عظماء الرِّجال || الأستاذ عبد الكريم بن محمَّد زهور عدي

محمد عصام علوش

لا زلت أؤكِّد مرةً تِلْوَ المرَّة على أنَّ حماة بلد العظماء، وقد أنجبت من

الشَّخصيات العظيمة الكثيرين ممَّن قدَّموا الخدمات الجليلة لوطنهم وأمَّتهم

العربيَّة والإسلاميَّة، ولا يدري عنهم أبناء جيلنا أو الجيل الذي أتى من بعد

جيلنا شيئًا. من هذه الشَّخصيَّات العظيمة الأستاذ عبد الكريم زهور عدي.

ولد الأستاذ عبد الكريم بن محمد زهور عدي في مدينة حماة عام 1917م

وتلقى تعليمه الابتدائيَّ والثَّانويَّ في مدارسها، وحصل على البكالوريا الأولى

في عام 1935م، ثم حصل على البكالوريا الثَّانية في عام 1936م، وقد

عُرِف طوال دراسته بالألمعيَّة والفِطنة وشدَّة الذَّكاء، وشهد له أساتذته

بالمَوْهبة والتَّفوُّق.

ـ في عام 1937م التحق بدار المعلمين وأمضى فيها سنتين، وبعد تخرُّجه

تولَّى التَّعليمَ في المدارس الابتدائيَّة بمحافظة حماة حتى سنة 1942م.

انتسب بعدها إلى دار المعلِّمين العليا بدمشق ودرس فيها عاما واحدًا، ثمَّ

أوفد إلى جامعة القاهرة فدرس في قسم الفلسفة، ونال الإجازة فيها بتقدير

ممتاز في عام 1946م. وعاد بعد تخرُّجه ليدرِّس الفلسفة في ثانويات دير

الزّور وحماة وفي دار المعلِّمات بحلب حتى عام 1954م، وعمل بالإضافة

إلى التَّدريس في مضمار الصِّحافة.

ـ في عام 1954م انتُخِب نائبًا عن حماة في المجلس النِّيابيِّ السُّوريِّ، وظلَّ

يشغل هذا المنصب إلى أن حلَّ المجلسُ نفسَه عام 1958م بقيام الوحدة مع

مصر فعاد إلى التَّدريس في دار المعلِّمين.

ـ في عام 1959م اختير الأستاذ عبد الكريم زهور عدي مديرًا لدار الكتب

الظَّاهريَّة، وبقي في منصبه حتى عام 1963م، فضمَّ إلى عمله في الظَّاهريَّة

التَّدريسَ في قسم الفلسفة بكليَّة الآداب.

ـ في عام 1963م سُمِّي الأستاذ عبد الكريم زهور عدي وزيرًا للاقتصاد، ثمَّ

آثر التفرُّغ للعمل العِلْميِّ فعاد في عام 1969م إلى التَّدريس في قسم الفلسفة

في كليَّة الآداب بجامعة دمشق، واستمرَّ في إلقاء محاضراته ستَّ سنوات،

ـ في عام 1979م انتُخِب عضوًا عاملًا في مَجْمَع اللُّغة العربيَّة بدمشق خلفًا

للدُّكتور جميل صليبا، وفي عام 1983م اختير الأستاذ عبد الكريم زهور

عدي عضوًا في لجنة النَّشر العِلْميِّ في المجلس الأعلى للعلوم، كما انتُخِب

عضوًا مؤازرًا في مَجمع اللُّغة العربيَّة الأردنيِّ في عام 1980م.

ـ شارك الأستاذ عبد الكريم زهور عدي في المَجمع في أعمال (لجنة المجلَّة

والمطبوعات) و(لجنة دراسة مخطوطات دار الكتب الظَّاهريَّة) و(لجنة

المخطوطات وإحياء التُّراث) ونشر في مجلَّة المَجمع أربعةً وخمسين مقالًا

في المدَّة من (1960ـ 1985م) بعضُها في التَّراجم، وبعضُها في التَّصوُّف

وبعضُها في التَّعريف بالكتب… كما كتب عددًا من المقالات في الصُّحف

والمجلَّات السُّوريَّة والعربيَّة المختلفة.

