت على يديه من أجل تثبيت أركان حكمه، وطبقته الفاسدة، وهيمنة السلطة التي يُمسك بها، وتعميم أدوات النهب والفساد على كل مرتكزات الوطن السوري وبنيانه.
وهو في ذلك يعيد إنتاج نفسه من أجل استمرار بقائه الأمني العسكري العصبوي الآني والمستقبلي، في أرض سوريا، في مستقبلات الأيام، وهو يدرك أيضًا أن لا بديل له بعد، وليس بالإمكان والمستطاع اليوم إنتاج أي نظام يوازيه في خدمة الدور الوظيفي المناط به، والذي مابرح يقوم به، ولعله قام به عبر سنين طويلة من سياسات ومنهج القتل والاعتقال السياسي.
والحقيقة أنه ليس من مصلحة هذا النظام الأسدي العسكري العصبوي الانشغال أبدًا في أية معركة عسكرية يعتبرها ثانوية، قد تودي به إلى الهاوية، ضد إسرائيل أو أي طرف خارجي، يعرف أنه غير قادر على مواجهته، ولايريد مواجهته، بعد أن أصبح جيشه منهكًا وهلاميًا، ويعجز عن أي مواجهة حقيقة، خلا مواجهة الشعب السوري الأعزل والمكبل بالكثير من الأسوار والمعوقات التي مازالت تمنع إمكانية مواجهة هذا النظام الطغياني وفجوره، الذي تخطى به ووفق نموذجه في القتل، كل مايمكن أن يكون مشابهًا له في المنطقة أو خارجها.
من هنا فإنه يجدر القول أننا لن نجد في المنظور الآني والمستقبلي أي رد حقيقي أو فاعل، أو مواجهة عسكرية للنظام السوري وداعميه الإيرانيين، ضد الاعتداءات المستمرة على أراضيه، وبالتأكيد لن تنصحه إيران/ الملالي بذلك ولا حليفته الأخرى دولة الاتحاد الروسي/ البوتيني بهذا الأمر، حيث (يعرف كيف يختار حلفاءه) كما قال رأس النظام مؤخرًا ، فيرتهن بشار الأسد صاغرًا دون أي رد حقيقي، لأن الغاية (كانت ومازالت) هي الحفاظ على (الدولة السورية) و(جمهورية الكبتاغون)، جثة هامدة تابعة له وممسوكة كليًا في أتون أدواته الميليشياوية الطائفية الفاسدة والمفسدة، حتى لو أدى ذلك إلى أن تصبح سوريا دولة منهارة ومارقة ودولة فاشلة، كما هو الحال الآن، ومجموعة تكتلات وعصابات تجمع وتستجمع بعضها تشبيحيًا، من أجل مصالح الطاغية وعصاباته الكبتاغونية والطائفية، التي تتخادم بالضرورة مع دولة الملالي الإيرانية وروسيا.
في المحصلة يمكن القول: إن النظام الكيماوي الأسدي وفي الذكرى العاشرة لأكبر مجزرة كيماوية تعرض لها شعب في العالم، كما حصل في ٢١ آب/ أغسطس ٢٠١٣ مازال يحكم الخناق على الشعب السوري، ويهدده بالسلاح الكيماوي، وبكل أنواع الأسلحة الحديثة التي زودته بها روسيا، وأيضًا إيران/ الملالي ضمن سياقات مشروعها الفارسي الطائفي الذي تصدره للمنطقة، ومايزال هذا المجرم الأسدي طليقًا، وتتابع عمليات التطبيع معه رغم بعض التعثرات، وسط صمت عالمي وعربي، وفرجة دولية لم يسبق لها أي مثيل، وهو نفسه أي هذا النظام القاتل، مازال يتشدق بوعوده لإسرائيل باختيار الزمان والمكان الذي سيرد فيه على صواريخ وطيران إسرائيل، وهو بالتأكيد لن يفعل ذلك البتة، بل ما انفك يعتبر أن العدو الرئيسي له ليس إسرائيل، بل العدو هو الشعب السوري الطيب الذي ارتكب (الجريمة الكبرى) عندما انتفض سلميًا عليه أواسط آذار/ مارس ٢٠١١ فأقلق راحته وجعله محصورًا في (خانة اليك) كما يقال.
ولعل الجميع بات يدرك اليوم أن الرد الممكن والحقيقي لنظام بشار الأسد سيكون كما عهدناه دائمًا، حيث تقصف إسرائيل ريف دمشق وميليشيات الأسد وإيران، فيأتي الرد سريعًا بقصف نظام الأسد للسوريين المدنيين في إدلب وريفها والشمال السوري المناهض له.
وهي سياسات أسدية لا يبدو أنها تحمل ملامح أي تغير سوف في المنظور القريب، ضمن آليات سياسية وعسكرية عبر دورها الوظيفي المكشوف، تنتج كل يوم أدواتًا جديدة لقهر شعبها وإنهاء وإلغاء حريته وكرامته، بينما تترك أسرائيل تلعب وتعبث كيف تشاء قصفًا واستهدافًا، شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا، دون وجود أي احتمالات جدية للرد، وهو ماعرف به نظام الأسد كسياسة منتهجة منذ اتفاق فض الاشتباك الذي تم توقيعه بين حافظ الأسد وإسرائيل عام ١٩٧٤، أي بعد حرب تشرين أول/ أكتوبر التحريكية.
المصدر: موقع أورينت