مراقبون يطرحونه حلاً بديلاً لكن المخاوف تتزايد من التحركات الروسية غرب أفريقيا
قضى انقلاب الجنرال عبدالرحمن تياني في النيجر على آمال دول أوروبية كانت تسابق الزمن لضمان مساهمة غاز نيجيريا الذي تمر أنابيبه من النيجر نحو الجزائر وعبرهما إلى أوروبا على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.
ومنذ إعلان المجلس الوطني لإنقاذ الوطن في النيجر الذي انقلب على الرئيس المنتخب محمد بازوم، بدأت أوروبا المهددة بشتاء قارس تبحث عن بدائل عن غاز نيجيريا المحاط ببؤر توتر ربما لا تعود الأوضاع فيها إلى سابق عهدها في القريب العاجل، إذا ما نفذت دول تجمع غرب أفريقيا خططها العسكرية لإعادة بازوم المحاصر في قصره بنيامي منذ نهاية يوليو (تموز) الماضي، حين انقلب عليه قائده العسكري الغاضب.
ألقت الأوضاع في النيجر بظلالها على مستقبل مشاريع الطاقة التي تؤمل أوروبا عليها في القريب العاجل، بخاصة إذا صحت تقديرات المراقبين حول علاقة محتملة بين حكام نيامي الجدد مع روسيا.
وعن هذه القضية، يقول المتخصص في قضايا الطاقة محمد أكا إنه “من المؤكد أن النفوذ الروسي في منطقة غرب أفريقيا سيكون له تأثير مباشر في المصالح الأوروبية في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بمجالات الطاقة، التي تعد ورقة الضغط الأولى التي تستخدمها موسكو للتأثير في القارة العجوز”.
ويضيف “من أبرز تلك المشاريع المعرضة لهذا التأثير خط أنابيب نقل الغاز من نيجيريا باتجاه القارة الأوروبية عبر النيجر والجزائر، والذي وصل إلى مراحل متقدمة، في شأن إعداد دراسات الجدوى وحشد التمويلات اللازمة، إلا أنه حال تأكد التدخل الروسي في نيامي فإن احتمال تنفيذ هذا المشروع سيصبح ضعيفاً، على رغم العلاقات القوية التي تربط الجزائر بموسكو”.
وتراقب العواصم الأوروبية بقلق بالغ مآلات حوار اللحظات الأخيرة بين قادة “إيكواس” والمجلس الوطني لإنقاذ الوطن في النيجر.
ومع إعطاء الضوء الأخضر من “إيكواس” لنشر جيوشها في الأراضي النيجرية ستعصف لغة السلاح بآخر آمال أوروبا في وصول الغاز الأفريقي المسال القادم من تخوم دول غرب القارة السمراء الملتهبة.
ميزة تنافسية
دفع تسارع الأحداث في النيجر إلى تزايد حديث المراقبين الاقتصاديين عن حظوظ تلوح في الأفق للغاز الموريتاني الذي سيبدأ تصدير أول شحنة منه مطلع العام المقبل.
واعتبر المتخصص في قضايا الغاز الموريتاني سلامة ولد المصطفى “أن قرب السواحل الموريتانية من أوروبا والاستقرار السياسي والأمني وعمق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ونواكشوط عوامل تصب في مصلحة الأخيرة، والمتحفزة لتصدير غازها إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط”.
وشرح سلامة مسوغات هذا التفضيل الأوروبي المحتمل لغاز موريتانيا، بقوله “البلاد تقع على أبواب أوروبا، إذ إنها توجد على مسافة ساعة واحدة من جزر الخالدات في إسبانيا، كما أن تصديرها الغاز إلى أوروبا لا يحتاج إلى أنابيب، وبإمكانها استغلال هذا الظرف الجيوستراتيجي الخاص، فالقارة العجوز تحتاج إلى التدفئة وغاز منطقة غرب أفريقيا تحاصره الأزمات”.
ويطرح المتخصص في الشأن الأفريقي محمد عالي قراءة أخرى للمشهد المتحول في المنطقة قد يقلل من فرص تصدير غاز موريتانيا إلى أوروبا، إذ يعتبر “أن كل هذه المستجدات ستجعل من مشروع خط الأنابيب الرابط بين نيجيريا والمغرب عبر المحيط الأطلسي هو الخيار الأول لتأمين نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا، وهذا المشروع سيظل أيضاً أمام خيارات صعبة، ليس أقلها سوءاً إمكانية توسع النفوذ الروسي إلى إحدى الدول المطلة على المحيط الأطلسي”.
وتبقى كل الاحتمالات واردة ما لم يحسم خيار التدخل العسكري في النيجر، وعلى رغم انزياح الأوضاع نحو هذا الخيار، فإن مستقبل الطاقة في أوروبا يدخل في حالة عدم يقين تمليه الظروف الأمنية في منطقة غرب أفريقيا.
مشهد غائم
أظهرت التوترات في غرب أفريقيا حالة من التأزم لم تشهدها المنطقة منذ نيل استقلال دولها في ستينيات القرن الماضي، وحملت التغييرات الدراماتيكية في ثلاث دول أفريقية هي مالي وبوركينافاسو والنيجر تحولاً عميقاً تمثل في قلب المجن على مستعمر الأمس فرنسا، يضاف إليه تدافع سريع نحو أحضان موسكو التي أصبحت رقعة نفوذها تتوسع في القارة السمراء.
واتضح من تسونامي دول منطقة الساحل الأفريقي أن خطوط أنابيب الغاز هي من يرسم خريطة المشهد الاستراتيجي اليوم في هذه المنطقة التي يتابع العالم مآلاتها، باعتبار أن ضياع الدولة المركزية في هذه البقعة من العالم سيفتح على أوروبا جحيم الهجرة غير النظامية وتدفق السلاح وانتشار تهريب المخدرات.
ويخلص عالي إلى أن “أن الانقلاب في النيجر يعتبر اختباراً مهماً لتحديد مسار مشاريع الطاقة في غرب أفريقيا بشكل عام، لأنه في حال انتصار الطرف الروسي في المعركة فإن الشركات الأوروبية والأميركية ستضطر إلى توقيف مشاريعها لاستغلال الغاز والهيدروجين الأخضر في المنطقة بشكل عام، نظراً إلى إمكانية توسع النفوذ الروسي في المنطقة بشكل أكبر”.
المصدر: اندبندنت عربية