قالت صحيفة “واشنطن بوست”، في تقرير أعدّه جون هدسون وأليكس هورتون، إن المخابرات الأمريكية لا تعتقد أن القوات الأوكرانية ستحقق أهداف الهجوم المضاد. وبسبب حقول الألغام لن تستطيع القوات الأوكرانية الوصول إلى مدينة ميلتوبول، التي تُعتبر مركز عبور مهماً للروس.
ويعني التقييم الأمني، حسب عارفين أخبروا الصحيفة، أن الفشل يعني عدم قدرة القوات الأوكرانية على تحقيق واحد من أهم الأهداف للعملية المضادة، وهو تخريب الجسر البري الذي يقود إلى شبه جزيرة القرم، في حملة هذا العام.
وجاء التقييم القاتم بناء على خبرة الروس القاسية في الدفاع عن المناطق المحتلة، عبر حقول الألغام والخنادق، وربما قاد إلى توجيه أصابع الاتهام في العاصمة كييف والعواصم الغربية حول سبب فشل الهجوم المضاد، الذي ضخّت فيه الدول الغربية مليارات الدولارات والأسلحة والمعدات.
وستظل القوات الأوكرانية، التي تحاول التقدم باتجاه مدينة ميلتوبول من بلدة روبوتين، التي تبعد 50 ميلاً، في مكانها على بعد عدة أميال من المدينة، حسب المسؤولين الأمريكيين.
ولم يكشف المسؤولون الأمريكيون والغربيون عن هويتهم نظراً لعدم السماح لهم بمناقشة معلومات حساسة، فيما رفض مكتب مدير الاستخبارات القومية التعليق.
وتعتبر مدينة ميلتوبول مهمة للعملية العسكرية المضادة لأنها تعتبر بوابة شبه جزيرة القرم. وتقع المدينة على تقاطع طريقين سريعين، وسكة حديد تسمح للقوات الروسية بتحريك الجنود والمعدات من شبه الجزيرة إلى المناطق المحتلة الأخرى في جنوب أوكرانيا.
وبدأت القوات الأوكرانية الحملة المضادة في حزيران/ يونيو، على أمل تكرار ما حققتْه من نجاح، في العام الماضي في منطقة خاركيف.
إلا أن القوات الأوكرانية تكبّدت، في الأسبوع الأول من الهجوم، خسائر فادحة ضد الدفاعات الروسية القوية، رغم ما لديها من معدات جديدة، مثل دبابات لييورد2، وعربات برادلي، وعربات متخصصة في تنظيف حقول الألغام.
قال المسؤولون الغربيون والأمريكيون إن الخسائر كانت متوقعة في الحرب التي أدارتها الجيوش الأمريكية والبريطانية والأوكرانية، واعتُبِر الضحايا ثمناً لاختراق خطوط الدفاع الروسية الرئيسية. إلا أن أوكرانيا اختارت منع الخسائر، وحوّلت تكتيكاتها نحو الوحدات الصغيرة للدفع أماماً على عدة جبهات، وهو ما قاد لتحقيق الأوكرانيين تقدماً بطيئاً في جيوب على مختلف الجبهات.
وخصصت كييف، في الفترة الأخيرة، وحدات احتياط جديدة للجبهة، بما فيها وحدات سترايكر وتشالنجر، لكنها لم تخترق بعد الدفاعات الروسية.
ويعتبر الطريق إلى ميلتوبول صعباً جداً، وحتى السيطرة على المدن القريبة، مثل توكماك سيكون صعباً، كما يقول روب لي، المحلل العسكري في معهد أبحاث السياسة الخارجية: “لدى روسيا ثلاثة خطوط دفاع رئيسية، ومدن محصنة بعدها”، و”السؤال لا يتعلق بقدرة الأوكرانيين على اختراق واحد، اثنين منهما، ولكن عليهم اختراق الثلاثة، وأن يكون لديهم قوات كافية بعد حرب الاستنزاف لتحقيق أمر مهم، مثل السيطرة على توكماك، أو أي شيء بعدها”.
وتقول الصحيفة إن النظرة القاتمة التي أحيط بها بعض الجمهوريين والديمقراطيين في الكابيتال هيل، قادت إلى لعبة تَلاوُم داخل الأبواب المغلقة.
وعبّرَ بعض الجمهوريين عن تردد في دعم طلب الرئيس بايدن لدعم إضافي من 20 مليار دولار في ظل نتائج الحملة المتواضعة.