ـ توفِّي الأستاذ عبد الكريم زهور عدي في دمشق في السَّادسَ عَشَرَ من

نيسان عام 1985م مخلِّفًا من آثاره المطبوعة في الفكر السِّياسيِّ: مَدخل إلى

علم السِّياسة الصَّادر عن دار دمشق عام 1963م.

ـ قال عنه الدُّكتور شاكر الفحَّام في حفل استقباله في مَجمع اللُّغة العربيَّة

بدمشق: “لقد حمل كثيرًا من الأعباء والمسؤوليَّات، فقد كان معلِّمًا في

مدرسة، ومتطوِّعًا في جيش الإنقاذ (فوج اليرموك)… ونائبًا عن حماة،

وأستاذًا محاضرًا في قسم الفلسفة بجامعة دمشق، ومديرًا لدار الكُتُب

الظَّاهريَّة، ووزيرًا للاقتصاد، وعضوًا في مباحثات الوحدة الثُّلاثيَّة في

القاهرة، وباحثًا ينشر الدِّراسات في مجلَّة المَجمع، وعضوًا فعَّالًا في هذا

المَجمع الكريم، أمَّا كتاباتُه فقد كانت بخاصَّة في حقول الفِكر السِّياسيِّ، وفي

علوم النَّفس، وفي التَّصوُّف الإسلاميِّ”

وقال عنه الأستاذ الدُّكتورمحمد بديع الكسم بعد وفاته: “كان عبد الكريم

يبحث دائمًا كما لو كان يفتِّش عن ضالَّةٍ عزيزةٍ عليه، وينبش الأماكن هنا

وهناك. إنَّه كمَن ألمَّ به وجعٌ وظلَّ يبحث في فراشه عن وضعٍ يُريحه حتَّى

وجد الرَّاحة الكبرى رحمه الله”

وقال فيه أستاذُنا الأستاذ أحمد راتب النَّفَّاخ بعد وفاته: ” رحم الله أبا حيَّان

وغفر له وأحلَّه دارَ كرامته. لقد فارقنا ونحن أحوجُ ما نكونُ إلى مِثله في

نفاذ بصيرته، ومضاءِ عزمهِ وصدقه… كان رحمه الله لا يتعلَّق من الحياة

إلَّا بمعانيها السَّامية، لا تزدهيه المناصب، ولا تغرُّه الألقاب، ولا تستغرقه

همومُ نفسه، وإنَّما كان همّه الأكبر الَّذي ظلَّ أبدًا يعتلج في فِكره وضميره همّ

أمَّته ومطامحها ومستقبلها، يسدِّده في مساعيه فكرٌ نيِّرٌ لا تعمى عليه معه

السُّبُل، وخُلُقٌ قويمٌ يرتفع به فوق ما ينحطُّ فيه ضعافُ النُّفوس من

سفاسف… كان الصِّدقُ في القول والعملُ طبيعةً راسخةً فيه، يتوخَّى الحقَّ

ويتبعه حيثما لاح له، ثمَّ يَثبت عليه لا يَفتِنه عنه هوى… يرحمه الله”

وبعد: ألا تكفي هذه الشَّهادات الثَّلاث من هؤلاء الجهابذة العمالقة رحمهم الله

لنقول بكلِّ ثقةٍ وتأكيد إن الأستاذ الحمويَّ الفذَّ عبد الكريم بن محمد زهور

عدي كان من عظماء الرِّجال؟

 

عن مَجمع اللُّغة العربيَّة بدمشق ومصادر أخرى بتصرُّف

وصفحة معقل زهور عدي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى