حسم دروز سوريا خياراتهم في الاسبوعين الأخيرين , فاختاروا (المشروع الوطني) عبر الانخراط في الثورة على نظام الأسد . حطموا الصنم الأكبر في ساحة السويداء وداسوه بأقدامهم واستأصلوه كعاهة سوداء من وجه مدينتهم الرئيسية .
لم تنفع النظام ترساناته الأمنية وخطوط دفاعه الاجتماعية التي بناها عبر سنوات مخترقا بها وحدتهم كطائفة سورية لها خصوصايتها . تشكيلات من الشبيحة , وقوى الدفاع الوطنية وكل المجندين فيها من أبناء الدروز , لم يظهر لهم أثر في انتفاضة أهلهم العارمة على إثر سماعهم خبر اغتيال الشيخ وحيد البلعوس , ولم يكن هذا مستغربا إلا للأسد نفسه لأنه يجهل معظم الحقائق عن الدروز كما اثبت من قبل جهله بخصائص شعبه ومكوناته معتقدا أن عصاه الغليظة يمكنها إخضاع وتأديب الجميع !
العنصر الحاسم في هذا التطور البارز هو قرار مشايخ العقل قطع آخر شعرة مع السفاح العلوي ,أعلنوا غضبهم على اغتيال الشيخ الفقيد الذي عرف بوقوفه العلني المبكر مع مجموعة أخرى من أتباعه مع الثورة خيارا نهائيا وقرروا الثأر له والرد على القاتل بالتخلي عن ترددهم ووقوفهم في نقطة وسطى بين الشعب السوري وبين النظام ( أو الدولة_ حسب مصطلحاتهم) . وعندما يحسم مشايخ العقل خياراتهم لا يعود للدروز مجال للتفكير , ولا بد أن يتوحدوا وراءهم فقد عرف الدروز دائما باحترام مشايخهم والتقيد بتعليماتهم , وهذه نقطة قوتهم .
اغتيال البلعوس ليس حدثا عاديا لعدة أسباب , أولها لأن الشهيد ليس عاديا , فهو قائد بارز تحلى بالشجاعة والاقدام اللذين تحلى بهما رجال جبل العرب التاريخيين , لا سيما الرمز الكبير سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى على المستعمر الفرنسي . وثانيا لأن الاغتيال فتح الذاكرة الدرزية على مسلسل طويل من جرائم النظام العلوي نفسه بحق الشخصيات الدرزية والرموز الرائدة , من الشهيد كمال جنبلاط إلى شبلي العيسمي . فالحادث ليس سوى فصل جديد من محاولات النظام قهر الدروز وارضاخهم لارادته , أو بالأحرى هو نقطة الدم التي أفاضت الكأس .
الدروز حسموا أمرهم واختاروا العودة للثورة التي دخلوها منذ ايامها الأولى في ربيع 2011 , ثم أحجموا وترددوا بين الاستمرار مع جيرانهم الحوارنة في طريق الثورة وبين التريث وعدم القطيعة مع النظام , واختاروا الحياد والتعايش والهدوء خوفا من الاسوأ وبينما احترم ثوار السهل قرار جيرانهم , ازعج سفاح دمشق وأجهزته فلم يوفروا وسيلة ولا حيلة لكسره والالتفاف عليه وتوريط الدروز في صراعات مع أهل درعا , وأهل القنيطرة , وجرهم الى خندقه الدموي وحربه على الشعب السوري .
ثورة الدروز الجديدة ليست السطر الاخير في قصة العلاقة بين النظام العلوي وطائفة الموحدين الدروز , بل هي الصفحة الأولى في تاريخ جديد مجهول المحتوى حتى الآن .
الدروز قلقون من احتمال تدبير الأسد مؤامرة تستهدفهم ردا على ثورتهم ضده , يشارك فيها الايرانيون وحزب الله و… اسرائيل !.
في الشهور الأخيرة استعمل النظام ورقة المتطرفين ( النصرة وداعش) لتهديد الدروز في حال لم يرضخوا له , فسهل لهم الوصول الى محيط السويداء ليكونوا احتياطيه السري في ارهاب الدروز واجبارهم على العودة الى حماه للاحتماء به . يخشى البعض أن يلجأ الاسد لهذه الحيلة , ولذلك فهم يترقبون بقلق الطريقة التي سيرد بها الاسد على قرار الدروز .
حسب مصدر محلي مطلع فإن أرجح وأخطر السيناريوهات المتداولة الأن أن يوعز الاسد وحلفاؤه لداعش بالهجوم على السويداء ومحيطها لترتكب بعض جرائمها الواسعة, أو أن يقوم الأسد بالايعاز لقواته بقصف السويداء مباشرة كما يقصف بقية المدن بحجة وجود ارهابيين , وعلى إثر ذلك تقوم اسرائيل بالتدخل بذريعة (انسانية) حماية الدروز وبناء على “مطالبة” رسمية من دروز فلسطين لحماية إخوانهم واهلهم في سوريا . وربما يتطور هذا السيناريو لفرض حدود كيان درزي بحماية اسرائيلية , وعندها تتوفر للنظام قرينة قوية لاتهام الدروز بالخيانة واللاوطنية , وإثبات أن بديلهم عنه كان طلب الحماية من العدو !!
يقول المصدر إن هناك قرائن على الارض تشير لوجود تواطؤ بين الاسد وايران من ناحية والعدو الصهيوني من ناحية ثانية , يشبه الى حد كبير التواطؤ القائم بين داعش وقوات النظام على كامل الخريطة السورية . ويرى المصدر أن اسرائيل لم تبد رد فعل قوي يوازي وصول قوات ايرانية _ حزب الله لمشارف الجولان وحدود وقف اطلاق النار بين سوريا واسرائيل , مما يدل على ان هناك موافقة اسرائيلية أن تحل قوات ايران – حزب الله في المنطقة لضمان حدودها وخط وقف النار لكيلا تحتل القوى السورية المعارضة الفراغ الذي يتركه انهيار النظام وانسحاب قواته وانتشار القوى الاسلامية الجهادية التي ترعب اسرائيل كما ترعب النظام وأطراف اقليمية أخرى .
يؤكد أكثر من مصدر سوري في الجنوب أن الدروز قلقون من هذا السيناريو لأنه يتعارض مع خياراتهم الوطنية والعروبية , ويرفضون بقوة أي دور للعدو الاسرائيلي في حمايتهم وتقرير مصيرهم , ويرفضون تقسيم سورية وانشاء كانتون درزي في سوريا لأنه سيكون عبارة عن جزيرة صغيرة معزولة عن محيطها السوري والعربي والاسلامي . وهم مقتنعون أن مصيرهم مرتبط عضويا بمصير الشعب السوري العربي كله , بلا خيار آخر ولا بديل .
تحالفات جديدة تتشكل الآن في المنطقة بعيدا عن الاديولوجيا وشعارات الممانعة وهناك تقارب مصلحي وميداني بين محورايران واسرائيل في مواجهة الثوار السوريين وخيارهم الوطني في المنطقة ضد اسرائيل التي تحتل الجولان منذ 1967 , وضد المشروع الايراني الذي يريد احتلال المنطقة بمباركة أميركية – روسية لضمان أمن اسرائيل مقابل الاعتراف بنفوذ ايران في المنطقة !
´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´´
هذا المقال منشور في ( مجلة الشراع اللبنانية ) العدد 293 الصادر بتاريخ 18 – 9 – 2015