وانتقد جمهوريون وصقورُ الديمقراطيين الإدارة لأنها لم ترسل معدات عسكرية قوية، وسريعاً، لأوكرانيا.
ورفض المسؤولون الأمريكيون النقد بأن مقاتلات أف-16، أو الصواريخ بعيدة المدى، مثل أتاكمس، كانت ستحدث نتيجة مختلفة.
وقال مسؤول بارز في الإدارة: “المشكلة تظل في اختراق خطوط الدفاع الروسية الرئيسية، ولا توجد أدلة على أن هذه الأنظمة هي الحل السحري”.
وفي مقابلة، هذا الأسبوع، قال قائد الأركان المشتركة الجنرال مايك ميلي إن الولايات المتحدة كان صريحة بشأن المهمة الصعبة: “قلتُ، قبل عدة أشهر، بأن هذا الهجوم سيكون طويلاً، وسيكون دموياً، وسيكون بطيئاً”، و”هذا هو: طويل، دموي، وبطيء. وهو قتال صعب جداً جداً”.
ورغم أن الأوكرانيين لم يحققوا أهدافهم، إلا أنهم نجحوا في إضعاف القوات الروسية. “الروس في وضع صعب”، كما قال، و”عانوا من خسائر ضخمة، ومعنوياتهم ليست عالية”.
وقال المسؤولون إن البنتاغون نصحَ الأوكرانيين أكثر من مرة بتركيز قوات ضخمة على نقطة اختراق واحدة، مع أن أوكرانيا مالت نحو إستراتيجية مختلفة، وكان هذا هو قرار كييف نظراً للتضحيات الضخمة في ساحات المعارك. واعترف وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوبيلا ببطء العملية، لكنه أكد أن الهجوم المضاد لن يتوقف حتى تتم استعادة كل الأراضي الأوكرانية: “لا يهمنا كم سيأخذ من الوقت”، حسب تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، يوم الخميس.
قال المسؤولون الأوكرانيون إن التوقيت يعتمد على قدرة القوات اختراق حقول الألغام، وهي عملية صعبة زادت من الضغوط على جهود عمليات تنظيف الألغام، وعلى مساحة واسعة.
ويقول المحللون إن التحديات التي تواجه أوكرانيا من عدة وجوه، لكنهم يتفقون جميعاً على أن روسيا فاقت التوقعات في حرفيتها للدفاع عن المناطق المحتلة. والعامل الأكثر تحديداً هو الكيفية التي مضى فيها الهجوم حتى الآن، وهو نوعية الدفاعات الروسية، و”لديهم الكثير من الوقت للتحضير جيداً وتعقيد مهمة التقدم الأوكراني”.
طُرحت أسئلة حول الطريقة التي نشرت فيها أوكرانيا قواتها وفي أي منطقة. فعلى مدار عدة أشهر ضخَّ الأوكرانيون جنوداً ومعدات في باخموت، ولكنهم فقدوا السيطرة عليها، ولم يحققوا إلا تقدماً ضئيلاً في المناطق المحيطة بها. وفي الوقت الذي يعتبر فيه القتال على خطوط النار والخنادق مختلفاً في باخموت عن مشاكل الألغام في الجنوب، إلا أن التركيز جعل رموز الإدارة الأمريكية يتساءلون عن النشر المبالغ فيه بالشرق، وأنه قد يؤدي لتآكل القدرة بالجنوب. ويتطابق التقييم الاستخباراتي الأخير مع التكهن السري، في شباط/فبراير، وهو أن نقص المعدات وقوة الجيش يعني فشل الهجوم المضاد، أو عدم تحقيق كل الأهداف الأوكرانية من ناحية قطع خطوط الاتصال مع القرم.
وتم تسريب هذا التقييم على منصات التواصل الاجتماعي، في ما عُرف بملفات ديسكورد. إلا أن المسؤولين في واشنطن لا يزالون يأملون بمفاجآت أوكرانية، وإثبات خطأ المتشككين. وقال مسؤول دفاعي إن أوكرانيا قد تستطيع تغيير الأعراف التاريخية ومواصلة الحرب في الشتاء، عندما يصبح توفير الدفء والطعام والإمدادات للجنود صعباً. إلا أن هذا يعتمد على عدة عوامل؛ منها عدد الجنود الواجب نشرهم بعد موسم قتالي، كما يعتمد أيضاً على المعدات المتخصصة وبرد الشتاء القارص، لكن روسيا لديها القدرة القتالية في الشتاء: “الروس معروفون بقدرتهم على القتال في الجو البارد”، حسب المسؤول.
المصدر: “القدس العربي”